مروان يونس يكتب: قضاء الزند.. وقدر الرئيس.. رحلة البحث عن شرعية جديدة للثورة

 

كان القضاء المصري الشامخ أو كما تريد أن تسمية بطلا للمشهد السياسي خلال الشهر الاخير من 2012  بل محركا رئيسيا لكل الأحدث والتي كانت شرارة البداية لها الإعلان الدستوري رقم 2 والذي اقتنص فيه الرئيس شرعية جديدة بوضع نفسه فوق القانون وغير قابل للطعن وذلك اضافة إلى شرعية سابقة وهي تعيين وتغيير قادة القوات المسلحة.
 
انتفض القضاة بسبب الإعلان الدستوري رقم 2 وعبروا عن إرادتهم من خلال جمعيتهم العمومية بناديهم  والذي يرأسه المستشار الزند وأعلنوا عن رفضهم التدخل في عملهم ووضع الرئيس فوق القانون كما صاحب هذه الانتفاضة انتفاضة النيابات التي رفضت تعيين الرئيس لنائب عام وعزل الآخر بإجراء إلهي فوقي مخالفين الدستور (الذي كان موجودا) وضاربين عرض الحائط باستقلاليتهم أيضا..
 
أما من الناحية الأخرى انتفض الرئيس وجماعته بسبب مؤامرة لا يعرف أبعادها سوى الله ومرسي، مؤامرة تقع حدودها بين اختطاف الرئيس من خلال اختفاء قسري وبين نزع شرعيته أو ما تبقى منها من خلال حكم من المحكمة الدستورية..
 
و فورا عبرت الجماعة والجماعات المصاحبة لها عن إرادتها ايضا وفي حركة مباغته هجم الثوار الإخوان على بعض المحاكم و حاصروا البعض الآخر وروعوا القضاة وكان الحصار والترويع ومنع القضاة من دخول المحاكم حتى السب لهم "سلميا" حسب تعبير الجماعة الحاكمة، مانعين أية محكمة قد تفكر في إصدار أي حكم يخالف إرادة الرئيس الإله.
 
وفي ظل هذه الأحداث تحرك الشارع المصري داعما لموقف القضاة والذي تطور مع حركة الشارع ليشمل عدم الإشراف على الاستفتاء على دستور الجماعة ومن ناحية النيابات العامة تطور وصولا إلى إجبار النائب الخاص للرئيس على الاستقالة والتي كلنا نعلم أنه عاد عنها بعد ثمانية وأربعون ساعة على سنة الجماعة...
 
لم يأبه الرئيس أو الجماعة بالقضاء أو النيابات، استمر في خطته ممررا دستورا رفضت حتى أمريكا الراعي الرسمي للجماعة الاعتراف بأنه مر ديمقراطيا وقالت عنه شعبيا في بيان خارجيتها، الكل استمر فيما هو فيه المحاكم معلقة النيابات معلقة الرئيس مستمر في طريقه..
 
أصبح الرئيس بعد 6 أشهر حانثا بقسما دستوريا، هادما لدستورا وصانعا لدستورا آخر، محاصرا للمحاكم هادما للسلطة القضائية ومعينا لنائب خاص مخالفا لقانون السلطة القضائية وضاربا عرض الحائط بل الكلوب بها، أصبح الدكتور مرسي هو مصر ومنبعا للسلطات والقانون...
 
أصبح رئيسا قدريا يحكم مصر بالأمر الواقع وللأسف قبلت المؤسسات أولها القوات المسلحة لهذه الشرعية القدرية والتي في ظاهراها تحافظ على الأمن القومي (المزعوم) وتحافظ على إرادة الشعب (المزعومة أيضا) وتحافظ على مكتسبات الثورة (المزعومة هي الأخرى) وفي باطنها تحمي نفسها من الاستقلال الكامل للقضاء الذي قد ربما يصل هذا الاستقلال لإصدار أحكاما قد تصل (لاسمح الله) لإسقاط الإعلانات الدستورية للرئيس التي إن سقطت سقط معها إجراء تعيين معظم قادتها الحاليين..
 
ولكن وبشكل موضوعي "كم قتل الحرص الرجال"
 
فلن ينسى التاريخ كم كان هاما إصدار أحكاما مفصلية في مستقبل الوطن قد تم تأجيلها سابقا تحت دعاوي الدراسة واللجان والمفوضين وخلافه ولشهور.. لنتذكر حكم حل التأسيسية، حكم حل الشورى، حكم الفصل في الإعلانات الدستورية أعتقد قضاة مصر أن الشعب أو أغلبية الشعب يعاني من البلاهة السياسية حتى يعتقد مثلا أن حكم الشورى تأجل للدراسة المستفيضة رغم مطابقة الأسباب لحل مجلس الشعب الذي لم يأخذ سوى شهران وصدر!!
 
لماذا يعتقد رجال القضاء أننا لا نتذكر حكم حل التأسيسية الثانية شديد السهولة أيضا الذي لا يحتاج لـ 6 أشهر لدراسة ومفوضين وخلافه (بالأدق لحين تمرير الدستور)، هذا الحكم المماثل تماما ولنفس الأسباب كان سيحل التأسيسية الثانية ويريح المصريين أو أغلبهم.
 
هل هناك تبريرا منطقيا للتأجيل مرة تلو الأخرى حتى صدر لنا دستورا بشرعية الأمر الواقع وبالتزوير؟ هل كانت رغبة سياسية الاستمرار في التأجيل السياسي أو بسبب أن الموافقة الأمريكية جاءت بحل مجلس واحدا فقط أو ربما لنحافظ على الأمن القومي (الذي أصر أنه مزعوما) أم لإرضاء جميع الأطراف؟
 
هذه الأطراف التي لن تتعدي بأقصى تقدير الإخوان والأب الأمريكي وربما المتسترين عليهم من رجال المؤسسات السيادية.. أم ربما تأجلت القضايا حتى لا نصل يوما لاسقاط الإعلان الدستوري و الذي هو ارادة سيادية للدبابة وللمنبر... أسئلة نعرف إجاباتها ولكن لا نريد أن نتذكرها بكل أسف..
 
ولنستخدم كلمة "أكاد أزعم" أن العلاقة الثلاثية (الإخوانية – السيادية – الأمريكية) الغير معروفة الأبعاد قد تدخلت بشكل واضح في القضاء وسياسيا وبكل وضوح وفرضت أمرا واقعا من دستور ومجلس شورى والاعتراف ضمنيا بشرعية الإعلانات الدستورية ولنتصارح مع الله ومع النفس وبكل بساطة فرض التأجيل القوة فوق الحق أو فوق القانون...
 
ورغم كل ذلك كم كان موقف الشعب المصري كريما وشامخا واحتشد بالميادين مدافعا عن القضاة وفكرة دولة القانون وعلى الرغم من الماضي الذي يدور حوله علامات استفهام عديدة.
 
ولتتذكر مؤسسة القضاء الشامخ أن الشعب تحرك بالشارع دعما لكم غاضا البصر عن كل ما سبق متنمين أن "يشمخ" القضاء أيضا ويعبر عن استقلاله ويحكم في أي من القضايا المصيرية التي بمحاكمه.
 
ففي 15 يناير يوما فاصلا في تاريخ القضاء المصري، فهناك جلسة للنظر بالشورى واللجنة التأسيسية وهناك ثلاث احتمالات:
 
الأول الحكم بعدم الاختصاص وإعلان دولة المرشد رسميا والإقرار بكل تصرفات الرئاسة قانونيا بل وبداية تشريع استخدام العنف من المؤسسات السيادية لنصرة القانون (المزعوم) الجديد للجماعة.
 
الثاني التأجيل السياسي وهو الخروج من المأزق وهذه المرة سيخرج القضاء منبطحا وليس منحنيا وهذا ما لا نرغب فيه نهائيا فهذا الانبطاح سيكون انبطاحا للوطن وليس القضاء فقط..
 
الثالث استمرار نظر الدعوى والحكم القريب فيها (ليس بعد فوات الأوان كالعادة) حكما سيكون خطا فاصلا ومضيئا سيذكره التاريخ..
 
أعتقد الشعب ينتظركم انتظارا حذرا فلا تخذلوه مجددا، فحتى لو أصدرتم حكما رفضت تنفيذه الأجهزة السيادية (كما أتوقع) سيكتبه لكم التاريخ.
 
فإن كنتم لا تعلمون فإننا في دولة تحكمها القوة والحشد بالشارع وربما هذا الحكم سيستند إليه الشعب الذي يقف منفردا أمام إرادة ثلاثية الأبعاد لبداية رحلة جديدة للمقاومة والكفاح من أجل حريته التي أخفق في الحصول عليها خلال ثورة يناير، حكما سيعطي شرعية لمقاومة الشرعية القدرية التي يعيش عليها الدكتور مرسي ونظامه ..
 
 
تعليقات القراء