تم اكتشافها خلال حملة إنقاذ آثار النوبة لبناء السد العالي ولم يتم دراستها .. هل ألقى قدماء المصريين كنوزهم في النيل؟

الموجز

تمكنت البعثة الأثرية المصرية الفرنسية المشتركة بين المجلس الأعلى للآثار، مُمثلاُ في إدارة الآثار الغارقة، وجامعة بول فاليري مونبلييه برئاسة الدكتور كريس كراسيون من الجانب الفرنسي، بالكشف عن عدداً من الكتابات والنقوش والصور المصغرة لكل من الملوك "أمنحتب الثالث، وتحتمس الرابع، وبسماتيك الثاني، وإبريس"، وذلك أثناء تنفيذ أعمال مشروع المسح الأثري الفوتوغرافي، لأول مرة، تحت مياه النيل بأسوان لدراسة النقوش الصخرية الواقعة بين خزان أسوان والسد العالي، والتي تم اكتشافها في ستينيات القرن الماضي، خلال حملة إنقاذ آثار النوبة لبناء السد العالي ولم يتم دراستها من قبل.

بدوره يقول المؤرخ الأثري فرنسيس أمين، إن الكشف الأثري في أسوان فريد من نوعه؛ لكونه يُظهر آثار العصر الصاوي، والذى يُطلق عليه "عصر إحياء الحضارة المصرية"، حيث صمم ملوك العصر المتأخر علي إعادة إحياء الحضارة المصرية في الفنون، وتأثروا تأثرًا كبيرًا بفنون عصر الدولة القديمة، مؤكدًا علي أنه لم يحدث من قبل العثور علي آثار في باطن نهر النيل؛ بسبب طبيعة النهر، إلا إن الكشف الأثري الأخير يطرح تساؤلا عن الأقاويل القديمة بأن المصريين القدماء كانوا يلقون التماثيل في نهر النيل قُربانًا للإله حابي إله نهر النيل عند المصري القديم. 

العصر الصاوي
يعد العصر الصاوي من أهم عصور النهضة المصرية، وهو العصر الأخير في تاريخها الفرعوني القديم، والذي امتد لأكثر من مائة عام ما بين القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، وخلال العصر الصاوي عاشت مصر نهضة سياسية وثقافية ودينية واقتصادية، وأُعيد تنظيم البلاط والإدارة، وشاع استخدام الكتابة الديموطيقية في أنحاء البلاد، بما يعنيه ذلك من شيوع الثقافة في وسط طبقات أوسع في المجتمع المصري.

وشهدت البلاد حركة تشييد وبناء واسعة كانت تعتمد على استلهام النماذج الفنية للدولتين القديمة والوسطى، والعصر الصاوي في مصر، هو العصر الذي يُعرف بعصر الأسرة السادسة والعشرين، وهي الأسرة التي تبدأ بالملك بسماتيك الأول ابن الملك نكاو، وتنتهي بالملك بسماتيك الثالث.

ويوضح أمين أن المصريين القدماء استغلوا الصخور الجرانيتية لكتابة أسمائهم عليهم، وكذلك فعل ملوك العصر المتأخر الذين استلهموا فنون الدولة القديمة وروح الحضارة القديمة، مضيفًا أن الأسرة السادسة والعشرين عُرفت بـ"العصر الصاوي"؛ لأنها كانت تحكم من خلال "سايس" وهي "صان الحجر" الحالية مركز بسيون محافظة الغربية، ويُسمى هذا العصر بـ"عصر النهضة"؛ لأن مصر فاقت من كبوتها، وأصبحت دولة مستقلة ومتطورة على يد مؤسس الأسرة، وهو الملك "بسماتيك الأول".

جزيرة سهيل
بدوره يقول الخبير الأثري نصر سلامة ، إنه يوجد حول جزيرة معابد فيله مجموعة من الضخور الجرانيتة المعروفة بصلابتها، والتي تعرض أجزاء منها للغرق تحت سطح مياه النيل، لقد كان قدماء المصريين بارعين في إقامة وبناء المعابد؛ من أجل تسجيل انتصارتهم وأمجادهم وعلاقتهم بالآلهة على جدرانها وأعمدتها، وكان وجود جنادل أو صخور بمجري نهر النيل بمثابة لوحة جاهزة للكتابة والنقش عليها، خاصة وأنها ستبقى مقاومة لجميع عوامل الطبيعة.

الكشف الأثري الأخير بأسوان
بدوره قال الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إن البعثة بدأت أعمال موسمها الأول في المنطقة الواقعة حول جزيرتي فيلة الأصلية وكونوسوس؛ ونظراً لأن هذه النقوش مازالت في حالة جيدة من الحفظ تمكنت البعثة من توثيق كامل للنصوص.

وأوضح الدكتور هشام الليثي رئيس قطاع حفظ وتسجيل الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار، أن البعثة قد استخدمت خلال أعمالها كافة التقنيات الحديثة الخاصة بالغوص والمسح الأثري والتصوير الفوتوغرافي والفيديو تحت المائي والتصوير المساحي الضوئي (فوتوجرامتري) بالإضافة إلى الرسم الأثري؛ وذلك بهدف تحديد وتوثيق ما تبقى من النقوش الصخرية على سطح صخور كونوسوس سواء تحت الماء أو المغمورة جُزئيًا في مياه النيل، وهو ما يُعد التزاماً بتوجيهات وزير السياحة والآثار بشأن التأكيد على ضرورة إتباع كافة الإجراءات والضوابط العلمية المُتبعة دولياً في التعامل مع اللقى والمُكتشفات الأثرية.

ومن جانبه قال الدكتور إسلام سليم مدير عام الإدارة العامة للآثار الغارقة بالمجلس الأعلى للآثار، أن البعثة حاليًا تعمل على إنتاج نماذج ثلاثية الأبعاد للنقوش المكتشفة ودراستها؛ تمهيدًا لنشرها نشراً علمياً؛ مما يساهم في حمايتها وحفظها، مشيراً إلى أن أعمال المسح الأثري تشير إلى احتمالية اكتشاف نقوش ومعلومات تاريخية جديدة عن تاريخ مصر القديمة، لاسيما فترة الأسرة الثامنة عشر، خاصة فترة حكم الملك تحتمس الرابع، والملك أمنحتب الثالث، بالإضافة إلى بعض الملوك من العصر المتأخر، لاسيما فترة الملك بسماتيك الثاني والملك إبريس.

تعليقات القراء