قرار لم يعلم به سوى من أصدره «السادات ومبارك» .. تحرك أقوى قاذفة سوفيتية لضرب هدف هام جدا في «تل أبيب» .. تفاصيل العملية السرية في قلب إسرائيل

الموجز   

كلفت الطائرة المصرية صباح السادس من أكتوبر 1973 بمهمة شديدة الخطورة لم يعلن عنها نهائيًا فى مصر من قبل خطط لها الرئيس محمد أنور السادات بنفسه مع قائد سلاحه الجوى اللواء مبارك وفقا لتقرير للكاتب توحيد مجدي للمجموعة 73 مؤرخين.

قرر القائدان فيها تنفيذ عملية عسكرية تكتيكية غير مسبوقة هدفت إلى قصف مبانى وزارة الدفاع والقيادة والأركان وغرفة العمليات الإسرائيلية الرئيسية فى قلب مدينة تل أبيب ظهر ذلك اليوم العظيم 6 أكتوبر 1973 .

فى الواقع تعددت المهام والعمليات الجوية التى أسندها اللواء طيار مبارك قائد سلاح الجو المصرى إلى طائرات القوات الجوية المصرية متعددةالطرازات - معظمها روسية الصنع - بغرض قصف وتدمير الأهداف الإسرائيلية الأولية فى عمق سيناء تمهيدًا للعبور العظيم.

برزت بينها مهمة كلف فيها اللواء طيار مبارك قاذفة استراتيجية ثقيلة الوزن روسية الصنع من طراز - - Tupolev TU16«توبوليف - » TU16 انطلقت ضمن أسراب النسق الجوى المصرى الثالث المسند إليه مهمة دك الحصون العسكرية الإسرائيلية الرئيسية فى عمق تجمعات العدو.

وبسبب الإشارة للأهمية المعروف أن القاذفة الاستراتيجية الروسية الصنع «توبوليف - »TU16- التسمية توبولوف خطأ - طائرة ثنائية المحرك قامت بأول رحلة رسمية لها فى صباح 27 إبريل .1952 دخلت القاذفة الروسية الخدمة العسكرية لحساب س اح الجو السوفيتى بداية عام1954، واستمرت بعدها فى خدمة القوات الجوية السوفيتية حتى عام 1993 ، وقد تم تصنيع عدد 1509 طائرة من تلك القاذفة الروسية الاستراتيجية التى تعتبر أول قاذفة استراتيجية - لمهام القصف فى العمق تمت صناعتها بغرض حمل القنبلة النووية السوفيتية.

دخلت طائرات ذلك الطراز الخدمة لحساب القوات الجوية المصرية فى نهاية الخمسينيات، بينما خرج آخر جيل منها من الخدمة الرسمية لدى سلاح الجو المصرى عام 1993

أعود للوثائق الرسمية الأمريكية المصنفة تحت بند «منتهى السرية » حيث تكشف أن اللواء حسنى مبارك قائد سلاح الجو المصرى نفذ مشروعات مصرية جوية سرية للغاية قبل أكتوبر 1973.

كشف عدد منها أثناء المعارك الجوية بين مصر وإسرائيل ولايزال عدد آخر قيد الأسرار الممنوعة حتى يومنا هذا

الزمان يوم من أعظم وأمجد أيام التاريخ المصرى الحديث،

المكان المجال الجوى فوق البحر المتوسط وسواحل إسرائيل قد بدأت فى الظهور بوضوح أمام الطيار قائد العملية.

بينما أصبحت مدينة العريش فى ذيل القاذفة الاستراتيجية المصرية الثقيلة روسية الصنع من طراز «توبوليف - .»TU16 مثلت القاذفة الروسية الاستراتيجية الثقيلة «توبوليف - »TU16 الرعب بكل معانى الكلمة الفنية والتقنية بالنسبة لسلاح الجو الإسرائيلى، وكان معنى ظهورها على الرادارات العبرية فى هذا اليوم بالذات أنها فى مهمة كارثية لقصف عمق الأراضى الإسرائيلية.

لكى نستوعب المشهد معًا فالقاذفة الروسية «توبوليف - »TU16 يتكون طاقمها من6 إلى 7 أفراد يبلغ طول أجنحتها 66 مترًا، بينما يبلغ طول القاذفة 34 مترًا حمولتها القصوى 79 ألف كيلو جرام. تبلغ السرعة القصوى للطائرة توبوليف المعروفة باسم«بادجر » ما يعادل 1050 كيلو مترًا فى الساعة ومداها النهائى 7200 كيلو متر فى العمق مع القدرة على الارتفاع لمستوى يقارب 42 ألفقدم فوق سطح البحر.

وكان معروفًا أن ذلك الطراز من القاذفات الاستراتيجية الروسية الصنع لديه قدرة حمل قنبلة غير تقليدية تزن 9 آلاف كيلو جرام.

كما لم يخف على الخبراء العسكريين الإسرائيليين والأمريكيين وقتها من الناحية الفنية إمكانية تزويد الطائرة الاستراتيجية بقنبلة نووية يصل وزنها إلى4800 كيلو جرام فى العمق.

أى أن سجلات حرب القوات الجوية الإسرائيلية والأمريكية والسوفيتية لم تبالغ عندما سجلت أن ظهور القاذفة الاستراتيجية المصرية «توبوليف - »TU16 أمام سواحل إسرائيل بعد ظهر السادس من أكتوبر 1973 كان بمثابة كارثة على وشك التحقق.

الحقيقة من يطالع ويدرس أسرار تلك الواقعة سيدرك أن معنى الكارثة كان أولً فى كيفية هروب تلك القاذفة المصرية الاستراتيجية الثقيلة للغاية من جميع الرادارات الأمريكية الصنع  

والأحدث بالعالم يومها بين التى خدمت القوات الأرضية الإسرائيلية على طول خط المواجهة، وفى كل أرجاء شبه جزيرة سيناء المحتلة.

ربما كانت الإجابة بسيطة فقد شلت الخطة الهجومية التى وضعها اللواء حسنى مبارك قدرة الرادارات الأمريكية تمامًا بعد دقائق من بدء الضربة الجوية الأولى، بينما أكملت المقاتلات المصرية تدمير أفضلية رصد الرادارات الإسرائيلية فى هجوم النسقين الثانى والثالث.

فى الواقع الدليل الرسمى على نجاح الهجوم الجوى المصرى يكمن فى هروب القاذفة المصرية الاستراتيجية روسية الصنع ثقيلة الوزن «توبوليف»TU16 - من الرادارات الأمريكية، وظهورها فجأة أمام السواحل الإسرائيلية فوق البحر المتوسط فى عمق الدولة العبرية.

كان الأمر عند التحقق من بيانات الرادار الإسرائيلى بالنسبة للقيادة السياسية العبرية يعنى أنها مسألة حياة أو موت لآلاف السكان فى قلب مدينة تل أبيب، ناهيك عن إمكانية الطائرة المصرية قصف أى هدف عسكرى أرضى إسرائيلى بقدرة

تدميرية بالغة التأثير.

على الفور كان الجنرال «بينى بيليد » قائد لسلاح الجو الإسرائيلى الثامن في تاريخها ، أول من أبلغته غرفة الرصد الأرضية الإسرائيلية بحقيقة دخول القاذفة المصرية الاستراتيجية المجال الجوى الإسرائيلى.

ولأن الأمر كان يتعدى صلاحيات بيليد العسكرية والسياسية فقد أبلغ فور علمه بالموضوع هيئة رئاسة الحكومة وقيادة أركان الدولة فى إسرائيل فوصل خبر القاذفة المصرية فى نفس اللحظة إلى كل من:«موشيه ديان » وزير الدفاع لإسرائيلى، كماوصل الخبر إلى «دافيد إليعازر » رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية، فطلب وزير الدفاع موشيه ديان إعلان حالة الطوارئ داخل مدينة تلأبيب فى اليوم الأول لحرب أكتوبر 1973

فانطلقت صفارات الإنذار لأول مرة فى تاريخ إسرائيل معلنة عن ضربة جوية مصرية وشيكة على المدينة الساحلية التى هرع سكانها فورًا إلى المخابئ.

فيديوهات مهمه بها الذعر في تل ابيب وقت اطلاق الانذار

فى نفس التوقيت طلب موشيه ديان من السيدة «جولدا مائير » - خامس رئيس وزراء فى تاريخ إسرائيل - إخلاء مكتبها الحكومى فورًا، والنزول إلى مخابئ الطوارئ حيث بدأت عملية الإخلاء فى هدوءورئيسة الوزراء الإسرائيلية فى ذهول غير مصدقة لما يحدث من حولها.

نفس الأمر أبلغه وزير الدفاع موشيه ديان إلى مقر إقامة «إفرايم قاتصير » الرئيس الرابع لدولة إسرائيل فتم إخلاء رئيس الدولة العبرية وأسرته فى دقائق.

تحولت كل الأهداف العسكرية والسياسية أو حتى المدنية داخل مدينة تلأبيب منذ لحظة رصد دخول القاذفة المصرية الاستراتيجية العملاقة الأجواء الإسرائيلية هدفًا محتملً.

وكانت هى المرة الأولى فى تاريخ دولة إسرائيل منذ اندلاع الصراع العربى - الإسرائيلى الذى تتمكن فيه طائرة مصرية استراتيجية هجومية من اختراق المجال الجوى لأكبر المدن العبرية من حيث عدد السكان والمبانى الحكومية الأهم وعلى رأسها مقر وزارة الدفاع فى قلب تل أبيب.

سارت إجراءات الطوارئ فى تلأبيب بسرعة غير مسبوقة، بينما الجميع فى ذهول تام حتى التدريبات الإسرائيلية على صد الضربات الجوية المصرية لم تكن تتوقع أنه سوف يأتى اليوم حيث تتمكن فيه الطائرات المصرية الاستراتيجية الثقيلة من الوصول إلى تل أبيب.

حتى «كينيث برنارد كاتينج » السفير الأمريكى الجديد يومها فى تلأبيب فقد أطبق عليه الوجوم دون استعداد مسبق فلم تبلغه أجهزة استخبارات بلاده أو تحذره قبلها لهذا الاحتمال،مما تركه مع طاقمه الدبلوماسى دون أى خطة لإجلاء أعضاء جاليته الدبلوماسية الرفيعة من مقر السفارة الأمريكية الواقعة على كورنيش شاطئ مدينة تل أبيب المطل مباشرة على البحر الأبيض المتوسط فى متناول القاذفة المصرية الاستراتيجية.

على ضوء معلومات الرادار الجوى المركزى فى تلأبيب اتخذت رئاسة هيئة الأركان العبرية قرارها بالإخلاء الفورى لجميع المواقع الحكومية الحساسة المواجهة لساحل البحر المتوسط، ومن بينها السفارات الأجنبية المتواجدة ضمن نطاق مبانى ومقار وزارة الدفاع الإسرائيلية.

وأمرت قيادة الجيش الإسرائيلى المسئولين عن السفارة الأمريكية الواقعة على بعد بلوكات قليلة من مبنى وزارة الدفاع الإسرائيلية الإخلاء العاجل خشية أن يتعرض مبنى السفارة الأمريكية نفسه للقصف.

قرر السفير الأمريكى كينيث كاتينج قبل أن يترك مكتبه مهرولً فى اتجاه ملاجئ الطوارئ إبلاغ وزارة الخارجية الأمريكية، لكن ضباط طاقم حراسته التابع لأمن السفارة الأمريكية رفضوا السماح له بالبقاء دقيقة واحدة أخرى داخل مكتبه بينما راحت صفارات الإنذار تدوى بقوة فى كل أرجاء إسرائيل.

نجح السفير الأمريكى عقب إجلائه مع طاقمه إلى مخبئ الطوارئ داخل مبنى السفارة الأمريكية بتل أبيب المعد لتحمل حتى القصف النووى فى الاتصال عبر هاتف الطوارئ بوزير الخارجية الأمريكية الجديد وقتها «هنرى كيسنجر .»  المعروف أنه شغل منصب مستشار الأمن القومى للرئيس الأمريكى الجمهورى «ريتشارد نيكسون » وذلك بداية من 20 يناير 1969 وحتى 3 نوفمبر 1975 ، مع توليه فى تلك الأثناء منصب وزير الخارجية الأمريكية بداية من 22 سبتمبر 1973 وحتى 20 يناير 1977 ،أطلع السفير كاتينج خلال الحوار غير العادى الذى أجراه يوم السادس من أكتوبر 1973 من داخل مخبئ طوارئ السفارة الأمريكية فى تلأبيب وزير خارجيته كيسنجر على تطور الموقف، وأخبره فى هلع أن القوات  الجوية المصرية فى طريقها لقصف عمق تل أبيب.

فى نفس التوقيت تقريبًا تلقى هاتف هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية اتصالات إسرائيلية وصلت لحد الاستغاثة الدبلوماسية الرسمية.

أبرزها جاء من نظيره «أبا إيبان » وزير الخارجية الإسرائيلى، كما تلقى الوزير الأمريكى اتصالين آخرين أولهما أجراه إسحاق رابين السفير الإسرائيلى المنتهية ولايته لدى واشنطن - يومها - الذى شغل مهام منصبه من عام 1968 وحتى عام 1973.

أما الاتصال الثانى فأجراه السفير الإسرائيلى الجديد فى واشنطن وقتها «سمحا دينيتس »، وقد طلب الجميع من كيسنجر سرعة التدخل والتصرف لمساعدة دولة إسرائيل.

لم يجد هنرى كيسنجر أمامه سوى إبلاغ الرئيس الأمريكى «ريتشارد نيكسون » طالبًا منه اتخاذ قرار عاجل لإنقاذ مدينة تلأبيب ومقر وزارة الدفاع الإسرائيلية.

فأجرى الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون على الفور اتصال مع السكرتير العام ل أمم المتحدة - وقتها - النمساوى الجنسية «كورت فالدهايم » .فى الحديث طلب نيكسون من فالدهايم التدخل الفورى بثقل نفوذ منظمته لدى الرئيس المصرى محمد أنور السادات لإقناعه بالعدول عن منطق قصف مدن العمق الإسرائيلية.

حتى لا تضطر إسرائيل للرد بالمثل، وذلك بهدف إبعاد المدن المصرية والإسرائيلية وسكانهما عن خطر المعارك العسكرية ومجمل الصراع حماية للمدنيين فى الدولتين.

وافق «كورت فالدهايم » السكرتير العام للأمم المتحدة واتصل بالرئيس السادات لكنه لم يتمكن من الوصول إليه مباشرة بسبب تواجد الرئيس وقتها فى غرفة العمليات.

لكن عندما أحيط السادات علمًا بالاتصال طلب من معاونيه أن يبلغوا فالدهايم باسمه عبر الهاتف أن مصر تحترم الاتفاقيات الدولية، ولن تهدد حياة المدنيين فى إسرائيل مهما كلف الأمر.

المثير أن العملية النوعية للقاذفة المصرية التى خطط لها اللواء طيار محمد حسنى مبارك قائد سلاح الجو المصرى فوجئ السادات أنها أدت بشكل غير مباشر إلى تحقيق فكرة الردع العسكرية الشاملة، وقيدت إسرائيل بشكل نهائى طيلة فترة الحرب من التفكير الانتقامى ضد المدن المصرية.

فى ذات المسار السياسى اتصل الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون بالعاصمة السوفيتية موسكو، وتحدث هاتفيا مع «ليونيد بريجينيف » الزعيم الروسى.

فى المكالمة حمل الرئيس الأمريكى ريتشاردنيكسون موسكو المسئولة عن نتائج مهمة القاذفة المصرية الاستراتيجية الروسية الصنع «توبوليف -»TU16 حال إسقاط حمولتها المدمرة فوق مدينة تل أبيب.

فرد عليه الزعيم الروسى بريجينيف ساخرًا أن روسيا عندما تبيع أسلحتها لأى دولة بالعالم لا تسلم تلك الدول قائمة بالأهداف المسموح بقصفها فى الحروب من عدمه، وأن مصر حرة فى اختيار أهدافها.

وأكد الزعيم الروسى فى رده على محدثه أن الاتحاد السوفيتى ليس طرفًا فى الحرب فعلت نبرة صوت الرئيس الأمريكى وتوتر الحديث بينهما بشكل غير مسبوق، لدرجة أن نيكسون هدد بتدخل القوات الجوية الأمريكية ضد الجيش المصرى لو تطلب الأمر.

مرت الثوانى والدقائق التالية داخل مقر قيادة القوات الجوية الإسرائيلية بتل أبيب كأنها ساعات، وأمر اللواء بينى بيليد قائد القوات الجوية العبرية لاعتراض القاذفة المصرية المقتربة بثبات من شواطئ تل أبيب.

تعليقات القراء