إبراهيم الهضيبي يكتب: إرضاء لله ولمصلحة الوطن أدعو للتصويت ضد الشحات

لا أريد أن يكون عبد المنعم الشحات نائبا عن الشعب في البرلمان، وليست المسألة شخصية، ولكن السبب هو اعتقادي الجازم أن وجوده في البرلمان لا يخدم صالح الوطن، وأنه لا يمتلك المؤهلات التي تمكنه من القيام بالمهام البرلمانية

سريعا: أتصور أن البرلمان المقبل أمامه مهمتين رئيستين:

 

المساهمة في معركة إخراج العسكر من السلطة،

وتأسيس الدولة عن طريق المشاركة في وضع دستور توافقي يتماشى مع طبيعة الجماعة الوطنية المصرية ويحفظ سيادة الشعب، وإعادة بناء مؤسسات الدولة بما يحقق هذا المقصد

إضافة للمهام التقليدية للبرلمان في التشريع والمراقبة

فأما المهمة الأولى فتحتاج لرغبة وقدرة، وأشك في وجود الرغبة عند من دفع أنصاره – قبل أسابيع قليلة- للهتاف في مليونية 29 يوليو (يا مشير يا مشير ألف تحية من التحرير)، ولم أر منه على الإطلاق ما يشير لوجود القدرة، بل تشير القرائن لضد ذلك

وأما المهمة الثانية فأشك أيضا في الرغبة في إنجازها مع إصرار الحزب الذي ينتمي إليه الشحات على البعد عن الوفاق الوطني، ولي شخصيا تجارب في هذا الأمر، فقد اتصلت به شخصيا يوم الثلاثاء 26 يوليو بعد اجتماع في مقر جريدة الشروق دعا إليه مشكورا المهندس إبراهيم المعلم لمحاولة التنسيق بين القوى المختلفة التي أعلنت مشاركتها في مليونية 29 يوليو، وكان الشحات أحد طرفين امتنعا عن التوقيع عن البيان المشترك الذي وقعته القوى جميعا وقتذاك (الطرف الآخر كان الجمعية الوطنية للتغيير متمثلة في الدكتور عبد الجليل مصطفى والأستاذ حسين عبد الغني)، ورغم أنه ثمن البيان، وقال إن مشكلته الوحيدة معه أنه لا يعلن رفضه للمبادئ الدستورية، فإن الشحات قد جافى الصدق في موقفه بعد ذلك بأيام، إذ كنت في مساء الخميس 28 يوليو أعمل مع الدكتورة رباب المهدي على بعض الإداريات المتعلقة باليوم التالي، وعلمت ممن كان في ميدان التحرير أن بعض أنصار الدعوة السلفية في الاسكندرية يرفعون لافتات مطالبة بتطبيق الشرع (وكأن من في التحرير دعوا لغير ذلك) على خلاف الاتفاق الذي كان بيننا بقصر الخلاف على المبادئ الدستورية، فاتصلت به وأكد رفضه لهذه اللافتات، وأنه طلب من الشباب إنزالها، وأن الدعوة السلفية لا علاقة لها بها، وقلت له أنني أتوقع أن بعض عناصر أمن الدولة ستعمل على الفرقة  عن طريق مثل هذه اللافتات، وأنه من الأفضل أن يصدر بيانا يعلن خلاله رفضه لها، فقال أنه مشغول وليس لديه وقت لكتابة بيان بهذا المعنى، ولكنه يؤكد أن كل من يخرق الإجماع المتفق عليه فهو يعمل لصالح الأمن، وبحسن نية نقلت هذا الكلام الذي قال على تويتر ليطمئن الناس لأن أحدا لن يخرق ما اتفقنا عليه، وقلت فيما كتبته أن علينا ألا نلتفت للشائعات، بيد أنه بعدها بسويعات قليلة، وقبل فجر الجمعة 29 يوليو كنت في الميدان ورأيت كل أشكال الشعارات واللافتات المخالفة، وظننت في البدء أنها من طرف آخر ولكنها كانت مذيلة بتوقيع الدعوة السلفية في الأسكندرية، فذهبت وقلت لمن يحملها عن الحوار الذي كان بيني وبين الشحات فأكدوا أنهم نسقوا معه وأن هذه اللافتات جرى طبعها وإحضارها بعلمه، فاتصلت به فلم يرد، فأرسلت له رسالة أذكره بقول الله تعالى (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا)، فأرسل إلي يذكرني أنه لم يوقع على البيان قبلها بأيام، فلما أرسلت أقول له إن العهد ليس المكتوب فقط لم يرد، في اليوم التالي كنت ضيفا على الجزيرة مباشر مصر وقلت لهم أني لن أحضر إلا لو جيء به عبر الهاتف لأني سأتحدث في هذا الموضوع، وحدث، ولم يستطع إنكار ما كان في المكالمة ولكنه حاول القول بأنه كان يتحدث عن لافتة محددة في واقعة محددة، وكأنه يتهرب من تهمة الكذب الصريح بالقول إن رفع لافتة معينة الساعة 11 مساء الخميس يعد مخالفة، ولكن رفع نفس اللافتة، بنفس الشعارات بعدها بساعتين لا يعد كذلك!!!

وأشك أيضا في قدرة الشحات على المساهمة بأي شكل في بناء توافق وطني، فهو شخص متعصب في سلوكه الشخصي بعيد عن الانفتاح والأدب الذي يمكن معه بناء قدر من التوافق، أول مرة رأيته فيها كنت في استوديو قناة المحور، وكان في الاستوديو الأستاذ محمد عادل (6 أبريل)، وجاء بعدها الأستاذ جورج إسحق والدكتور عمرو حمزاوي، لما دخل الشحات رأيت أنه من الواجب (رغم اختلافي الشديد مع مواقفه وآرائه) أن أرحب به، ففعلت، فأجاب: أنت مين أصلا!!! قلت حضرتك أنا فلان، قال أيوة يعني بتعمل إيه؟ قلت: لا أفهم السؤال؟ قال لي: يعني إنت مع مين مش فاهم؟ قلت له: مش مع حد أنا باحث، فضحك بسخرية وقال: وجايبينك ليه لما إنت مش مع حد؟ فقلت له تسأل في ذلك إدارة القناة، وبعدها بدقائق كان على الهواء مع جورج إسحق وأساء الأدب معه في مشهد رآه الملايين، شخص كهذا غير قادر على التعامل مع البشر الطبيعيين، يريد أتباعا فحسب، وهو بالتالي غير قادر على العمل البرلماني

 

النائب البرلماني لابد أن يكون (القوي الأمين)، عنده صفات تتعلق بالكفاءة، وأخرى تتعلق بالنزاهة، وأظن الشحات لا يمتلك المقومات في أيهما

فأما النزاهة: فأقلها الصدق، والشحات يدعي تارة أنه كان محبوسا وقت الثورة، وتارة أخرى أنه كان مؤيدا لها، والدليل القاطع يقول أنه خرج من المعتقل قبل الثورة بأيام استغلها في دروس لتحذير الناس من المشاركة مع المخربين الداعين للتظاهر، ولإبعاد السلفيين خاصة عن المشاركة، وهذا الرابط يبين بعض ذلك

http://www.youtube.com/watch?v=MWRhkBU9QaY

كما أن بيانات الدعوة السلفية في الأسكندرية كان تدين الثوار حتى ما بعد موقعة الجمل، وهو كلها موجودة في كتاب وثائق الثورة الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

وبالإضافة لعدم الصدق، هناك علامات استفهام جادة تتعلق بتوقيت الإفراج عنه، وعلاقته بموقف الدعوة السلفية (ياسر برهامي تحديدا) من استشهاد سيد بلال رحمه الله (وهو ابن الدعوة السلفية، ولكن قادتها رفضوا رفضا قاطعا اتخاذ أية خطوات احتجاجية على قتله في أمن الدولة)، وعلاقته كذلك برغبة النظام وقتئذ في تنفير الناس من المشاركة في المظاهرات يوم 25 يناير

تزيد هذه الشكوك مع مشاركة الشحات مع غيره في (الوساطة) بين أسر الشهداء والضباط المتهمين بالقتل، وهي وساطة لم تأت بناء على طلب الأهالي، وكان مقصدها استبدال الأحكام المتوقعة بالدية، والمشكلة هنا أن القانون المصري لا يعترف بالدية، وهو ما يعني أنه لابد لإسقاط الأحكام المتوقعة من تغيير الأقوال وشهادة الزور المصاحبة لدفع مبلغ على سبيل الدية، وهو ما حدث في حالات كثيرة، كان الشحات وغيره من (مشايخ) الإسكندرية بكل أسف وسطاء فيها،

وتزيد منها كذلك مواقف الشحات أثناء الثورة نفسها، إذ كان يتصل بالمتظاهرين في الميادين ممن يعرفهم عبر الهاتف ليحثهم على العودة، وعدم المشاركة، ويؤكد لهم أنهم خرجوا لمقصد فاسد والخطر كبير في أن يموتوا على ذلك

والحقيقة أن مشكلتي ليست مع هذا الرأي في ذاته، فتقدير الأمور يمكن أن يختلف من شخص لآخر، وإنما في إنكاره بعد ذلك، والادعاء بأنه كان دوما مؤيدا للثورة

أخيرا: موقفه من الديمقراطية: مرة أخرى أفهم أن تختلف آراؤنا، ولكن القلق هو من (ظاهرة الاستثناء) التي يؤسس لها، فمشاركة المرأة حرام وإنما تجوز للضرورة، وترشحها حرام ويجوز للضرورة، والديمقراطية حرام بل وكفر وتجوز للضرورة، ولا نحتج على مقتل سيد بلال للضرورة، إن استفحال الضرورة بهذه الصورة، وبدون الالتزام بضوابط شرعية لمعنى الضرورة، أو بأي ضوابط ثابتة لها، يعني إمكان تبرير أي موقف بفكرة الضرورة، وهو ما يحول الدين من متبوع لتابع، ويجعل المصلحة التنظيمية هي المقصد الأسمى، والمصلحة التنظيمية هنا إنما تعني المصلحة الشخصية لقيادات التنظيم

في هذا الفيديو يقول الشحات إن أسباب انتخاب الناس له خلفيته السياسية والدينية والخدمية

http://www.youtube.com/watch?v=zMXNdfzkCZ8

أقول:

أما الخلفية الدينية فلا علاقة لها بالعمل البرلماني، وأنقل تلك الكلمات عن أحد مشايخي كتبها لما سئل في هذا الأمر، قال:

"

المطلوب من نواب المجلس هو العلم والكفاءة والمقدرة والجدارة على طرح قوانين ومراقبة الحكومة ومحاسبة الحكام، وتوصيل الخدمات قدر الإمكان للمواطنين، وخاصة أهل الدائرة. وقد يكون من علماء الشرع من يصلح لهذا فيكون أهلا للترشيح والتواجد في المجلس، وغالبا ما ينجح لدورات ودورات، وقد لا يكون، فلا يشفع له علمه الشرعي في تواجده في مكان يحتاج لمواهب معينه وقدرات خاصة، كما لا يلائم ولا يليق أن يعمل عالمُ الشرع الجاهلُ بالطب أو بالمحاسبة طبيبا أو محاسبا لمجرد أنه عالم بالشرع.

 

"

وهذا على افتراض كون الشحات من أصحاب العلم الشرعي بالأساس، وهو غير مسلم به لفساد المنهج في التلقي والتعلم والمعرفة، وهو حوار يطول وليس هذا موقفه، وغير مؤثر، ويمكن لمن أراد التفصيل فيه الرجوع لأهل العلم في الأزهر الشريف

وأما الخلفية السياسية فيكفي تعريفه هو لها: المشاركة في مداخلات في البرامج  والندوات خلال الأشهر الماضية! وماذا تفعل هذه المداخلات (التي انصب معظمها حول الجدل العقيم بين مدنية الدولة وإسلاميتها وعلمانيتها) لكي يعرف المشاهد أي شيء عن إمكانياته ورؤيته لإصلاح الاقتصاد، ومعالجة فجوات الدخل، والبطالة، والتضخم، أو التعليم، كما وكيفا، وعلاقته بالمجتمع، أو علاقته بالسوق حسب رؤيته، وسياسات الدعم، والسياسات الخارجية، وغير ذلك؟ لا شيء، والله إنه لمن المضحكات المبكيات أن يكون تعريف الإمكانيات بهذه الصورة

وأما الخلفية التنموية بالمعنى الذي يقدمه فمحلها المحليات لا البرلمان

حقيقة لا أجد سببا واحدا يدفع للتصويت للشحات إلا أن يكون تعصبا مقيتا للشخص، أسأل الله أن يعافينا منه

ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد

تعليقات القراء