عبد الغني الحايس يكتب: خيانة الثورة والفرصة الأخيرة للغفران!

بعد أكثر من عام على الثورة قررت أن أعترف اننى خائن للثورة برغم أنني جزء أصيل منها مثلي مثل ملايين المصريين الذين خرجوا إلى الميدان يريدون التغيير ويبحثون عن الحرية والكرامة.
كنت مؤمنا بشعارها عيش حرية كرامة إنسانية، وكنا مستعدين جميعا أن نقدم الغالي والنفيس في سبيل ذلك غير خائفين ولا مبالين بالرصاص،
لم يكن في بغيتنا أن نصل إلى ماوصلنا إليه، لكن ألهمتنا ثورة تونس العزم على التحرك ووفقنا الله إلى الخير  وخرجنا جماعات صغيرة حتى خرج الشعب بأكمله، الكل يريد شيئا واحدا وهو الحرية وتحقيق شعار ثورتنا (عيش حرية كرامة إنسانية).
حتى كان يوم 11 من فبراير وأجبر مبارك على ترك السلطة وانهمرت الدموع من الفرح وسجد من سجد على الأرض ومن قبل الأرض وغمرها بدموعه بعد أن سقط رأس النظام وعادت مصر لأحضان أبنائها.
جرينا مسرعيين ننظف الميادين والشوارع وهو نفس الشعب الذي عندما سقطت الشرطة حمى البيت والكنيسة والمسجد والمتحف..
كنت في الميدان كل يوم وأهلي في حماية الله وجيراني وتم السيطرة على الانفلات والبلطجة وهتفنا للجيش وقبلنا رؤسهم على موقفهم النبيل وانحيازهم لشرعية الشعب.
بعدها عدنا إلى أعمالنا والتي تعطلت خلال 18 يوم هم عمر الثورة، رجعنا بعزيمة لا تفتر وقوة لا تهزم لنبني الأمجاد وندفع عجلة الإنتاج إلى الأمام بعد أن تعهد المجلس العسكرى بتنفيذ كل مطالبنا كاملة وبعد أن أقر بمشروعية تلك المطالب. تركنا له إدارة الأمور بصدر رحب بعد تعهداته، لكنه تخاذل وتباطأ في تحقيق كل المطالب مما جعلنا نعود إلى الميدان مرة أخرى لأن النظام بأكملة مازل موجودا لم يحاكم على جرائمه والفساد والرشوة والفقر والبطالة وكل ما قامت من أجله الثورة، لم يسقط منهم سوى رأس النظام الذي كان فى ذلك الوقت مقيما فى شرم حيث الجاه والسلطان والحرس ولم يقدم أحد للمحاكمة.
وبرغم سلمية الثورة إلا أنه سقط مئات من الشهداء وآلاف من المصابيين الذين لم يحصلوا على القصاص او يحاكم قاتليهم ولم يتم إلغاء قانون الطوارىء أو تنتهي المحاكمات العسكرية لمدنيين أو ينتهي مسلسل الاعتقالات.
وأمام تخاذل المجلس العسكري والذي يدير دفة الأمور جعل هؤلاء الزبانية من أنصار مبارك يتجرأون ويخرجون من جحورهم ينشرون الفتن ويكيدون المؤامرات ويمولون البلطجية لبث الرعب فى نفوس البسطاء حتى يجحدو على الثورة وينقلبوا على الثوار، وبالفعل نجحوا فى ذلك بأفعالهم الخبيثة وبلطجيتهم وأدواتهم الإعلامية.
في الوقت الذى انقسم فيه الشباب وأنا واحد منهم إلى ائتلافات عديدة وأسرعت الرموز السياسية لتشكيل الأحزاب لتفرق الجميع الى أشلاء، ونجح المجلس في استقطاب العديد من هؤلاء إلى صفه، وزادت الفجوة والخلاف ووقف المصريون الذين لا ينتمون إلى أية أيدلوجية في المنتصف رويدا حتى قرروا العودة إلى صمتهم مرة أخرى بعد أن فشلوا فى تكوين رأي صالح بعد كل هذة الانقسامات.. ودارت حرب إعلامية ونفسية وتوالت الدعوات إلى مليونيات وكل مرة تتباهى القوى الداعية بعددها وبحجم من نزل الى الميدان ونحصل على فتات من جراء إرضاء المجلس لنا وكان ذلك بداية خيانتنا للثورة.
كان ينبغى أن نفهم أن سبب ذلك هو تفريقنا وأنه يجب أن نظل في الميدان حتى تتحقق كل المطالب لا أن نعود بتحقيق مطلب من القائمة برغم وجود مؤيد ومعارض، حتى ضاقت ذات اليد ووقفت العجلة الإنتاجية وخرجت الوقفات الاحتجاجية تطالب من البلد المريض مالا يستطيع أن يقدمه وحكومة لا تملك رؤية ولا شفافية لتزداد الأمور سوءا.. ونخرج من مطب ليلهينا المجلس عنه بموضوع آخر حتى أننا لم نسوي ما بيننا وبين المجلس في أي مطب من ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء حتى مذبحة بورسعيد وانتهاء بقضية التمويل وسفر الأجانب الأمريكيين.. لم نسوي أية مشكلة أو حادثة معه ليدخلنا إلى أخرى وننسى السابقة ولم نفهم أية رسالة منه.. وجرتنا نخب مثرثرة ما بين مؤيدة ومعارضة والكل يسعى إلى مصالحه فقط وليس مصلحة البلاد ولا يهمه امور العباد من المصريين حتى زاد الاحتقان من جراء تردي الاوضاع أكثر وأكثر..
والسبب في ذلك نحن الثوار لأننا لم نتخذ موقف ولم نحل مع العسكري ولا مسألة واحدة من بداية الثورة حتى الآن.
وأقولها بكل ثقة سننسى قضية التمويل وينشغل الجميع بقضية أخرى يرميها المجلس في طريقناوهى قضية تشكيل اللجنة التي ستضع الدستور أو غيرها وهكذا دواليك حتى تغيب قضيتنا ويفعل بنا الفلول وأرباب النظام السابق ما يحلو لهم من مؤامرات وكل ذلك بسبب تشتتنا وعدم اتحادنا حتى تحقيق الأهداف.
نعم يجب أن نعترف أننا كلنا أخطئنا في حق الثورة، الثوار أنفسهم قبل جموع الشعب، فقد رضينا بحالة التباطؤ والتواطؤ من المجلس في إدارة الامور ووافقنا على محاكمة النظام محاكمة طبيعية وتركنا الثوار يحاكمون عسكريا!
كيف بالله عليكم يحاكم نظيف في قضية لوحات وجمال وعلاء فىي فيلا أو هبة بدون وجه حق واستغلال نفوذ؟؟ كيف يحاكم والي وعبيد في جزيرة البياضية فقط؟؟ آلاف الأسئلة ينبغي أن نسألها لأنفسنا لنقر ونعترف أننا مخطئون في حق الثورة وأننا سعينا إلى تقويضها.. كيف وافقنا على أن ينزل أعضاء الوطني المنحل معترك السياسة وهم الفاسدون المتربحون؟؟
كيف تركنا أحمد شفيق وغيره يترشح فى الرئاسة؟؟ 
لوكانت هناك إرادة لما رأينا هؤلاء على الساحة مرة أخرى.. لوكانت هناك إرادة لكان هؤلاء يحاكمون على أفعالهم المشينة واستغلال مناصبهم!
لم يتم التطهير في أية مؤسسة وكل رجالات مبارك قابعون على كراسيهم كما هم مازالوا ينشرون شرورهم وفسادهم فى كل مناحى الحياة وأرجاء البلاد.. فلا تحققت مطالب الثورة ولا شعارها ولا تم القصاص في كل المذابح التي ارتكبت وتتوالى المصائب وتتراكم والمحصلة صفر.
حتى شكل الإعلام عقلية أغلبية جموع البشر كيف لكم تطلبون بسقوط وانهيار الجيش حتى تحول الثوار إلى بلطجية وعملاء يريدون هدم الدولة.. وخرج المنادون بالباطل يؤيدون المجلس العسكري لأنهم لم يفهموا الحقيقة ولن يفهموها أصلا، وتجرأ الكل على الكل وغابت الأخلاق وحدث انفلات اخلاقي رهيب ناهيك عن الانفلات الأمني الخطير.. وبعد أن أخرجت الثورة أحسن ما فينا وتحاكى العالم عن عبقرية الثورة المصرية اليوم يخرج أسوأ ما فينا، ومن وقف فى صف الثوار يوما ما أصبح الآن في الجانب الآخر لأننا لم نهدأ لنفكر لنزرع ما نريد إنما تهورنا، وعناد المجلس وأدواته قتلتنا ونحن احياء.
نعم الثورة مستمرة، لكن هل نستغل آخر ورقة وهى اختيار رئيس يحقق ما فشلنا في تحقيقه؟
هل نختار رئيسا مؤمنا بالثورة ومطالبها وله برنامج نهضوي يحقق المجد للبلاد ونلتف جميعا حوله أم نترك هذة الفرصة الاخيرة ليفعل المجلس مايريد بعد أن جاءالبرلمان مخيبا للآمال؟؟
لكن نرى مهرجانات مرشحين يسعون إلى تفتيت الأصوات وتفيت الشعب مرة أخرى!!
بالله عليكم أفيقوا قبل أن نصدم ونكتئب..
إنها فرصتنا الأخيرة قتعالوا نستغلها قبل أن نكون خائنين للثورة البيضاء..
حفظ الله الوطن.  
تعليقات القراء