بعد ما كنتِ بتغنى قصائد حتروحى تغنى «دانص»؟! .. 6 أغان مجهولة لنجاة لـحَّنها هانى شنودة ولم تخرج للنور

الموجز

يقول هانى شنودة: «عرفت نجاة عن طريق الشاعر الكبير عبدالرحيم منصور توأم روحى الذى طرق لى أبوابًا لم أتوقع يومًا أن أدخلها، فقد وجدتُه يقول لى ذات يوم ونحن فى خضم العمل فى شريط محمد منير الأول إن نجاة معجبة بألحانى التى صغتُها لمنير وأنها تريد أن تتعاون معى. لم أكن متحمسا، والسبب خوفى من أن تصر نجاة على تغيير مسارى الفنى وفرض وجهة نظرها على فلسفتى الموسيقية. أنا رجل أسعى إلى إحداث ثورة فى شكل الموسيقى، وهى مطربة عظيمة لكنها تغنى القصائد والقوالب الكلاسيكية الأخرى، إلا أن نجاة كان لديها رغبة صادقة فى التجديد والتغيير ولهذا اتفقنا».

ويضيف: «طلبتُ أن يكتب الكلمات عبدالرحيم منصور، وهى وافقت على الفور، واتفقنا على أغنيتين هما «أنا باعشق البحر» و»باحلم معاك». ونحن نعمل كنت أتخيل دائمًا صوت نجاة وأتذوقه، أقيس مشاعرى وهى تستمع إلى صوتها، وأسأل: كيف ستترجم مشاعرى هذا الصوت؟. هذه نظرية مهمة فى التلحين، فكل صوت له انطباع وجدانى لدى المستمع، هذا الانطباع ينعكس على تأثير الأغنية سواء كانت كلماتها حزينة أو مبهجة، مثلًا أغنية «زحمة يا دنيا» التى لحَّنتُها لأحمد عدوية أستطيع أن أجعل نجاة تغنيها لكننى سأجعل المستمع هنا يكره الزحام ويتأثر منه، أما بصوت عدوية فقد جعلتُ المستمع يتقبل الزحام ويبتلعه ويرقص عليه!».

غنَّتْ الفنانة الكبيرة الأغنيتين، واحتفظت بهما، ولم تطرحهما.. لماذا؟!.. يجيب الموسيقار الكبير فى مذكراته عن سؤال الكاتب مصطفى حمدى.

«قالت لى نجاة إنها بعد تسجيل الأغنيتين عرضتهما على شاعر كبير تثق فى رأيه، فقال لها: انتِ اتجننتِ؟!. بعد ما كنتِ بتغنى قصائد حتروحى تغنى «دانص»؟!. يقصد أغانى راقصة، فخافت وترددت وقالت إنها ستؤجل طرح الأغنيتين حتى تشعر بأن الجمهور قادر على استيعاب التجربة. لم أغضب من موقف نجاة، بل بالعكس؛ قلت لها: أنتِ أدرى بمصلحتك، والأغنيتان أصبحتا ملكًا لكِ الآن، وعندما تفشلين سيهاجمك الجمهور ولن يهاجم هانى شنودة، وإذا نجحتِ سيقولون: نجاة نجحت، ولن يقولوا: هانى شنودة».

ويضيف: «عبرتُ فوق التجربة بسهولة لأننى كنتُ مشغولًا بمشروعى مع فرقة «المصريين» وكانت الأيام مشحونة بأحداث كثيرة وسريعة. مرت ستة أشهر ثم فوجئت بنجاة تتصل بى وتبلغنى قرارها: يا هانى.. كمال الطويل سمع الغنوتين وقال لى: يا نجاة الواد ده رجَّع لك شبابك تانى، انتِ لازم تنزِّلى الغنوتين دول بسرعة».

ويعلق هانى شنودة على ذلك قائلًا: «شهادة كمال الطويل بالنسبة لى هى النجاح الحقيقى، هو «لورد» من لوردات الموسيقى فى العالم العربى. رجل يقرأ النجاح بقلب فنان عبقرى وعقل منتج مخضرم. شخص آخر غيره كان سيطلب من نجاة أن تتمسك بلونها ليضمن استمرارها تحت سطوته الفنية، أو يسد مجرى ألحان موسيقى شاب يشق طريقه نحو أصوات النجوم الكبار، لكن الطويل كان كبيرًا وتعامل بشيم الكبار».

وقد يحتار المرء إزاء مفارقات القدر، عندما نعلم أن أغنيتى «أنا باعشق البحر» و»باحلم معاك» بكل ما فيهما من رومانسية حالمة وما حققتاه من نجاح مدوٍّ، قد تأخر طرحهما لمدة 6 أشهر بسبب التردد، وأنه لولا كلمات الموسيقار الكبير كمال الطويل ربما ما كانتا قد خرجتا أبدًا إلى النور.. لكن أوان الحيرة الحقيقية بل الدهشة الكبرى يحين مع الكلمات التالية لهانى شنودة فى مذكراته.

»بعد طرح الأغنيتين توطدت علاقتى بنجاة، كنا نتحدث يوميًا ونتناقش ونحكى فى أى شيء وكل شيء. وأثمرت الصداقة عن 6 أغنيات أخرى لكنها لم ترَ النور حتى الآن!.. نعم هى مفاجأة.. قدَّمتُ لنجاة ست أغانٍ أخرى سجَّلتْها بصوتها، وأجزم بأنها أجمل من الأغنيتين السابقتين، ولكنها ترددت مرة أخرى فى طرحها، ولم أقدم هذه الأغنيات لمطرب آخر رغم مرور عقود من الزمن».

ويختتم فى هذه المسألة قائلًا: «أنا ممتنٌ للقدر الذى عرفنى على نجاة، وجعلنى جزءًا من مشوارها وتاريخها، وممتنٌ جدًا لتوصيفها لى عندما قالت: الناس بتلحَّن على الأرض وانتَ بتلحَّن فوق فى السحاب»!.

نعم يا سيدى، لكن السحاب لا بد أن يتواصل مع الأرض عبر المطر، لا بد لألحان السحاب من أن تصل إلى أسماع الأرض. كان هذا أول ما خطر فى ذهنى عندما عرفت هذه المفاجأة المدهشة. ست أغنيات لنجاة يجزم هانى شنودة بأنها أجمل مما جمعهما من عمل، ومع هذا تمر عقودٌ من الزمن ولا نعرف عنها شيئًا، أيُعقلُ؟!.

لهذا.. اتصلت بالموسيقار الكبير.. متسائلًا.. مندهشًا.. ربما ليس كصحفى.. بل مستمع متذوق.. ربما ليس بحثًا عن معلومة.. بل إرضاءً لفضول.. من كتَبَ وماذا حدث وكيف حدث ولماذا؟!.. وتوالت المفاجآت.

قال لى الموسيقار هانى شنودة إن الأغنيات الست كتب كلمات أربع منها عبدالرحيم منصور وواحدة لعبدالرحمن الأبنودى وواحدة لسيد حجاب، وكانت الأغانى مسجلة بصوت السيدة نجاة على شريط كاسيت أخذته الفنانة الكبيرة بصفتها المنتجة، وكان لا يُسمح لأى أحد آخر بالاحتفاظ بنسخة من الشريط حتى لا تتسرب الأغنيات بالخطأ قبل طرحه، لذلك فهو لم يحتفظ بأى نسخة منه. وما حدث بعد ذلك أنه تم كسر زجاج سيارة نجاة وسرقة محتوياتها وكان من المسروقات كاسيت السيارة والشريط!.

تملكنى الذهول من كلام الموسيقار فسألت: كيف يمكن ترك شريط أغان لم تُطرح بعد داخل سيارة؟!.. قال: «لا يمنع حذر من قدَر».. عدتُ لأقول: «ولكن يبدو أن واقعة السرقة حدثت بعد فترة من تسجيل الأغانى لأنك قلت فى مذكراتك أن السيدة نجاة ترددت مرة أخرى فى طرح الأغانى».. رد قائلًا: «شوف.. مفتاح شخصية نجاة وعبدالوهاب هو الرعب من طرح عمل وما ينجحش.. لسان حالهم: إننا ما نعملش ده أفضل من إننا نعمل حاجة وما تنجحش».

لكن القصة - أو الصدمة- لم تنتهِ هكذا، إذ يواصل هانى شنودة قائلًا: «طبعًا كانت سرقة الشريط صدمة كبيرة، لكن الصدمة الأكبر هو أننا بعد حوالى 4 سنوات وجدنا إحدى هذه الأغنيات تصدر بعد فترة فى شريط «كوكتيل» يضم أغنيات لعدة مطربين أنتجته شركة لن أذكر اسمها، وعندما سألناهم فى الشركة قالوا إنهم اشتروها من تركيا!. وقام محام عن السيدة نجاة بالتواصل مع الجهة التركية بالفعل فقالوا إنهم اشتروا الأغنية من كازاخستان، وهكذا وجدنا أننا سندخل فى عملية «كعب داير»، فتوقفنا عن متابعة الأمر. لكن الملاحظ أن الشركة المصرية عندما طرحت شريط الكوكتيل بدت كمن تطرح الأغنية فى الخفاء داخله ولم تعلن بشكل واضح عن أنه يتضمن أغنية جديدة لنجاة، وربما لهذا ظلت الأغنية مجهولة، ولهذا أيضًا أصبحت هذه الأغنية هى الوحيدة الباقية معى بلحنها وكلماتها وهى لسيد حجاب، واسمها «عطشان أنا يا حنيِّنة»».

وماذا عن باقى الأغانى الخمس؟.. أسأل فيجيب هانى شنودة: «ليس لديَّ كلماتها، وطبعا لا أتذكر ألحانها، ربما أتذكر فقط شذرات من هذه الألحان.. يعنى حتة من كوبليه مثلا مش أكثر»!.

ولكن.. يعيد الموسيقار الكبير بصيصًا من الأمل بإعلانه أنه يفكر حاليا جديا فى إعادة طرح الأغنية الوحيدة الباقية، لكنه يحتاج إلى البحث عن الصوت المناسب لها، قائلًا: «ليس من السهل أن تجد صوتًا بديلًا عن نجاة، إذ أن هناك أربعة أسماء أصحابها يتربعون على قمة الغناء هم أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم ونجاة».

مثل مَن؟!.. أحاول الخروج باسم يفكر فيه هانى شنودة لأداء الأغنية من بين كبار النجوم فى الوقت الحالى، فأسأله عمن يتخيل صوته مناسبًا لها. سكت قليلًا وبدلًا من أن يجيبنى طرح فكرة أخرى سريعا: «أو ممكن برضه استنى أحد الأصوات الجديدة يتقدم لى بعد النشر عن الموضوع فى ملحق الجمعة فى «الأهرام» واختار من بينهم.. أنتم شجعتونى بصراحة على التفكير فى المسألة».

أخيرًا.. بقى أن أقول إننى حاولت البحث قدر المستطاع عن أى ذكر أو أثر للأغانى الخمس الأخرى لكننى لم أصل، حتى فى الموقع الإلكترونى للشاعر الكبير عبدالرحيم منصور الذى يضم ثمانية أغان أخرى غنتها الفنانة نجاة من كلماته، كما يحوى قطاعًا خاصا للأغانى التى كتبها لأكثر من مطرب ولم تصدر فى «ألبومات»، ولكن لا توجد أى إشارة لكلمات الأغانى الأربعة المجهولة التى كتبها لنجاة، لعل الشاعرة مى منصور إبنة أخيه وهى الأمينة فى البحث عن تراثه بدأب تستطيع أن تساعد فى هذا، والأمر ذاته ينطبق على الأغنية المجهولة التى كتبها الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى لنجاة، إذ ربما يمكن لزوجته الإعلامية نهال كمال أن تصل إلى شيء فى المسألة.. هدفنا فقط هو حفظ أثر كل هؤلاء الكبار، وحمايته من الضياع لمجرد أن لصا كسر زجاج سيارة وسرق، دون أن يعرف قيمة ما سرق، فكسر قلوبًا وأضاع جهودًا وبدد إبداعًا أصبحنا نتوق إليه وسط ما يحيط بنا من غثاء.

تعليقات القراء