د. هبة طاهر تكتب: ثورة الخوميني والثورة المصرية.. أسباب تردد الجيش في تسليم السلطة!

مرت الأيام و السنين على الانقلاب الأمريكي،علي مصدق و إسقاط أول حكومة برلمانية منتخبة في إيران و إذ فجأةً، نشبت ثورة الخميني سنة ١٩٧٩وتحولت إيران من نظام ملكي، لتصبح جمهورية إسلامية عن طريق (الاستفتاء).تحت قيادة (روح الله) الخميني.

 

و من أسباب قيام هذه الثورة:

 

سياسة التغريب القوية التي انتهجها الشاه على الرغم من تعارضها مع الثقافة الخمينية للشيعة، وعلاقاته الوطيدة مع إسرائيل واعتماده على (الولايات المتحدة)، إضافة إلى الإسراف والفساد والنخبوية، وفشله في استقطاب المتعاطفين والأتباع من القيادات الدينية الشيعية لمقارعة الحملة الخمينية ضده.

 

قمع المعارضين من خلال جهاز الأمن(السافاك)، بينما راحت المعارضة الدينية الأكثر شعبية تنتظم حتى قوضت تدريجياً نظام الشاه؛ سياسة احتكار الحزب الواحد، وتزايد حدة التضخم؛ ثم انتشار الأسواق السوداء؛ سياسة التقشف التي أغضبت الباعة والناس؛سوء تقدير قوة المعارضة.

 

طبيعة حكومة الشاه، التي منعت بروز أي منافس ذو كفاءة يمكن أن يقود الحكومة، مما أدى إلى ضعف فعالية الحكومة وتدني مستوى الإنتاج، الأمر الذي ساهم بدوره في زرع الخلافات والانقسامات داخل الجيش وبين النخب السياسية، ومن ثم غياب الدعم عن النظام وعدم توفر حلفاء فقد غادر هؤلاء مع أموالهم مع بداية الثورة.

 

 

كانت لرجال الدين أهمية كبيرة بالنسبة للمعارضة، فكان للفقهاء ورجال الدين أثر كبير على الإيرانيين، خاصة الفئات الفقيرة منهم، الذين عادة مايكونون الأشد تديناً، وتقليدية، وإقصاءً عن أي عملية تغريب.

طور الخميني ونمى وروج لنظرية مفادها "أن الإسلام يتطلب حكومة إسلامية يتزعمها ولي فقيه"، في سلسلة محاضرات و ساعد طلابه في نشرها و طوروا ماسيصبح شبكة قوية وفعالة من المعارضة داخل إيران، مستخدمة خطب المساجد، وتهريب شرائط تسجيلات صوتية للخميني وطرق أخرى،في حين ظنت بقية المعتدلين واليساريين والمليشيات المسلحة الأخرى أن الستار سيسدل بعد الثورة وأن التيار اليساري سيسطر على الساحة، ولكن الخميني لم يعطهم الفرصة وسيطر على الحكم.

 

أتت أولى مظاهر المعارضة، نظام الشاه،من الطبقة الوسطى في المدن،وأرادوا بناء ملكية دستورية،ومن أبرزها"حركة تحرير إيران"، وهي حركة ليبرالية إسلامية معتدلة،وقد لاقت دعماً كبيراً في إيران ومن الغرب.

 

الخميني الذي كان منفياً في العراق،كان في السابعة والسبعين،عمل على أن تتوحد المعارضة الدينية والعلمانية والليبرالية والأصولية تحت قيادته، وذلك عبر تجنب الخوض في التفاصيل،وتجنبه قضايا مثل(ولاية الفقيه)التي كان يعتزم تنفيذها على الأقل علنا،لمعرفته بأنها ستطيح بدعم تلك الفئات.لكنه بمهارة اختار التوقيت المناسب لإزالة كل أعداءه وحلفائه الذين باتوا عقبة أمامه وأن يطبق نظام ولاية الفقيه في جمهورية إسلامية يقودها بنفسه.

 

قامت الثورة و كان فيها محاولات لقمع المتظاهرين، قتل المئات في هذه المظاهرات وأثناء حريق شب في إحدي دور العرض.

 

حدثت إعتصامات في كل المدن أدت الي شلل الإقتصاد و الإطاحه بالشاه. 

 

في ظل هذه الظروف تخلت عنه أمريكا و أعلنت أن الشاه (يجب أن يذهب) بغض النظر عمن سيحل مكانه.

 

عندما عاد الخوميني يناير١٩٧٩ من المنفي،بدأ بسط سيطرته و اندلع القتال بين الجنود الموالين والمعارضين للخميني بإعلانه(الجهاد)على الجنود الذين لم يسلموا أنفسهم، الانهيار النهائي للحكومة حصل في فبراير عندما أعلن المجلس العسكري الأعلى نفسه "محايداً في النزاعات السياسية الراهنة، لمنع المزيد من الفوضى وإراقة الدماءه".و هذه نهاية المرحله الأولي من الثورة.

 

كانت المرحلة الثانية من الثورة مرحلة إسلامية الطابع، وبعد انتصارها كان هناك ابتهاج كبير في إيران جراء سقوط الشاه،لكن سرعان ما بدأت مجموعات كثيرة تتنافس كلها على السلطة ولدى كل منها تفسيرات مختلفة لأهداف الثورة:

والبقاء كان للأقوى،الخميني وأنصاره. 

 

في السنة الأولى للثورة تم عرض مشروع الدستور علي مجلس الخبراء الخميني و رُفِض و أعلن أن الدستور قائم ١٠٠٪ علي حكم شيعي.

وضع مجلس الخبراء دستورا جديدا أوجد من خلاله منصب القائد الأعلى للخميني، ومنحه السيطرة على الجيش والأجهزه الأمنية. 

 

بادرت قيادة الثورة في البداية إلى إعدام كبار الجنرالات في الجيش.

 

قال الخميني"لاتستخدموا هذا المصطلح (الديموقراطية)،إنها مفهوم غربي"و صاحبة المقال توافقه علي ذلك. تم إغلاق عشرات الصحف والمجلات المعارضة،استنكر الخميني غاضبا الاحتجاجات.١٩٨٠بدأت "الثورة الثقافية"، أغلقت الجامعات التي اعتبرت معاقل لليسار مدة سنتين لتنقيتها من معارضي النظام الديني. و تم فصل ٢٠،٠٠٠من المعلمين و ٨٠٠٠ تقريبا من الضباط باعتبارهم "متغربين" أكثر مما يجب.

 

استخدم الخميني أحيانا أسلوب التكفير للتخلص مع معارضيه، وعندما دعا قادة حزب الجبهة الوطنية إلى التظاهر في منتصف عام ١٩٨١ ضد القصاص،هددهم الخميني بالإعدام بتهمة الردة"إذا لم يتوبوا".

 

حققت الثورةبعض أهدافها(خصوصاً القضاء على العلمانية والنفوذ الأمريكي في الحكومة)نجاحات معقولة.في حين أن أهداف أخرى(مثل زيادة الحرية السياسية والمساواة الاقتصادية والإكتفاء الذاتي وتثقيف الجماهير، والنزاهة والكفاءة في إدارة الحكومة)لم تلق مصيراً مشابهاً.

 

التذمر من الاستبداد والفساد الذي انتشر في عهد الشاه وحاشيته يوجه الآن ضد "الملالي في إيران"، الخوف من البوليس السري السافاك حل محله الخوف من الحرس الثوري.التعذيب والسجن للمخالفين، وقتل كبار النقاد أمر شائع. 

 

لم يزدهر الاقتصاد الإيراني، الاعتماد على صادرات النفط لايزال طاغيا، دخل الفرد يتقلب مع سعر برميل النفط الذي انخفض إلى ربع ما كان عليه في عهد الشاه، وارتفعت البطالة بين السكان من الشباب.

 

لكن التأثير الغربي ما زال يصعب إزالته، فهو يرجع من خلال الموسيقى والأفلام والفضائيات، لقد ساهمت الثورة في عزل إيران عن العالم،محاطة بالعقوبات الاقتصادية التجارية من الولايات المتحدة الأمريكية وهي عقوبات ما زالت مستمرة حتى هذا اليوم الذي تستعد في الدولتان لحلقة جديدة من المواجهات على خلفية البرنامج النووي الإيراني.

 

حاول الخميني تصدير الثورة إلى المناطق المجاورة، ويرى البعض أن قيام الحرب العراقية الإيرانية كانت من نتائج تلك السياسة، وكذلك الحرب الأهلية الأفغان،و ظهور حزب الله إلى تنظيم القاعدة إلى الجماعات الجهادية المتنوعة،و هذه قصه شرحها يطول.

 

لكن الولايات المتحدة وظفت هذا التطرف الناتج عن الثورة لصالح توسعها ، كما لجأت إليه دول عربية في المنطقة لتثبيت حكمها.التطرف ليس "الديني" فقط ولكن أي تطرف فكري أو سياسي، يسهل جدا على الطرف الآخر توظيفه بشكل جيد لتسويق نفسه. لذلك عندما نسمع تصعيد للخطاب المتطرف وفتح المجالات لصوته ..فلنشك أن السلطة هي من تقف خلفه.

 

فالمستبد يخشى المعتدل .. ولا يخشى المتطرف. تذكروا انقلاب محمد مصدق. 

 

لعل هذا المقال المختصر قد يوضح لنا أسباب تردد تسليم الجيش للسلطه؟ ولماذا يريد أن يكون له بند خاص في الدستور؟ و هل يفسر أيضاً لماذا لا يوجد ظابط جيش واحد له لحية في جيشنا المصري؟ ويفسر خوف الكثير من الناس من حكم الإسلاميين،لما فيه من تشابه في ظروف الثورتين؟ و لكن هناك بعض الفروق الجوهرية، أولها أننا سنة و إيرانةشيعة (و لكننا  كلنا مسلمين و موحدين بالله)، ثانيا عندهم ثروه عظيمى من البترول.نحن نتحدث العربية و هم لا فروق بسيطة ولكن قد تؤدي إلى اختلاف كبير في عاقبة الثوره.

 

و هذه مجرد تساؤلات مطروحة بعد النظر في سيناريو ثورة إيران و تبدو مقنعه، كما يبدو أيضاً، سيناريو ثورة شاوشيسكو مقنع أيضاً. و لكن السيناريو الحقيقي، سيناريو الثورةالمصرية، لم ينتهي صياغته بعد.

 

 

تعليقات القراء