حكم استعمال بخاخة الربو والأنف أثناء الصيام.. الإفتاء تجيب



هل استعمال "بخاخة الربو" و"بخاخة الأنف" في أثناء الصوم يُفطِر؟ وإذا كان استعمالهما يُفْطِر؛ فما الواجب على المريض في هذه الحالة؟

يقول الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، إن "بخاخة الرَّبو" آلةٌ يستخدمها مريض الربو بها دواء سائل مصحوب بهواء مضغوط بغاز خامل يدفع الدواء من خلال جرعات هوائية يجذبها المريض عن طريق الفم، فيعمل كموسِّعٍ قصبِيٍّ تعود معه عملية التنفس لحالها الطبَعي.
و"بخاخة الأنف" آلةٌ يستخدمها بعض مرضى الحساسية لاستنشاق الدواء عن طريق الأنف، ويُسمَّى عند الفقهاء بـ"الِاستِعَاط" أو "الإسعاط" أو "السّعُوط".
واستعمال أيٍّ من هاتين البخاختين مُفْسِدٌ للصوم؛ لأن فيها إيصالًا للسائل على هيئة رذاذ له جِرمٌ مؤثِّرٌ إلى الجوف عن طريق منفذٍ منفتحٍ أصالةً انفتاحًا ظاهرًا محسوسًا -وهو الفم والأنف-؛ ذلك أنَّ معنى الصوم هو: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس مع النِّية، ولا يُتَحقَّق الإمساك المذكور بدخول شيء ذي جِرم إلى الحَلْق، وإلَّا كان ركنُ الصيام منعدمًا، وأداءُ العبادة بدون ركنها لا يُتصوَّر.

قال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/ 93، ط. دار الكتب العلمية): [وما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ عن المخارق الأصلية؛ كالأنف والأذن والدبر بأن استعط أو احتقن أو أقطر في أذنه فوصل إلى أذنه أو إلى الدماغ فسد صومه] اهـ.
وجاء في "شرح الخرشي لمختصر خليل" في فقه المالكية (2/ 249، ط. دار الفكر): [وصحته -أي الصوم- بترك إيصالِ متحلِّلٍ؛ وهو كل ما ينماع من منفذٍ عالٍ أو سافلٍ غير ما بين الأسنان، أو غير متحلل؛ كدرهم من منفذ عال] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المنهاج" (2/ 155، ط. دار الكتب العلمية): [شرط الصوم الإمساك... عن وصول العين إلى ما يسمى جوفًا] اهـ.

وقال العلامة البهوتي في "شرح المنتهى" (1/ 481، ط. عالم الكتب): [أو أدخل إلى جوفه شيئًا من كل محلٍّ ينفذ إلى معدته مطلقًا، أي: سواء ينماع ويغذي أو لا، كحصاة وقطعة حديد ورصاص ونحوهما، ولو طرف سكين من فعله أو فعل غيره بإذنه- فسد صومه] اهـ.
ومفهوم "الجوف" عند الفقهاء مختلفٌ فيه:
- فيرى الحنفية والشافعية: أنَّ الجوف هو التجويف الداخلي للجسد؛ وذلك أخذًا من المفهوم اللُّغوي له؛ ومن أجل هذا توسَّعوا في المفطرات؛ حتى إنَّ الشافعية يرون أن إدخال عودٍ في الأذن مبطِلٌ للصوم.
- ويرى المالكية أن المراد بالجوف هو المعدَة، ولعل هذا هو الراجح، وقد تأيَّد ذلك بقرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة؛ حيث قرَّر في "دورته العاشرة" برقم 93 (1/ 10) لسنة 1997م: [أنَّ إدخال جسم من منظار أو الأنابيب التي تستخدم للتصوير أو لإجراء عملية جراحية لا تفطر الصائم] اهـ.
على أنَّه لا يصح القول بأنَّ دخول شيء إلى المعدة من بخاخ الربو والأنف ليس قطعيًّا؛ بمعنى أنه قد يدخل وقد لا يدخل، والأصل صحة الصوم، ولا يزول هذا اليقين بالشك؛ وذلك لأنه قد ثبت من الناحية الطبية أن الذي يصل إلى المعدة من الدواء يقارب الثمانين بالمائة، فلم يَصِرْ وصول الدواء إلى المعدة مشكوكًا فيه، كما لا يصحُّ قياس الواصل إلى الحَلْق من بخاخ الربو والأنف على المتبقي من المضمضة والاستنشاق بجامع أن المتبقي منهما لا يُفطر فكذا ما يصل إلى الجوف من بخاخ الأنف، فهذا قياسٌ مع الفارق؛ لأن المحلَّ الذي يُقْصَد به الجناية على الصوم إنما هو الحلق، وهو ليس مقصود المضمضة، بل مقصودها هو الفم، بخلافه في بخاخ الربو والأنف؛ فإن الحَلْق مقصود لهما؛ فصار سريانُ أثر المضمضة إلى الحلق من باب الخطأ وعدم الاختيار الذي هو من عوارض الأهليَّة؛ فتمام قصد الفعل بقصد محلِّه، وفي الخطأ يوجد قصد الفعل دون قصد المحلِّ، ومعنى الخطأ في سريان أثر المضمضة إلى الحلق كونه غير مقصودٍ من قِبَل الـمُكلَّف؛ يقول الإمام ابن الموقت الحنفي في "التقرير والتحبير على تحرير الكمال بن الهمام" (2/ 204) في بيان الخطأ الذي هو من عوارض الأهلية المكتسبة: [الْخَطَأُ: أَنْ يَقْصِدَ بِالْفِعْلِ غَيْرَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْجِنَايَةَ؛ كَالْمَضْمَضَةِ تَسْرِي إلَى الْحَلْقِ... فَإِنَّ الْقَصْدَ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ الْفَمَ لَيْسَ إلَى وُلُوجِهِ الْحَلْقَ] اهـ.
ويقول العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (2/ 158، ط. دار الكتب العلمية): [(وَلَوْ سَبَقَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ إلَى جَوْفِهِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا)؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ] اهـ.
وكذلك فإن في الاحتراز عن أثر المضمضة نوع تعذُّرٍ ومشقَّة مع كونها مطلوبًا للشَّارع في الطَّهارَةِ، والمشقَّةُ تجلبُ التَّيسيرَ، وقد اشترط العلماءُ لعدم حصول الفطر بها البصق بعد مجِّ الماء، ولم يشترط المبالغة في البَصق؛ لأنَّ الباقي بعده مجرد بلل ورطوبة لا يمكن التحرُّز عنه؛ قال الإمام النووي في "المجموع" (6/ 357): [إذا تمضمض الصائم لزمه مجَّ الماء، ولا يلزمه تنشيف فمه بخرقةٍ ونحوِها بلا خلاف؛ لأنَّ في ذلك مشقَّة، ولأنه لا يبقى في الفم بعد المجِّ إلا رطوبة لا تنفصل عن الموضع؛ إذ لو انفصلت لخرجت في المجِّ] اهـ.
كما لا يصح قياس بخاخة "الربو" أو "الأنف" على السِّواك في جواز استعماله للصائم مع العفو عن وجود بعض المواد فيه لقِلَّتِها ولكونها غير مقصودة؛ لأنَّ المعفوَّ عنه عند استعمال السِّواك غير مقصود ويعسُر دفعُهُ، بخلافِ المادَّةِ الدَّوائية عند استعمال البخاخة فإنَّ إيصالها إلى الجوفِ مقصودٌ متعمَّدٌ.
وإذا كانت "بخاخةُ الرَّبوِ" و"بخاخةُ الأنفِ" من جنسِ المفطراتِ -كما سبق البيان-؛ فللمريض الذي لا يستغني عن استعمالها في أثناء النهار رخصة الإفطار، بل إذا كان الصوم يضُرّ بصحته -بقول الأطباء المتخصصين- فإنَّ الفطر واجبٌ عليه شرعًا حفاظًا على صحته؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رواه البخاري، وقول الله تعالى في خصوص الصوم: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].
فإن كان مرضُه هذا طارئًا فعليه أن يقضيَ ما أفطرَهُ عندما يسترد صحَّتَه، أما إن كان مستمرًّا؛ كالأمراض المزمنة وتلك المتعلقة بالشيخوخة ونحوها، فليس عليه قضاءٌ ما دام العذرُ باقيًا، وإنما عليه فديَة إطعام مسكين عن كُلّ يوم يفطر فيه؛ وذلك حسب استطاعته المالية، ويمكن دفع القيمة، وإن كان المسلم فقيرًا حال وجوب الفدية عليه أو يكفيه دخله بالكاد في النفقة على نفسه وعلى مَن يعولهم فلا شيء عليه؛ لأنَّه لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ويستغفر الله تعالى، فإن أيسرَ بعد ذلك فلا شيء عليه أيضًا؛ لأنه وقت خطابه بفدية الصوم لم يكن قادرًا عليها، وعليه أن يستغفر الله تعالى، وهذا ظاهر مذهب الحنفية؛ قال العلامة ابن عابدين في "الدر المختار" (2/ 427): [(وللشيخ الفاني العاجزِ عن الصومِ الفطرُ، ويفدي) وجوبًا... لو موسرًا، وإلَّا فيستغفر الله] اهـ.
وهو قولٌ عند الشافعية رجَّحه الإمام النووي؛ فقال في "المجموع" (6/ 259، ط. دار الفكر): [فَرْعٌ: إذا أوجبنا الفدية علي الشيخ والمريض المأيوس مِنْ بُرْئِهِ وَكَانَ مُعْسِرًا؛ هَلْ يَلْزَمُهُ إذَا أَيْسَرَ، أَمْ يَسْقُطُ عَنْهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ: ... وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهَا تَسْقُطُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا أَيْسَرَ؛ كَالْفطْرَةِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ حَالَ التَّكْلِيفِ بِالْفِدْيَةِ وَلَيْسَتْ فِي مُقَابَلَةِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهَا] اهـ.
واختاره الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 89، 3/ 151 ط. مكتبة القاهرة) فقال: [فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْإِطْعَامِ أَيْضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ... والِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ] اهـ.
وبناءً على ذلك: فإن استعمال كلٍّ من بخاخة الرَّبو أو بخاخة الأنف يفسد الصوم، وللمريض الذي لا يستغني عنها في أثناء الصوم أن يفطر، بل يجب عليه الفطر إن كان الصوم يضرُّ به، ويقضي بعد ذلك إن كان مرضُه مما يُرجى برؤه، وإلا فعليه الفدية، فإن كان فقيرًا حال وجوب الفدية عليه فلا شيء عليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

تعليقات القراء