إخلاء مستشفيات مدنية لإستقبال المصابين .. نقل القوارب للجبهة ..تسريح 30 ألف جندي من الخدمة .. توفير مخزون غذائي .. مصر تعد للحرب دون أن يكتشف الإسرائيليون شيئاً .. تفاصيل أكبر خطة خداع إستراتيجي في تاريخ الحرب الحديث

الموجز - إعداد - محمد علي هـاشم 

إخلاء مستشفيات مدنية لإستقبال المصابين .. نقل القوارب للجبهة ..تسريح 30 ألف جندي من الخدمة .. توفير مخزون غذائي .. مصر تعد للحرب دون أن يكتشف الإسرائيليون شيئاً .. تفاصيل أكبر خطة خداع إستراتيجي في تاريخ الحرب الحديث

- بدأت فكرة الخداع الاستراتيجي للعدو، مع قرار الرئيس المصري الراحل انور السادات والقيادة السياسية، بالحرب واستعادة أرض سيناء المحتلة، ولكن كانت المشكلة في كيفية التحضير لعملية العبور، من دون ان يدري بها العدو، فقد كان هم اسرائيل الأكبر، هو ان تعلم اذا ما كانت مصر ستحارب أم لا؟

- كانت جميع أجهزة الدولة موظفة في خطة خداع اسرائيل، بالاضافة الى الصحف ووسائل الاعلام، وكان أهم ما بالخطة هو السرية الكاملة التي أحيطت بها من البداية الى النهاية.

- اشترك السادات في خطة الخداع، عبر اعلانه استمرار حالة «اللاحرب واللاسلم» مع العدو، وعدم اعلان وقت معين في خطاباته للشعب المصري للعبور، واسترداد سيناء كل ذلك خلق حالة من عدم المصداقية من الشعب المصري في قرارات وخطب الرئيس، بالاضافة الى خروج الطلبة في الجامعات في مظاهرات ساخنة محتجين على الرئيس لاعتقادهم ان الجيش المصري لن يحارب أبدا.(الراي)

- مجموعات التفتيش الإسرائيلية كشفت سد أنابيب النابلم قبل الهجوم بساعات (ولكن الله رمى)

من المواقف التي لا تنسى والتي تؤكد أيضاً عظمة الخالق ومساندته للحق هذه الواقعة وهي قيام مجموعة من القوات الخاصة التابعة لسلاح المهندسين في صباح 6 أكتوبر بالغطس في مياه القناة لإغلاق أنابيب "النابالم" وكانت خطورة العملية في أن إسرائيل كانت تقوم بعمليات تفتيش على هذه الأنابيب في صباح كل يوم وفي هذا اليوم تأخرت المجموعة المكلفة بالتفتيش حتى العاشرة صباحاً وقامت بالتفتيش ووجدت الأنابيب مغلقة فأدركت أن هناك من قام بذلك وأخطرت على الفور قيادتها التي قامت باستدعاء المهندس المتخصص بهذه الأنابيب.. ولكن مساندة الخالق لنا كانت في أن المهندس قد سافر إلى تل أبيب للاحتفال بعيد "الكيبور" وعندما طلبوا حضوره إلى الجبهة.. كانت الحرب قد انطلقت بالفعل.(م.73 مؤرخين)

محاور وأسرار خطة الخداع الاستراتيجى فى حرب أكتوبر 1973

عندما كتب «كيسنجر»، وزير الخارجية الأمريكى إبان حرب أكتوبر 1973 مذكراته «سنوات مضطربة» Years of Upheaval خصص فصلاً بعنوان: «لماذا أُخذنا على حين غرة» Why we were surprised، وفى إسرائيل شكلت «لجنة أجرانات» لمعرفة أسباب التقصير والمتسبب فيه، وشمل التحقيق مائير وديان وإليعازر.. ذلك هو الوجه الآخر لانتصار الجيش المصرى على إسرائيل فى حرب أكتوبر المجيدة، والذى كان بدوره ثمرة نجاح المخابرات العامة المصرية فى تنفيذ خطة الخداع الاستراتيجى للحرب.

*** فى أوائل يوليو 1972، قام الرئيس السادات بزيارة المخابرات العامة، وبصحبته قائد الجيش ومستشار الرئيس للأمن القومى ورئيس المخابرات العسكرية، ودعا كل رؤساء الأقسام بالجهاز إلى اجتماع تاريخى، استغرق ما يزيد على الساعات الخمس، أوضح السادات «أن التوازن العسكرى مع إسرائيل ليس فى صالحنا، والتقدم العلمى والتكنولوجى يسمح لها برصد كافة تحركاتنا سواء على الجبهة أو فى الداخل، وما لم نتمكن من تنفيذ خطة خداع استراتيجى للعدو، فإن الانتصار فى الحرب سيكون مستحيلاً.. وكلف السادات المخابرات العامة بالإشراف على وضع هذه الخطة بالتعاون مع المخابرات الحربية وكافة الجهات المعنية فى الدولة، واشتملت الخطة آنذاك على ستة محاور رئيسية:

المحور الأول: إجراءات تتعلق بالجبهة الداخلية

1- توفير مخزون استراتيجى من القمح: فرض دخول الحرب توفير مخزون استراتيجى من القمح لصعوبة استيراده خلال العمليات، وحتى لا يفسر استيراد تلك الكميات على أنه مؤشر على استعداد مصر للحرب، قامت المخابرات بتسريب معلومات بأن أمطار الشتاء قد غمرت صوامع القمح، وأفسدت ما بها، وتحوّل الأمر لفضيحة إعلامية استوردت مصر على أثرها الكميات المطلوبة.

2- إخلاء المستشفيات: كان ينبغى إخلاء عدد من المستشفيات المدنية تحسباً للطوارئ، دون أن يعكس ذلك الاستعداد للحرب، وقد تم تسريح ضابط طبيب من الخدمة، وأعيد للحياة المدنية، ثم عين بمستشفى «الدمرداش»، وبعد تسلّمه العمل أعلن عن اكتشافه تلوث المستشفى بميكروب «التيتانوس»، فأسرع بإخلائها من المرضى لإجراء عمليات التطهير، وفى اليوم التالى نشرت «الأهرام» الخبر معربة عن مخاوفها من أن يكون التلوّث قد وصل إلى مستشفيات أخرى، وبالفعل صدر قرار بإجراء تفتيش على باقى المستشفيات، ولم يأت أول أكتوبر حتى كان العدد المطلوب من المستشفيات قد تمّ إخلاؤه.

3- توفير مصادر بديلة للإضاءة خلال الغارات: مع بداية المعارك يرتفع الطلب على البطاريات لاستخدامها كمصابيح أثناء تقييد الإضاءة خلال الغارات، ولاستيراد الكمية المطلوبة دون إثارة انتباه إسرائيل، نسق أحد المندوبين مع مهرب قطع غيار سيارات لتهريب صفقة كبيرة من المصابيح مختلفة الأحجام، وبمجرد وصول الشحنة كان رجال حرس الحدود فى الانتظار، واستولوا عليها كاملة وتم عرضها بالمجمعات الاستهلاكية!

المحور الثانى: إجراءات تتعلق بنقل المعدات للجبهة

1- خدعة نقل المعدات الثقيلة كالدبابات: عندما حان موعد دفع قوافل الدبابات إلى الجبهة، تم نقل ورش التصليح الرئيسية إلى الخطوط الأمامية، ثم بدأ دفع الدبابات إلى هناك فى طوابير بحجة إصابتها بأعطال وهو ما فسرته إسرائيل على أنه يعكس تدهوراً حاداً فى حالة المدرعات المصرية نتيجة نقص قطع الغيار بعد طرد الخبراء الروس، وعندما بدأت الحرب انطلقت الدبابات لتعبر القناة وتكبّد إسرائيل أكبر خسائر فى تاريخها العسكرى.

2- خدعة نقل معدات العبور والقوارب المطاطية: سربت المخابرات تقريراً يطلب فيه الخبراء استيراد كمية مضاعفة من معدات العبور مما أثار سخرية إسرائيل، وعندما وصلت الشحنة ميناء الإسكندرية، ظلّت ملقاة بإهمال على الرصيف حتى المساء وفى ظل إجراءات أمنية توحى بالاستهتار واللامبالاة، وأتت سيارات الجيش فنقلت نصف الكمية إلى منطقة صحراوية بضاحية (حلوان)، وتمّ تكديسها على مرمى البصر فوق مصاطب لتبدو ضعف حجمها الأصلى، وغطّاها الجنود بشباك مهترئة تكشف منها أكثر مما تستر، فيما قامت سيارات أخرى مدنية تحمل شعار شركة مقاولات خاصة بنقل الكمية الباقية للجبهة مباشرة.

وقد تم تخبئتها فى باطن ماكيتات دبابات وعربات رادار هيكلية أخفيت داخل حفر مشابهة لحفر المعدات الحقيقية، وسط سخرية إسرائيل من استخدام طرق للتمويه عفا عليها الزمن، ولما بدأت الحرب خرجت المعدات التى استخدمت فى عبور 30 ألف جندى فى 2500 مركب مطاطى، بخلاف 60 كوبرى لعبور الأسلحة الثقيلة. المحور الثالث: إجراءات خداع ميدانية

1- خداع الأقمار الصناعية للعدو وتدريبات العبور:

وفر عملاء المخابرات معلومات سمحت ببناء نماذج لقطاعات خط بارليف فى الصحراء الغربية، وتم إحاطة مناطق التدريب بعدد من الخيام البالية والأكشاك الخشبية المتهالكة، ولافتة قديمة تحمل عنوان «المؤسسة المصرية لاستصلاح الأراضى» وكان من الطبيعى أن يتجاهل العدو هذه المناطق؛ بعد أن رصد تلك العربات القديمة التى تحمل اسم الشركة، وهى تحمل «عمالاً» للموقع دون أن يُدرك مغزى وجودهم.

2- خطة تسريح الجنود: فى يوليو 1972

أصدر الجيش قراره بتسريح 30 ألف مجند منذ عام 1967 معظمهم كان يشكل عبئاً دون جدوى لوجودهم خارج التشكيلات المقاتلة، وفى مواقع خلفية، مما ساعد على خداع العدو.

3- خلق حالة استنفار كاذب لدى إسرائيل برفع درجة الاستعداد القصوى وإعلان حالة التأهب فى جميع المطارات والقواعد الجوية المصرية من 22 إلى 25 سبتمبر، ومع تتابع خروج الطلعات كانت إسرائيل تضطر لإطلاق طائراتها تحسباً للطوارئ، وعندما رصدت الطائرات المصرية بعد ظهر 6 أكتوبر ظن العدو أنها أيضاً طلعات تدريبية.

4- مع بداية أكتوبر عام 1973 تم الإعلان عن فتح باب رحلات العُمْرة لضباط القوات المسلحة والجنود، وكذا تنظيم دورات رياضية عسكرية مما يتنافى وفكرة الاستعداد للحرب.

5- شوهد الجنود المصريون فى الضفة الغربية للقناة صبيحة يوم الحرب وهم يجلسون فى استرخاء وخمول على المرتفعات الرملية يرتدون ملابسهم الداخلية، ويتظاهر بعضهم بمص القصب وأكل البرتقال.

6- بدأ القتال تحت ستار المناورة العسكرية المشتركة (تحرير 23)، ثم استبدلت خرائط التدريب بخرائط العملية (بدر) وكانت البرقيات والرسائل المصرية الكثيفة التى قامت شعبة المخابرات فى اسرائيل بفك رموزها قد أكدت أنباء تلك المناورة مما أدى إلى استبعاد إسرائيل لفكرة الحرب.

المحور الرابع: إجراءات خداع سيادية

1- اختيار موعد الهجوم: تم اختيار موعد الهجوم ظهر يوم 6 أكتوبر عام 1973، وهو عيد الغفران لليهود، كما اختير على أساس الظروف المناخية والسياسية المواتية، حيث كانت مياه قناة السويس فى حالة الجزر، والقمر بدراً كاملاً، ما ساعد القوات المتحركة ليلاً على رؤية مسالكها، أما سياسياً، فقد كانت إسرائيل منهمكة فى معركة الانتخابات التشريعية، بينما كان الرئيس الأمريكى نيكسون منشغلاً فى فضيحة (ووترجيت) التى اضطرته للاستقالة فيما بعد.

2- الإعلان عن زيارة قائد القوات الجوية -اللواء حسنى مبارك- إلى ليبيا يوم 5 أكتوبر، ثم تقرر تأجيلها لعصر اليوم التالى 6 أكتوبر 1973، وقبل الموعد بساعات خرجت 222 طائرة مصرية دكت مواقع الجيش الإسرائيلى ومراكز قيادته واتصالاته بسيناء.

3- وجه المشير (أحمد إسماعيل) الدعوة إلى وزير الدفاع الرومانى لزيارة مصر يوم الاثنين 8 أكتوبر وأعلن رسمياً أنه سيكون فى استقباله شخصياً لدى وصوله إلى مطار القاهرة.

4- أعلن رسمياً عن الاستعداد لاستقبال الأميرة (مارجريت) صباح الأحد 7 أكتوبر وتوجهت بالفعل إلى (روما) واجتمع رجال المخابرات مع المسئولين بالسفارة البريطانية يوم 6 أكتوبر لتنسيق وصول الرحلة رغم أن مطار (القاهرة) كان مقرراً إغلاقه لحظة نشوب الحرب.

المحور الخامس: تأمين تحركات واستعدادات القوات المسلحة

1- كشف شبكة التجسس على عمليات إنشاء شبكة الدفاع الجوى: عندما كانت مصر تقوم ببناء حائط الصواريخ على طول خط الجبهة، تلاحظ أنه بمجرد انتهاء العمال من بناء موقع المنصات، كانت الطائرات الإسرائيلية تأتى مباشرة إليه وتدمره تماماً، وقد استطاعت المخابرات المصرية حل اللغز، لقد كان المقدم مهندس فاروق عبدالحميد الفقى مدير مكتب قائد سلاح الصاعقة، رئيس الفرع الهندسى للسلاح يقوم بنقل المعلومات وأماكن بناء المنصات إلى خطيبته الجاسوسة هبة سليم التى تعتبر من أخطر الجواسيس الذين عملوا بمصر.. توسط «كيسنجر» لتخفيف حكم الإعدام، كما بكتها جولدا مائير بعدما وصفتها بأنها «قدمت لإسرائيل أكثر مما قدم زعماؤها» وأكملت مصر حائط الصواريخ الذى منع اقتراب الطائرات الإسرائيلية من الحدود.

2- القبض على الجاسوس طناش راندوبولو مصرى متجنس كان مديراً لمزرعة جناكليس بالإسكندرية، انتُخب مرتين عضواً بمجلس الأمة، جندته المخابرات الأمريكية عن طريق «مس سوين» إحدى سكرتيرات السفارة الأمريكية الجنسية، شكل شبكة علاقات واسعة مع كبار المسئولين أوصلته إلى معلومات عسكرية وسياسية بالغة الأهمية، خاصة فيما يتعلق برصد أنشطة الطيران السوفيتى، التقطت المخابرات العامة رسائله المكتوبة بالحبر السرى وألقت القبض عليه متلبساً، وقبضت على «مس سوين»، ولم يحتمل راندوبولو الصدمة فمات بأزمة قلبية.

3- تحييد دور الملحقين العسكريين وضباط المخابرات بالسفارات بوضعهم تحت رقابة صارمة لمنع وصولهم إلى معلومات تمس سرية الاستعداد للحرب، وقد أشار محمد حسنين هيكل فى أحد مقالاته «بصراحة» إلى أن مندوبى أحد أجهزة الأمن قد اضطروا للاشتباك بالأيدى مع الملحق العسكرى الإسبانى، الذى كانت تصله من مصادره تحركات سلاح الطيران المصرى دقيقة بدقيقة، وتم نقل المذكور إلى بلاده على متن طائرة إسعاف، ولم يتمكن من العودة قبل انتهاء الحرب.

المحور السادس: توفير المعلومات السرية عن العدو وتضليله

1- أشرف مروان، كتب الجنرال إيلى زيرا الذى تم إبعاده من منصبه كرئيس للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بعد الفشل فى التنبؤ بالحرب فى كتابه عام 1993، أن إسرائيل فوجئت بالحرب لأنها وقعت ضحية عميل مزدوج، وكتبت صحيفة «معاريف»: «إن أشرف مروان عميل مزدوج أفشل تل أبيب فى حرب أكتوبر، وأياً كانت الأسباب وراء موته فإنه ترك بقعة سوداء تلوث تاريخ الجاسوسية فى إسرائيل بعد أن خدعها وجعل من هذه المؤسسة أضحوكة».

2- رفعت على سليمان الجمال «رأفت الهجان» سافر لإسرائيل بتكليف من المخابرات عام 1954، وحقق نجاحات باهرة، حيث زود بلاده بمعلومات خطيرة، منها موعد حرب يونيو 1967 وكان له دور فعال فى الإعداد لحرب أكتوبر 1973 بعد أن زود مصر بأدق التفاصيل عن خط بارليف وتجهيزاته فى مواجهة محاولات عبور الجيش المصرى.

3- أحمد الهوان «جمعة الشوان» انصبت مهمته على معرفة انطباع المخابرات الإسرائيلية عن مدى جدية مصر فى الاستعداد للحرب وبالتالى قياس مدى نجاح خطة الخداع الاستراتيجى فى تحقيق أهدافها. 

المشير أحمد إسماعيل عينه الرئيس السادات رئيساً للمخابرات العامة فى 15مايو1971، وكلفه بإعداد خطة الخداع الاستراتيجى، وعندما اطمأن إلى أنه قد استكملها، عينه فى 26 أكتوبر 1972 وزيراً للحربية ليتولى تنفيذها على الأرض، لكنه بصرامته المعهودة، وحسه الأمنى العالى، اكتفى فى مذكراته بإشارة عابرة لعنوان «خطة الخداع الاستراتيجى»، دون أى معلومات أو تفصيلات، كما أن المخابرات لم تفرج عن أى وثائق تتعلق بها.. ما ورد بالمقال جهد بحثى تجميعى وتحليلى اعتمد على خبرة عملية ورؤية مهنية متخصصة.. آمل أن أكون قد لملمت معظم عناصرها.. للحقيقة والتاريخ.(الوطن)

تعليقات القراء