حكاية «الفانوس».. قصة «مدفع الإفطار» وأول مدينة استخدمته..«مائدة الرحمن» تعرف على من بدأها .. كل حاجة عن طقوس «الشهر الكريم»

الموجز - إعداد - محمد علي هــاشم 


رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه أهلاً رمضان، النشيد الوطني لإستقبال رمضان في مصر ، هذا الشهر الذي يجمع الأسرة والعائلة الكبيرة على سفرة واحدة وعادة تكون "مائدة الإفطار"، رمضان شهر الصيام والصلاة والزكاة، ينتظره المسلمون من العام للعام ، خاصة ليلة القدر ، ارتبط رمضان في مصر بعدة طقوس يبدأ المصريون في التحضير لها مبكراً مثل فانوس رمضان وموائد الرحمن والحلويات التي يتميز بها الشهر الكريم ، ومع لحظة أذان المغرب يطلق "مدفع الإفطار" وهى عادة ظلت حتى الآن في مصر. 

وفيما يلي نذهب في رحلة قصيرة لنتعرف على تاريخ هذه الطقوس من الفانوس وحتى مدفع رمضان ومروراً بمائدة الرحمن التي دائماً ما تحمل كل ما لذ وطاب من أجل الفقير وعابر السبيل .

من أين جاء فانوس رمضان؟ وما أصل كلمة وحوي يا وحوي؟

كشف الدكتور عبد الرحيم ريحان، الخبير الأثري المصري، لـ "العربية.نت" أن المصريين عرفوا فانوس رمضان منذ يوم 15 رمضان 362 هـجرية 972 ميلادية حين وصل المُعزّ لدين الله إلى مشارف القاهرة ليتخذها عاصمة لدولته، وخرج أهلها لاستقباله عند صحراء الجيزة، فاستقبلوه بالمشاعل والفوانيس وهتافات الترحيب، ووافق هذا اليوم دخول شهر_رمضان، ومن يومها صارت الفوانيس من مظاهر الاحتفال برمضان.

ويشير د. ريحان لأصل كلمة "وحوي يا وحوي" المصري القديم فكلمة (أيوح) معناها القمر، وكانت الأغنية تحية للقمر، وأصبحت منذ العصر الفاطمي تحية خاصة بهلال رمضان. وهناك رأي آخر يقول إن وحوي يا وحوي أغنية فرعونية والنص الأصلي للأغنية هو "قاح وي واح وي، إحع" وترجمتها باللغة العربية أشرقت أشرقت يا قمر، وتكرار الكلمة في اللغة المصرية القديمة يعني التعجب، ويمكن ترجمتها أيضا "ما أجمل طلعتك يا قمر وأغنية "وحوي يا حوي إيوحه" هي من أغاني الاحتفاء بالقمر والليالي القمرية، وكان القمر عند الفراعنة يطلق عليه اسم "إحع".

وبعد دخول الفاطميين إلى مصر وانتشار ظاهرة الفوانيس أصبحت الأغنية مرتبطة بشهر رمضان فقط، بعد أن ظلت أزمنة مديدة مرتبطة بكل الشهور القمرية طبقاً لدراسة أثرية لعالم الآثار الإسلامية الدكتور علي أحمد الطايش، أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة_القاهرة.

ويوضح د. ريحان أن الفانوس تحول من وظيفته الأصلية في الإضاءة ليلًا إلى وظيفة أخرى ترفيهية إبان الدولة_الفاطمية، حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس، ويطالبون بالهدايا من أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون، وهناك قصة أخرى حدثت في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي، وقد كان مُحرَّماً على نساء القاهرة الخروج ليلًا، فإذا جاء رمضان سمِحَ لهن بالخروج بشرط أن يتقدّم السيدة أو الفتاة صبي صغير يحمل في يده فانوساً مضاءً ليعلم المارة في الطرقات أنّ إحدى النساء تسير فيُفسحوا لها الطريق، وبعد ذلك اعتاد الأطفال حمل هذه الفوانيس في رمضان، وقيل إن ظهور فانوس رمضان ارتبط بالمسحراتي ولم يكن يُقاد في المنازل بل كان يعلَّق في منارة الجامع إعلاناً لحلول وقت السحور، فصاحب هؤلاء الأطفال بفوانيسهم المسحراتي ليلاً لتسحير الناس حتى أصبح الفانوس مرتبطاً بشهر رمضان وألعاب الأطفال وأغانيهم الشهيرة في هذا الشهر ومنها وحوي يا وحوي.

ويقول إن أشهر مناطق صناعة الفوانيس كانت في الربع المتفرع من ميدان باب الخلق بالقاهرة، وانتقلت فكرة الفانوس المصري إلى أغلب الدول_العربية وأصبح جزءا من تقاليد شهر رمضان، لاسيما في دمشق وحلب والقدس وغزة وغيرها من العواصم والبلدان العربية.

مائدة الرحمن مشهد عبر التاريخ.. بدأها الرسول فى الطائف خلال هجرته إلى يثرب.. وسماها الفاطميون "دار الفطرة".. واستخدمها الملك فاروق فى الدعاية السياسية

مائدة الرحمن من أشهر طقوس شهر رمضان الكريم، وهى ما تسمى بمائدة الإفطار لتكون من أبرز مظاهر التكافل الاجتماعى بين المصريين، وهو ما يميز الشارع المصرى فى ذلك الشهر عن باقى الأيام والشهور، المعنى والإحساس واحد لكنها اختلفت فى شكلها ومحتوى الطعام المقدم بين الأحياء الراقية والشعبية.

البداية كانت فى عهد رسول الله:
يقول بعض المؤرخين، إن أول من أقام مائدة رحمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أقام مائدة للوفد الذى جاء إليه من الطائف أثناء وجوده بالمدينة، واتخذوا من المدينة مكانا يستقرون فيه لفترة، فكان الرسول هو المضيف، حيث كان يرسل إليهم إفطارهم وسحورهم مع بلال بن رباح، وجاء من بعده الخلفاء الراشدون ليقتدوا به وجاء عمر بن الخطاب ليؤسس دارا كاملا للضيافة يفطر فيها الصائمون .
الدولة الطولونية:
بداية موائد الرحمن لا يعرف تاريخ بدايتها فى مصر لكن هناك آراء تشير أن مائدة الإفطار بدأت فى مصر مع الأمير أحمد بن طولون مؤسّس الدولة الطولونية، فهو أول من أقام مائدة الرحمن فى السنة الرابعة من ولايته، فكان يجمع التجار والأعيان على مائدة كبيرة فى أول يوم من شهر رمضان ويخطب فيهم قائلا "إنى جامعكم حول تلك الأسمطة لأعلمكم طريق البر بالناس"، وفى العام ٨٨٠ هجرية أمر بتعميم الموائد الرمضانية فى كل أنحاء دولته، وأن يكون مقرها فى الأماكن العامة لتكون قريبة من الفقراء.
الفاطميون:
بعض المؤرخين أرجعوا أنها بدأت فى مصر مع تأسيس الدولة الفاطمية وكان الخليفة المعز لدين الله الفاطمى، أول من وضع تقاليد المائدة فى عهد الدولة الفاطمية، ليكون الصائمون من أهل جامع عمرو بن العاص هما زائرو المائدة خلاف أنه كان يخرج من قصره 1100 قدر من جميع ألوان الطعام، لتوزّع على الفقراء.

وبدأت تحت اسم "دار الفطرة"، لكن تراجعت موائد الرحمن مع المماليك والعثمانيين بسبب اندلاع الحروب، وبدأ إحياؤها مع الاستعمار الإنجليزى والفرنسى، حين بدأت الجمعيات الخيرية تعيدها للفقراء، ومع مطلع السبعينيات بدأت موائد الرحمن بالازدهار وانتشرت فى العديد من الدول العربية والإسلامية ولكن كانت النواة مصر.

موائد الرحمن فى عهد الملك فاروق "بروتوكول سياسى":
باتت موائد الرحمن فى عهد الملك فاروق ما هى إلا بروتوكول سياسى بإطعام المساكين الذين كانوا يهتفون بالدعاء لمولاهم الملك فاروق باعتباره ولى النعم، فكانت تسمى بالمائدة الملكية فى قصر عابدين، وذلك بحضور كبار رجال القصر على أنهم شرف المآدب الملكية فى رمضان، ثم يتوافد على القصر آلاف الناس من رعية الملك من جميع الطبقات ليتناولوا الطعام.

‏ العصر الحديث:
بدأت مع أصحاب الورش والمصانع، فى أن يفطروا العمال لديهم ولكن على نطاق ضيق، وفى عام1967 ظهر بنك ناصر الاجتماعى ليشرف على موائد الرحمن المعروفة بشكلها الحالى من أموال الزكاة، وكان أشهرها المائدة التى تقام بجوار الجامع الأزهر التى تفطر أربعة آلاف صائم يوميا، ومن هنا ظهرت مشاركة الوزراء ورجال السياسة والفنانين ورجال الدين، لتصبح وسيلة إما للتقرب إلى الله أو كدعاية سياسية.

موائد رمضانية قبطية:
نتيجة للنسيج الواحد بين المسلمين والأقباط فى مصر، نجد أن كثير من الأقباط شاركوا الصائمين المصريين فى إقامة بعض الموائد كنوع من المشاركة الوجدانية وتأكيدا على وحدة عنصرى الأمة، ويذكر أن أول مائدة رمضانية قبطية فى مصر كانت فى حى شبرا عام 1969 على يد القمص صليب متى ساويرس راعى كنيسة مار جرجس .

ليس الصائمون الفقراء فقط:
كان قديما يشارك فى الإفطار على مائدة الرحمن هم الفقراء والمحتاجون فقط ثم تطور الأمر وأصبح من رواد هذه الموائد الموظفين والأسر الراغبين فى المشاركة والشباب المحبين للمة، حيث يبدأ الحجز على هذه الموائد بعد أذان العصر مباشرة، ويستمر توافد الرواد عليها حتى أذان المغرب، ولن تقتصر على المصريين بل الأجانب أيضا يشاركون الصائم المصرى المسلم الإفطار واللمة.

قصة مدفع إفطار رمضان وما أول مدينة استخدمته؟



اعتاد المسلمون في معظم أرجاء المعمورة على بدء إفطارهم في رمضان على طلقات المدفع والتوقف عن تناول الطعام أيضاً عن طريق طلقات مدفع رمضان.

لكن ما هي قصة هذا المدفع وكيف بدأت؟
التفاصيل يرويها لـ "العربية.نت " الدكتور عبدالرحيم ريحان، الخبير الأثري المصري ويقول لقد اعتاد الصائمون على أن يرتبط إفطارهم وإمساكهم في أيام شهر رمضان بأذاني المغرب والفجر ورغم كثرة مساجد القاهرة ومآذنها فقد عرفت هذه المدينة مدفع الإفطار في العصر المملوكي عام 859هـجرية 1439ميلادية وكانت القاهرة أول مدينة إسلامية تستخدم هذه الوسيلة عند الغروب، إيذاناً بالإفطار في شهر رمضان.

ويوضح خبير الآثار أن ظهور مدفع الإفطار جاء بمحض الصدفة في أول يوم رمضان عام 859هـجرية 1455ميلادية كان والي مصر في هذه الفترة الوالي المملوكي "خوشقدم" قد تلقى مدفعاً هدية من صاحب مصنع ألماني فأمر بتجربته وتصادف ذلك الوقت مع غروب الشمس فظن سكان القاهرة أن ذلك إيذان لهم بالإفطار، وفي اليوم التالي توجه شيوخ الحارات والطوائف إلى بيت الوالي لشكره على هديته لسكان القاهرة، فلما عرف الوالي الحكاية أعجب بذلك، وأمر بإطلاق المدفع عند غروب الشمس في كل يوم من أيام رمضان، واستمر هذا الأمر إلى يومنا هذا وفقاً لدراسة أجراها عالم الآثار الإسلامية الدكتور علي أحمد الطايش، أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة.

مدفع الحاجة فاطمة
ويعرض د. ريحان الروايات التي ذكرتها الدراسة عن مدفع الإفطار ومنها أن المدفع ارتبط اسمه بالحاجة فاطمة ففي سنة 859 هجرية عندما توقف المدفع الذي أطلقه خوشقدم على سبيل التجربة عن الإطلاق ذهب العلماء والأعيان لمقابلة السلطان لطلب استمرار عمل المدفع لكنهم لم يجدوه والتقوا زوجة السلطان التي كانت تدعى الحاجة فاطمة ونقلت طلبهم للسلطان فوافق عليه، فأطلق الأهالي اسم الحاجة فاطمة على المدفع واستمر هذا حتى الآن.

ويتابع د. ريحان بأن هناك رواية مشهورة عن ظهور مدفع الإفطار تقول إن والي مصر محمد علي الكبير كان قد اشترى عددًا كبيرًا من المدافع الحربية الحديثة في إطار خطته لبناء جيش مصري قوي، وفي يوم من الأيام الرمضانية كانت تجري الاستعدادات لإطلاق أحد هذه المدافع كنوع من التجربة فانطلق صوت المدفع مدويًا في نفس لحظة غروب الشمس وأذان المغرب من فوق القلعة فتصور الصائمون أن هذا تقليدًا جديدًا، واعتادوا عليه وطلبوا من الحاكم أن يستمر هذا التقليد خلال شهر رمضان في وقت الإفطار والسحور فوافق وتحول إطلاق المدفع بالذخيرة الحية مرتين يوميًا إلى ظاهرة رمضانية مرتبطة بالمصريين كل عام.

ويضيف الدكتور ريجان قائلا: لقد استمر المدفع يعمل بالذخيرة الحية حتى عام 1859 ميلادية ولكن امتداد العمران حول مكان المدفع قرب القلعة وظهور جيل جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة غير الحقيقية أدى إلى الاستغناء عن الذخيرة الحية، كما كانت هناك شكاوى من تأثير الذخيرة الحية على مباني القلعة الشهيرة، ولذلك تم نقل المدفع من القلعة إلى نقطة الإطفاء في منطقة الدراسة القريبة من الأزهر الشريف، ثم نُقل مرة ثالثة إلى منطقة البعوث قرب جامعة الأزهر.

6 مدافع و5 مناسبات
ويقول الخبير الأثري المصري لقد كان في القاهرة حتى وقت قريب 6 مدافع موزعة على أربعة مواقع، اثنان في القلعة، واثنان في العباسية، وواحد في مصر الجديدة، وآخر في حلوان، تطلق كلها مرة واحدة من أماكن مختلفة بالقاهرة، حتى يسمعها كل سكانها وكانت هذه المدافع تخرج في صباح أول يوم من رمضان في سيارات المطافئ لتأخذ أماكنها المعروفة، ولم تكن هذه المدافع تخرج من مكانها إلا في خمس مناسبات وهى رمضان والمولد النبوي وعيد الأضحى ورأس السنة الهجرية وعيد الثورة، وكان خروجها في هذه المناسبات يتم في احتفال كبير حيث تحمل على سيارات تشدها الخيول، وكان يراعى دائما أن يكون هناك مدفعان في كل من القلعة والعباسية خوفا من تعطل أحدهما.

ويذكر د.ريحان أن توقف المدفع في بعض الأعوام عن الإطلاق بسبب الحروب أدى إلى إهمال عمل المدفع حتى عام 1983 عندما صدر قرار من وزير الداخلية المصري بإعادة إطلاق المدفع مرة أخرى ومن فوق قلعة صلاح الدين الأثرية جنوب القاهرة، ولكن استمرار شكوى الأثريين من تدهور حال القلعة وتأثر أحجارها بسبب صوت المدفع أدى لنقله من مكانه خصوصًا أن المنطقة بها عدة آثار إسلامية هامة.

وقال الخبير المصري إن المدفع يستقر الآن فوق هضبة المقطم وهي منطقة قريبة من القلعة ونصبت مدافع أخرى في أماكن مختلفة من المحافظات المصرية ويقوم على خدمة المدفع أربعة من رجال الأمن الذين يُعِدُّون البارود كل يوم مرتين لإطلاق المدفع لحظة الإفطار ولحظة الإمساك.

تعليقات القراء