الأزهر للفتوى يحسم الجدل حول حكم صيام رمضان في زمن الكورونا.. والأوقاف تكشف مصير موائد الرحمن

كتب: ضياء السقا

حسم مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، الجدل المثار في الوقت الراهن حول حُكم صيام شهر رمضان في حال رأى الأطباءُ ضرورة بقاء فم الصَّائم رطبًا طوال اليوم؛ كإجراء وقائيّ من العدوى بفيروس كرونا المُستجد (كوفيد – 19).

وقال المركز في فتوى نشرها عبر صفحته الرسمية بالفيس بوك:

الجواب المُختَصر:

وإن كان الأمر سابقًا لأوانه؛ فإنه لا يجوز للمسلم أن يُفطِرَ رمضان إلَّا إذا قرَّر الأطباء وثبت علميًّا أن الصِّيام سيجعله عرضةً للإصابة والهلاك بفيروس كُورونا، وهو أمر لم يثبت علميًّا حتى هذه اللحظة.

الجواب المُفَصَّل:

الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام على سَيِّدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن وَالَاه، وبعد..

فقد حثَّ الإسلام على حِفَظِ النَّفس وصيانتها بكلِّ الطُّرق والسُّبل التي تدرأ عنها الهلاك، وتمنع عنها الضرر؛ ومن ذلك ما قعَّده الفقهاء من القواعد الوقائية في الشريعة الإسلامية بقاعدة (الدَّفع أقوى من الرَّفع): حيث قرَّروا فيها بأنه إذا أمكن رفع الضَّرر قبل وقوعه وحدوثه؛ فهذا أَولى وأفضل من رفعه بعد الوقوع، فهذا من باب العلاج الوقائي؛ لأنَّه إن أمكن علاج الأمر ودفعه قبل حدوثه فهذا يُجَنِّب المجتمع الأضرار والكوارث التي من الممكن أن تحدث إذا لم نُسرع بمعالجة الأمور.

وقد يثور هنا تساؤل ألا وهو: هل من الأمور الوقائية كون الفم رطبًا دائما حتى لا يُصاب الشَّخص بعدوى فيروس كورونا المستجد؟ وهل يتوجَّب على المسلم الإفطار في رمضان كإجراء وقائي بترطيب فمه؛ ليحمي نفسه من العدوى بهذا الفيروس؟

والحقيقة: أنه لم يثبت علميًّا -حتى هذه اللحظة- كما جاء عبر الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية –المكتب الإقليمي للشرق المتوسط– أنَّ شرب الماء من الإجراءات الوقائية من الإصابة بهذا المرض، فقد أجابت عن سؤالين عبر موقعها الإلكتروني مفادهما كما يلي:

السؤال الأول: هل شرب الماء يخفف من التهاب الحلق؟ وهل يقي من العدوى بمرض فيروس كورونا-2019 (كوفيد-19)؟

فأجابت: «من المهم شرب الماء للحفاظ على مستوى الرطوبة في الجسم مما يحفظ الصحة العامة، ولكن لا يقي شرب الماء من العدوى بمرض كوفيد - 19».

السؤال الثاني: هل تساعد الغَرْغَرَة بغسول الفم على الوقاية من العدوى بفيروس كورونا المستجد؟

فأجابت: «لا، لا توجد أي بيِّنة على أنَّ استخدام غسول الفم يقي من العدوى بفيروس كورونا المستجد... هناك بعض العلامات التجارية لغسول الفم قد تقضي على جراثيم معينة لبضع دقائق في اللُّعَاب الموجود بالفم، لكن لا يعني ذلك أنها تقي من العدوى بفيروس كورونا المستجد - 2019م» ا.هـ.

ولكن إذا أراد الصائم لأي سببٍ آخر أن يجعل فمه رطبًا، فقد سَنَّ له الإسلام المضمضة حال الوضوء، فيستعين بها على ترطيب فمه؛ شريطة ألَّا يُبالغ في ذلك؛ كي لا يدخل الماء إلى جوفه فيبطل صومه؛ وذلك لما جاء عن سيدنا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا، قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنْ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ» قُلْتُ: لا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: «فَمَهْ» [أخرجه أبو داود]، فقوله: «أَرَأَيْت لَوْ مَضْمَضْت مِنْ الْمَاء»: فِيهِ إِشَارَة إِلَى أن مجرَّد المضمضة حال الصوم ليس فيها شيء إذا لم يدخل الماء في جوف الصائم.

وعليه: فلا يجوز للمسلمين الإفطار في رمضان إلا للمرضى وأصحاب أمراض المناعة وأصحاب الأعذار الذين يُرخَّصُ لهم الفِطر، أو إذا ثبت علميًّا أنَّ لعدم شرب الماء تأثيرًا صحيًّا على الصائمين؛ كإجراء وقائي لهم من الإصابة بهذا المرض بالإفطار في رمضان؛ فيرجع في حكم ذلك للأطباء الثِّقات وما يرونه؛ للحفاظ على صحة الإنسان، فهم أهل الاختصاص في هذه المسألة، وقرارهم مُلزِمٌ لكلِّ صائم مسلم بالإفطار من عدمه، ونؤكِّد على أنَّه إذا استمرَّ الحظر وبقي النَّاس في منازلِهم فيجب الصَّوم؛ لأنَّه ببقائهم بالمنزل لن يكون هناك خطر يهدد حياتهم بعدوى.

ومع ذلك ففي حالة الضرورة، فالرأي القاطع في هذه المسألة يكون لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

هذا؛ ونسأل الله سبحانه أن يأتي علينا رمضان بالخير والنعمة والعافية، وأن يُزيح عنَّا البلاء، وأن يرفع عنا وعن العالمين الضر والوباء؛ إنه سبحانه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير.

وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سيِّدنا ومولانا مُحمَّد، والحمد لله ربِّ العالمينِّ.

قرار من الأوقاف بشأن موائد الرحمن في رمضان

أكدت وزارة الأوقاف أنها لن تسمح لأي جهة بإقامة موائد إفطار رمضانية في محيط المساجد أو أي ملحقات تابعة لها هذا العام، في ظل الإقراءات الوقائية للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد.

وشددت الأوقاف في بيان، على جميع أهل الخير ولجان البر والجمعيات والجهات التي كانت تقيم موائد إفطار في الشهر الكريم أن تبادر بإخراج ذلك نقدًا أو سلعًا غذائية للفقراء والمحتاجين قبل دخول رمضان, مؤكدة أن النقد أنفع للفقير لسعة التصرف فيه.

وفيما يتصل بلجان البر التابعة للأوقاف فيقتصر الأمر فقط على دفع المبالغ النقدية من خلال الفيزا كارت دون سواها وبالإجراءات القانونية المتبعة ، ولا يسمح بغير ذلك هذا العام تحقيقا للصالح العام وحرصا على الجميع.

ويأتي هذا التنبيه المبكر حتى لا يقوم أحد ممن كانوا يقومون على الموائد في الأعوام السابقة بجمع أية أموال لحساب هذه الموائد، مع التأكيد أن صرف المبالغ النقدية أستر للفقير وأنفع له ولأسرته.

وتابعت الوزارة: "أما من كان له جار فقير أو أسرة محتاجة وأراد أن يهدي لها ما يشاء من الطعام أو غيره فبر وصلة مطلوبان في هذا التوقيت , بل إننا ندعو إلى هذا البر ونحث ونشجع عليه لما يحققه من الألفة والمودة بين الجيران".

وصرح الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بأن جميع إجراءات دفع الهلاك عن النفس البشرية واجبة شرعا ، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ومخالفة هذه الإجراءات الوقائية والاحترازية التي تقررها السلطات والجهات المختصة إثم ومعصية ، سواء تعلق ذلك بالعزل الذاتي ، أم بالحجر الصحي ، أم بتعليق الجمع والجماعات ، ( ويستوي الأمر في ذلك في رمضان وغير رمضان ) ، أم بتعليق الحج والعمرة ، ذلك أن مقصد الحفاظ على النفس البشرية مقدم على سائر الفروع طالما أن الحاكم في ذلك هو العذر والضرورة ودرء المفسدة الذي هو مقدم على جلب المصلحة ، ولا سيما أن المفسدة المترتبة على مخالفة توجيهات أولي الأمر عظيمة وهي هلاك النفس بل هلاك الأنفس ، وهذا سر من أسرار عظمة الإسلام في الحفاظ على النفس ، ” وما يعقلها إلا العالمون ” .

تعليقات القراء