هالة منير بدير تكتب: السيادة لله أم للشعب ؟!

قبل أن يتهمني البعض باتهامات التكفير والإلحاد فإني لست من استخدم هذه العبارة أو يرَوِّج لها ، وإنما الشيوخ الأفاضل أعضاء حزب النور والجبهة السلفية أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور ..

للأسف الشديد بعد أن قامت الثورة وأطاحت بمبارك وبدأ واحتدم الجدل حول إمكانية وتوقيت الانتهاء من دستور جديد في أسرع وقت بعد التنحي ، سمعنا كلاماً متناقضاً من الفقهاء الدستوريين عن إمكانية وضعه والانتهاء منه في ثلاثة أسابيع أو في بضعة أشهر ،  ولا نعلم ما هو مقياس كل فقيه لينتهي بنا الأمر حول حل الجمعية التأسيسية مرة ، ثم إعادتها بهيئة طبق الأصل مرة أخرى ، مع نداءات بحلها للمرة الثانية ، ووسط تهديدات برفض الدستور والتصويت عليه ب " لا " ، ليس فقط من المعارضة السياسية التي كرهت احتكار التيارات والأحزاب الدينية للجمعية ، ولكن أيضاً من الجبهات السلفية التي تضع عقدة المادة الثانية في منشار صدئ تحكمه عقول متجمدة متحجرة ، لنقف أمام دستور تعسرت مصر في ولادته كل هذا الوقت فلم تَصْدُق نبوءة الأسابيع ولا الشهور في الانتهاء من وضعه .

         فتتهافت علينا تصريحات شيوخ التأسيسية ، فنجد تارة اللواء أحمد عفيفي رئيس حزب الأصالة السلفي يفتي ويقول : ( إن الموافقة على دستور يهدر شريعة الله تعالى " حرام شرعاً " وإثم مبين ورِدة عن الإسلام تلقي بصاحبها في نار جهنم ) وتارة أخرى  يونس مخيون يفتي أيضاً ويقول : ( أنه لا إصلاح لأحوال العباد ولا البلاد إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية ، وأن الليبراليين والعلمانيين يريدون تطبيق حكم الجاهلية وليس حكم الله وشريعته ) !! فقط أريد أن أسأل : ( هي مصر كانت بتطبق أحكام إيه قبل كده ، الشريعة البوذية ولا الهندوسية ؟؟!!  ) أليست أحكام الطلاق والنفقة والمواريث على سبيل المثال مستمدة من الشريعة الإسلامية ؟؟ هل نادى أحد مثلاً بأن نمنع تعدد الزوجات كما تم في تونس وتجريم ومعاقبة من تسول له نفسه ذلك من الأزواج المصريين ؟! هل نادى أحد بحجة المساواة بين الرجل والمرأة بتغيير أحكام المواريث كأن نعطي للذكر مثل الأنثى أو أن نساوي بشهادة المرأة والرجل في المحكمة ؟! أم منعنا الحجاب في الجامعات أو المدارس مثلاً كما يُفعل في بعض الدول الأوروبية ؟! ..

-         أريد فقط أن أسأل السيد ياسر برهامي ومن وافقه في تعطيل مسيرة إنشاء دستور مصر ما بعد الثورة : ما هو مفهومك لكلمة " مبادئ " الذي تعترضون على وجودها في المادة الثانية للدستور: ( الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ) ؟؟ ، أو ليست كلمة مبادئ تعني أصول وقواعد وثوابت ورواسخ وأساسيات ؟؟ أو ليس أعني عندما أقول أن المبادئ لا تتجزأ ، أنني على عقيدة من شيء يأبى التفرقة أو الانتقاء أو التمييز في الأخذ من عدمه ؟؟ أو ليس أعني بقولي أن أمور حياتي وسلوكي مستمدة من مبادئ ديني ومن عقيدتي التي لا تحتمل تأويلاً أو تفصيلاً حسب الظروف أو الزمان أو المكان ؟؟ .. ما معنى كلمة مبادئ عندكم ليحوم حولها كل هذا الجدل ؟؟ والله إني لأرى كل هذا الخلاف فقط باسم الاحتكام إلى الدين لتلفتوا الأنظار عن مواد في الدستور أخطر من أن يُسكت عنها كأن نعطي صلاحيات للرئيس تفوق ما كانت لمبارك مثل المادة 145 التي تعطي رئيس الجمهورية الحق في حل مجلس النواب بدون استفتاء ، وهكذا نصبح أمام ترزية دستور يُوضع على طبق من فضة للحاكم بأمر الله المصري الجديد في دولة أموية أو عباسية أو فاطمية جديدة والذي سيحكم بالطبع بشرع الله ولن يجرؤ أحد على خلافه وهو الحامل لراية الدين الإسلامي ..

-         فاستحدثتم أيتها الدعوة السلفية مادة تشرح كلمة  مبادئ الشريعة الإسلامية  وهي : ( معنى كلمة مبادئ يشمل أدلة الشريعة الإسلامية الكلية وقواعدها الفقهية والأصول المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة ) إذاً هل ستعتمدون مذهب الشافعي أم الحنابلة أم أبو حنيفة  أم الإمام مالك ؟؟ ..  

فقط أريد أن أنبه إخوتنا المسيحيين ، هل تشكل كلمة مبادئ شرائع المسيحيين الواردة في المادة الثالثة أي حساسية دينية أو سياسية لديكم كما تفعل بنا هذه الكلمة ؟! لكم كامل الحرية والحق في الدخول في ركب الجدال أيضاً ..

-         لماذا تحصرون الدستور في عدم تحديد سن زواج الفتاة بحجة أنه يخالف شرع الله وعدم وضع مادة بتجريم عمل الأطفال ؟ إذاً لمَ لا تضع مادة  تُجرم كل من يُفتي باسم الدين و" يتمطَّع " ليخرج لنا فتاوى كانت حصرية لحالة وحيدة فريدة  في زمن نبينا لتخرج في عصر لا نجني من ورائها إلا كل تشويه للإسلام ولسنة النبي عليه الصلاة والسلام مثل فتوى إرضاع الكبير ؟! ..

السيادة لله في أمور كونه فهو الخالق البارئ المصور لكل شيء لا نجادل هاهنا في وحدانية الله أو تفرده بالخلق أو التصرف فيه " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب " أريد أن أسمع جدلاً في مدى تطبيق الشريعة في محاكمة الحاكم إذا خرج عن حدود الله وسبَّب للبلاد والعباد كل صنوف الشر والويلات كما فعل مبارك ، تحقيق مبادئ الشريعة في لزوم توفير العمل لنحصل على العيش لأن " العمل عبادة " تطبيق الشريعة الإسلامية في كيفية احترام الرأي وعدم تكفير الآخر لمجرد أن يختلف في رأيه عن رأيي وهنا نرسخ للحرية ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ) " ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان " مبادئ الدين في وسائل تضمن انتقال زكاة الأغنياء للفقراء لتحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية ..

أريد أن أرى الجدال في كيفية تجلي روح الشريعة لنحصل على ( العيش والحرية والعدالة الاجتماعيةوليس فقط مطالبات بسن قوانين ووضع مواد في الدستور ..

تعليقات القراء