أيمن مسعود يكتب: دستور لوجه الله

الدستور بشكل عام هو التوكيل الذى يمنح على أساسه الشعب حقوق الإدارة لحكومته، وينظم من خلاله حقوقه وواجباته.. وهو الذى ينظم العلاقة بين السلطات، ويضمن حقوق الأجيال القادمة فى الوطن، وفيه تجد ما ينص على وصف الدولة وهويتها وتراثها وثقافتها.
أما هذا الدستور الذى قررت السلطة التنفيذية للدولة دعوة الناخبين للاستفتاء عليه فى منتصف شهر ديسمبر الجارى أى بعد يومين فقط من الآن، فإنه جاء بصياغات تدعو إلى وقفة طويلة لفهمه وتدبره كعقد بيننا وبين الحكومة.
ونظرًا لحالة الاستقطاب والاستعداء الموجودة بين الفريقين من أنصار القبول والرفض، فإنى أرجو من أصحاب الطرفين تأمل ملاحظاتى كاملة لعله يرد عليها أو تضيف إليه بعدًا جديدًا فى التمسك برأيه.
أولاً: لقد تجاوزنا فى هذه اللحظة ما يمكن أن نتحاور حوله من فكرة التوافق فى تشكيل الجمعية، وهو أمر يأتى عندى فى المرتبة الثانية أساسًا، فالمهم هو المنتج بغض النظر عن مصدره.
ثانيًا: اسمحوا لى أن أذكر المادة برقمها وأن أذكر منها النص الذى أناقشه.
ثالثًا: أستحلفكم بالله أن تعودوا إلى المواد التى أذكرها وأن تتأكدوا من كلامى.
رابعًا: أسألكم أن تتحرروا من أفكاركم السابقة، وأن تؤمنوا أن صوتكم سوف يتحكم فى مصير أبنائكم وأحفادكم، وأنكم مسؤولون عن الأمانة أمام الله وأمام المجتمع، وأذكركم بقول الله تعالى: "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (8) سورة المائدة.
خامسًا: أتناول هذا الدستور باعتبار ما يمكن أن يحدث بعد عشرين عامًا مثلاً، وساعتها لا أحد يستطيع التنبؤ بالحكومة أو البرلمان أو السلطة إن كانت جيدة أو سيئة، ولا أتخوف من فصيل معين أو تيار سياسى خاص.
خامسًا: أكتفى بذكر عشر مواد، بالإضافة إلى ملاحظات عامة.
- المادة (4): فيها: "وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، يحدد القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء": تسمح هذه المادة بهيمنة السلطة التنفيذية متمثلة فى رئيس الجمهورية الذى يقوم بتعيين شيخ الأزهر، ويحصنه من العزل، وبهذا قد نجد مرة أخرى شيوخ السلطان الذى يكون ولاؤهم للسلطة التنفيذية التى تقوم باختيارهم وتعيينهم، أما إذا كان التعيين من خلال هيئة كبار العلماء، وهى أقدر وأجدر وأعلم بالضرورة من رئيس الجمهورية بمن تتوفر فيه الكفاءة الدينية والعلمية ليكون شيخًا للأزهر الشريف، مثلما حددت المادة (173) طريقة اختيار النائب العام من مجلس القضاء الأعلى، مع التحفظ على صدور قرار التعيين من رئيس الجمهورية.
- المادة (18): وفيها: "ولا يجوز التصرف فى أملاك الدولة، أو منح امتياز باستغلالها، أو التزام مرفق عام، إلا بناءً على قانون": كيف يمكن أن يتصور مصرى أن تكون أملاك الدولة وحقوق الامتياز واستغلال المرافق العامة مرهونة بالقانون الذى يتحكم فيه برلمان، قد يكون فاسدًا فى مرحلة تاريخية معينة بعد عشرين سنة على سبيل المثال؟ كيف نفرط كشعب فى أملاك الدولة ونضعها فى يد نخبة تتغير من وقت لآخر؟ إذا كان القانون قد سمح ليوسف بطرس غالى بالمضاربة بأموال التأمينات المصرية فى البورصة الأمريكية، فكيف نضع ما هو أخطر من أموال التأمينات فى يد قانون لا نعلم الآن من يصدره أو يصدق عليه؟ الحل فى رأيى أن تدمج هذه المادة مع المادة (150)، والتى تنص على "لرئيس الجمهورية أن يدعو الناخبين للاستفتاء فى المسائل المهمة التى تتصل بمصالح الدولة العليا"، لتكون كالآتى: "يلتزم رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين للاستفتاء فى المسائل المهمة التى تتعلق بمصالح الدول العليا مثل: التصرف فى أملاك الدولة، أو منح امتياز باستغلالها، أو التزام مرفق عام" إلى آخر المادة (150).
- المادة (32): وتنص على: "الجنسية المصرية حق، وينظمه القانون".. بالطبع هى حق، ولكن تركها كلها فى يد القانون أمر خطير، فهل يمكن أن ينص القانون على أن يكون للوزير حق منح الجنسية؟ وهل يمكن أن يتهور رئيس بعد عشرين سنة فيمنحها للاجئين؟ وهل يمكن أن يسقطها القانون عن بعض الخصوم السياسيين للسلطة فى وقت معين؟ وهل يمكن أن يستخدمها الرئيس المصرى بعد خمسين سنة كسلاح فى فى وجه منافسيه؟ الجنسية المصرية حق، ولكن لا بد أن ينص الدستور على حظر إسقاطها عن المصريين، وعلى حالات وعدد المستحقين لها فى العام الواحد، أو أى شكل من أشكال تقييد وتوجيه القانون للعمل فيها.
- المادة: (44): وتنص على: "تُحظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة" هكذا فقط.. دون أن تنص على أن الذات الإلهية مصونة أو حظر الإساءة لله سبحانه وتعالى!! وقد يقول قائل: إنه بذكر الأدنى يكون الحظر للأعلى، فذكر الأنبياء يحصن الله سبحانه وتعالى! ولكنى أقول لحضراتكم: إنكم بموافقتكم على هذه المادة تكونون قد وافقتم على جواز الإساءة أو التعريض بالصحابة –رضوان الله عليهم-، وزوجات النبى –رضوان الله عليهن-، والتابعين وغيرهم... فالمادة –ولا أعلم لماذا- لم تحصن الصحابة من أى إساءة، وكأنها تنبئ بالمد الشيعى فى مصر!!
- المادة: (64): وفيها: "ولا يجوز فرض أى عمل جبرًا إلا بمقتضى القانون" فى دستور 71 –الذى ثرنا عليه- كانت المادة تنص على عدم جواز فرض أى عمل جبرًا إلا فى الصالح العام وبمقابل عادل!! لكن فى هذا الدستور تسمح المادة لبرلمان قد يكون فاسدًا بعد عشرين سنة مثلاً أن يقنن السخرة، وأن يجبر المواطنين على العمل لصالحه بلا مقابل!!
- المادة: (113): وفيها: "ويشترط فى المترشح لعضوية مجلس النواب أن يكون مصريًّا".. جدير بالذكر أن المصرى هو حامل الجنسية المصرية سواء كان مصريًّا حاصلاً على جنسية دولة أخرى، أو غير مصرى حصل على الجنسية المصرية، وهذا الشخص مزدوج الجنسية مكلف كما تنص المادة (115) بتولى سلطة التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة ويمارس الرقابة على السلطة التنفيذية... فهل نثق فى أن يتولى كل هذا شخص يكون جزء من انتمائه لصالح دولة أخرى؟ خصوصًا إذا علمنا أن هذا العضو يمكن أن يكون رئيسًا لمجلس النواب، وهو الذى يتولى بدوره سلطات رئيس الجمهورية إذا قام مانع مؤقت أو دائم يحول دون قيام رئيس الجمهورية بصلاحياته!!!!!!!! إننا نوافق –بشكل غير مباشر- على أن يتولى رئاسة الجمهورية شخص مزدوج الجنسية!!!!!!
- المادة (146): وتنص على: "رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا يعلن الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة إلى خارج الدولة، إلا بعد أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى، وموافقة مجلس النواب بأغلبية عدد الأعضاء".. وهنا مشكلتان –فى رأيى-: المشكلة الأولى أنه تجب موافقة مجلس الدفاع الوطنى وليس أخذ رأيه فقط، لأنه أدرى بالقدرة والكفاءة العسكرية حتى لا تتكرر مأساة حرب اليمن مرة ثانية، بالإضافة إلى ضرورة موافقة مجلس النواب بأغلبية الثلثين لأن المسألة من الأمور المتعلقة بأرواح المصريين والعلاقات مع الدول بالإضافة إلى الميزانية المتوقعة.. ويمكن أن يطلب من البرلمان الموافقة بأغلبية الثلثين على تفويض مجلس الدفاع الوطنى لمدة محددة فى القرار بالحرب أو إرسال القوات المسلحة إلى خارج حدود البلاد ضمانًا للسرية.
- المادة (152): وفيها: "يكون اتهام رئيس الجمهورية بارتكاب جناية أو بالخيانة العظمى".. وهنا سؤالان: لماذا لا يحاكم رئيس الجمهورية بارتكاب جنحة إذا كان هذا الدستور ينص فى المادة (33) على أن "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك"؟ والسؤال الثانى: لماذا كل هذه التعقيدات فى محاكمة رئيس الجمهورية؟ لماذا يشترط موافقة ثلثى أعضاء مجلس النواب على محاكمته؟ دعونا لا نصنع فرعونًا جديدًا؛ إنه مواطن بدرجة رئيس الجمهورية.. إذا أخطأ يحاسب دون تمييز أو محاباة!
- المادة: (202): وفيها: "يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بعد موافقة مجلس الشورى" رئيس الجمهورية فى هذه المادة يعين من سيراقبونه ويراقبون الحكومة التى يختارها ويراقبون الموظفين المدنيين والعسكريين الذين يعينهم هو أيضًا بنص المادة (147)، وبالطبع النتيجة واضحة ومتوقعة من انتشار للفساد مرة أخرى!!
- المادة: (232): وهى مادة "العزل السياسى" التى تعزل كلاًّ من: أعضاء الأمانة العامة للحزب الوطنى وأعضاء لجنة السياسات والمكتب السياسى وأعضاء مجلسى الشعب والشورى فى الفصلين التشريعيين السابقين على قيام الثورة، ولكنها تناست الوزراء والمحافظين الذين كانوا اليد المباشرة لتحقيق الفساد وإقراره قبل قيام الثورة!!!!!!
بعد هذه الملاحظات العشرة أحب أن أشير إلى أنها ليست الوحيدة ولكنها الأكثر خطرًا من وجهة نظرى، بالإضافة إلى العدد الضخم من الإحالة للقانون فى كثير من المواد التى تتعلق بالمواطن البسيط مثل الضرائب والتأمين الصحى والإسكان والصحة وغيرها من الأمور الملحة بالنسبة للمواطن.
لهذا سأقول "لا" فى الاستفتاء على الدستور "لوجه الله، وأنتم وضميركم!
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)

تعليقات القراء