هالة منير بدير تكتب: وزارة تحديد النسل والأموات .. !

 

صحيح أن درجة حرارة الجو منخفضة ولكن ليست إلى الحد الذي تجعل دماء البشر تتجمد إلى هذا الحد ، حد الدم البارد في الحشرات والزواحف ، أستطيع تخيل المشهد بعد منتصف الليل في صقيع قارص لتمتد الأيدي عارية لتحمل أيدٍ وأرجلٍ متناثرة لا يُعلم أصحابها  في وسط بحر من الدماء ، أو شباب ورجال يحملون مصابين أخرسهم هَوْل المشهد محاولين استيعاب فجيعة ما أصابهم ، أو أصواتٍ تصرخ لطلب المعونة من بشرٍ نيام فتلجأ إلى الله بلطفه لقلة الحيلة وقصر اليد ، صحيح أن النوم مبكراً يجلب الرزق كما وصانا الرئيس المؤمن ولكن ليس حد " الشخير – شخير كل المسئولين  " في وقت يلتقط فيه المواطنين أشلاء ضحايا حادث قطار البدرشين الحربي ،المسئولون الذين هم على الدوام آخر من يعلم ، المسئولون الذين أول ما يستمدون معلوماتهم عن الحوادث يكون عن طريق التليفزيون ، وكل هذا يحدث كالعادة في منتهى التباطؤ المعهود من وصول متأخر لسيارات الإسعاف فيلجأ الناس لنقل الجرحى بأنفسهم ، أو بطء وصول الأوناش لرفع عربات القطار لانتشال الضحايا من تحت حطامها فيُجن البشر المسعفون في أرض الحادث محاولين رفع أطنان من الحديد بأيديهم دون أي معدات ، أو ضعف التواجد الطبي اللازم في المستشفيات في هذه الساعة من الليل ، كل هذا وسط العديد من استغاثات الأهالي لنزول كل من يستطيع المساعدة وسط تضارب أعداد الوفيات والإصابات ولكنها تظل في النهاية مجرد أرقام في سجلات وزارة الصحة أو أسماء في جرائد اليوم التالي في صفحة الحوادث أو صفحة الوفيات ..
 
يبدو أن وزارة النقل والمواصلات منذ مدة ، تقوم بتنفيذ مشروع  " الوعكة المصرية –  أو مشروع النهضة الإخواني " على أكمل وجه ، ومن أول مهامها هو تحديد النسل ، فلا مانع من أن يتخلص التعداد السكاني من بضع مئات أو آلاف من زهرة شباب مصر من المجندين في الجيش في حوادث انقلاب مدرعات وعربات تكررت في الفترة الماضية ، ولا مانع أيضاً من التخلص من عشرات الأطفال تحت عجلات السكك الحديدية في صباح أحد الأيام فسيكبر هؤلاء أيضاً ويكبدون الوطن ببضع مئات أخرى من البشر !!
 
هل بعد تعدد حوادث القطارات بهذه البشاعة المتواترة في الفترة الأخيرة بسبب إهمال أو عدم وجود مزلقان أو نوم السائق أو نتيجة لنظام فاسد موروث لم توضع بذرة تطهيره حتى الآن ، هل سيستمر رئيس الوزارة هذا " القنديل المنطفئ " في منصبه ، أو سيظل وزير النقل " وزير تحديد النسل " على كرسيه ؟؟!!
 
ستظل رائحة دماء الضحايا والمصابين في الأيدي والأنوف ، ليس أيدِ وأنوف من نقلها من موقع الحادث إلى مشرحة أو مستشفى ، وإنما في أيدِ وأنوف كل مسئول قصَّر في أداء واجبه ، أو مسئول منافق وعد بالتغيير والتطهير والنهضة دون أن يحرك ساكناً سوى أن يحرك لسانه بكل تصريح بليد لا يرقى فظاعة الوضع ، ستظل في أيدِ رئيس جمهورية حرك لسانه فيما سبق أيام الحزب الوطني في قضايا القطارات ليقف لسانه عندما أصبح الرئيس ويصم آذانه عن نحيب أسر تفقد أبناءها كل يوم بمنتهى البشاعة التي رأتها البشرية يوماً ، فيظل هو وإخوانه فوق هذا البلد الذي ينحدر إلى الهاوية دون أن يُقدموا أي حل يناهض الأزمة فقط تصريحاتهم المهلهلة عن كشف الأغطية والحزن على النباتات ..
 
احزنوا على الدم الذي صبغ صفيح القطارات وقضبانه .. احزنوا على الدم لو لازلتم تملكون رائحته ..!! 
 
تعليقات القراء