محمد يسري سلامة: لكي نفهم ما يحدث حاليا.. علينا أن نعود إلى بدايات الثورة

 لكي نفهم ما يحدث حاليا علينا أن نعود إلى بدايات الثورة، لأن المقدمات تبقى دوما طريقا إلى فهم النتائج.

 

وفي البدايات كان فريق كبير من العلمانيين غير متحمسين للثورة على نظام مبارك، برغم أنهم لم يكونوا راضين عن اشياء كثيرة في النظام السابق كمشروع التوريث والفساد المالي والإداري المستشري والاستبداد السياسي الشديد للحزب الحاكم، لكنهم مع هذا رأوا في نظام مبارك ضمانةً لعلمانية الدولة (أو شبه علمانيتها) وإيقاف القوى الإسلامية عند حد معين والسيطرة عليها والإبقاء على السلام مع الدولة الصهيونية والعلاقات الجيدة مع الغرب. 

 

وتفاوت موقف هؤلاء حينها، فمنهم من غلب عليه كرهه لنظام مبارك فتعاطف مع الثورة أكثر من غيره أو حتى شارك فيها، ومنهم من وقف منها موقفا مضادا لهذه الأسباب. 

 

وحينما سقط مبارك سعى هؤلاء لتحصين العناصر التي ذكرناها سواء عن طريق الدستور الجديد، أو بالاستعانة بالمجلس العسكري مباشرة، الأمر الذي أثار فزع الإسلاميين الذين كانوا في الوقت نفسه قلقين من الثورة وما تحمله من جديد، وتحول الصراع شيئا فشيئا ما بين ثورة ونظام فاسد يحتاج إلى تغيير شامل إلى صراع بين فريقين متنازعين أيديولوجيا.

 

وعلى الجانب المقابل لم يكن الإسلاميون -مع تحفظي على هذا المصطلح- متحمسين أيضا للثورة في بدايتها، لأن كثيرا منهم كان يرى أنها (ثورة من أجل البطون)، وأن الإسلاميين لا ينبغي أن يثوروا من أجل البطون ولكن من أجل الدين. 

 

والمفارقة هنا أنهم لم يدركوا أن الثورة من أجل (البطون) أو سد حاجات الناس وتوفير حياة كريمة بل إنسانية لهم هو في الأصل مقصد شرعي (من الشرع) صحيح تجوز الثورة لأجله وحده لو كان الأمر كذلك حقا، ولكنها مع ذلك لم تقم من أجل هذا فحسب، بل من أجل العدل والكرامة ومقاومة الظلم والفساد والاستبداد والإذلال والاحتقار، وغير ذلك من المقاصد الشرعية أيضا. 

 

ولكن هذ المعني ظل غائبا عن أذهان معظمهم حتى مع مشاركة الإخوان في مرحلة لاحقة وبعض السلفيين كذلك. 

 

ولأن هذا الفصل بين (الدين) و(الثورة) ظل قائما، ولأنهم لا يعملون إلا من أجل الدين، أراد الإسلاميون تحويلها بمرور الوقت إلى ثورة (إسلامية) هدفها (التمكين) وتحقيق ما حلموا به طوال عقود طوال من إنشاء الدولة (الإسلامية)، وغفلوا بذلك عن حقيقة أن الثورة هي إسلامية بالفعل، أعني أن مبادئها هي مبادئ إسلامية صحيحة حتى وإن كانت شعاراتها عامة مناسبة لكل أحد، كما أن السير في طريق تحقيق أهدافها كان بالضرورة يخدم الدين وقيمه وشريعته بكل تأكيد.

 

وخلاصة الأمر أن الطرفين رأوا في الثورة (فرصة) لتمرير مشاريع أيديولوجية معينة يؤمنون بها ويعتقدونها، وليس فرصة للوطن ككل كي يصلح ما فسد طيلة سنين ويحقق استقلالية الإرادة والقرار والمصير بنهضته وقوته، وتحول الأمر مع الوقت إلى مفاضلة بين هذين المشروعين ثم منافسة بينها ثم شبه مقاتلة بينهما، وفي المنتصف ضاعت أهداف الثورة الحقيقية التي حملها من قام بها والتي كان تحقيقها أولا لازما لأي من المشروعين في الأساس، لأن أيا منهما -بغض النظر عن موقفي أو موقف أي أحد منهما- لن يجد له موطئ قدم في مجتمع فقير ومحتاج ومريض وضعيف وجاهل وظالم.

 

 

د.محمد يسري سلامة

الأربعاء 11/7/2012

تعليقات القراء