منتدى شرم الشيخ.. يبهر العالم "فرص ذهبية" وتبادل ثقافي

 

تشهد شرم الشيخ، على ساحل البحر الأحمر، وطوال الفترة من 14 إلى 17 ديسمبر الجاري، أعمال منتدى شباب العالم في نسخته الثالثة، برعاية وحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

عدة أسئلة جوهرية تتبادر إلى الذهن بشأن هذا المنتدى، الذي بات مناسبة عالمية للحوار مع الآخر، أي أنه أضحى فرصة ذهبية لشباب العالم للتلاقي من أجل الحوار لا الشجار والتعارف لا التناحر والاتفاق عوضا عن الافتراق.

وهذا يعني أن هناك فكرا يجمع ولا يفرق، يقف وراء الدعوة لهذا المنتدى، الذي يشارك فيه شباب من كافة أرجاء العالم. فكر يواجه ويجابه دعوات الصراع الحضاري التي تحدث بها بعضهم قبل 3 عقود.

وها هي البشرية تحصد السراب عوضا عن القمح، من خلال صعود القوميات، وتنامي الأصوليات، وارتفاع حدة التعصب القومي، مما قادنا إلى زمن الهويات القاتلة.

لماذا مصر؟

ويشكل المنتدى محاولة عالمية محمودة، تسعى لأن تقي العالم من فخ "غرق الحضارات في بحر الكراهية".

وينطلق منتدى شباب العالم كمنصة فعالة لتحريك الحياة العقلية والإنسانية، وقد كانت مصر منذ فجر التاريخ ملتقى للثقافات والحضارات، الأديان والمذاهب. ومن قرأ صفحات المؤرخ اليوناني الكبير هيرودت، يدرك كيف أن مصر هي الحاضنة الأولى لفكر اليونان القديم، ومنها انطلقت دعوات التنوير والاستفاقة في طريق الحضارة.

وقبل بضعة أعوام، أسس منتدى شرم الشيخ مجموعة من الشباب المصري الواعد، الذي يؤمن بأن رسالة السلام هي التي يجب أن تنشر، وراية السلام هي التي يتوجب أن تبقى خفاقة في الأفق.

وفي ظلها يجتمع شمل شباب من جميع أنحاء العالم، في محفل دولي يثري كل منهم الآخر، ويعبر الجميع عن رؤاهم وتطلعاتهم بشأن العديد من القضايا والتحديات التي تواجه العالم المعاصر على جميع الأصعدة، والخروج بتوصيات راغبة وقادرة في تحرير وتحريك العالم من حالة الأسر والضيق الأيديولوجي، إلى رحابة المعرفة.

الحوار والجوار

ماذا عن أهم القضايا التي ستطرح للنقاش في ندوات وفعاليات المنتدى هذا العام؟

يمكن القول إن جلسات منتدى شرم الشيخ خلال هذا العام تأتي على درجة غير مسبوقة من الذكاء في الطرح، والاستشراف في الرؤية.

والبداية مع البعد الإنساني والمكاني، إذ يركز المنتدى في واحدة من جلساته الرئيسة على مسألة الحوار والجوار في منطقة البحر المتوسط، حيث نشأت حضارات إنسانية عريقة تعارفت وتشاركت تاريخا مشتركا بكل أبعاده الإنسانية.

وتهدف هذه الجلسة تحديدا إلى تفعيل النقاش ما بين الماضي والحاضر، وكيف أن حوض البحر المتوسط قد ربط بين شعوب المنطقة وأنتج تراثا مشتركا، وصولا إلى اليوم، الذي يتطلب تضامنا وتضافرا من أجل حماية الإرث الثقافي والآثار كرمز للحضارة والهوية الفريدة لكل دولة، وإثراء مختلفا أشكال التعاون والتكامل الثقافي، من أجل إنشاء مساحة كافية للحوار بين شعوب المتوسط ومساحة أكبر لتلاقي الحضارات.

البيئة والاستدامة

من بين أهم القضايا التي ستناقش عبر الجلسات، تأتي قضية التهديد البيئي الذي تمر بها الكرة الأرضية، الكفيل بنزع سلام العالم واطمئنان الأمم والشعوب، لا سيما أن غضب الطبيعة قادر على سحق الجنس البشري من على الكرة الأرضية.

وتسلط نقاشات هذه الجلسة الضوء على التداعيات السلبية لتدهور المناخ العالمي، مثل ظاهرة اللاجئين وأثر ارتفاع منسوب البحار والمحيطات على التنوع الحيوي، وما يمكن أن يجتاح الأراضي الزراعية من حالة التصحر، وبالتالي التأثير الخطير على الأمن الغذائي الإنساني.

وتلعب مصر اليوم دورا كبيرا في إيقاظ الوعي في القارة الأفريقية، وهو وعي يذهب في طريقين: الأول هو إيقاظ الأفارقة أنفسهم على واقعهم، والثاني لفت انتباه العالم إلى القارة السمراء، التي لم تأخذ حقها بعد من التنمية بأبعادها الإنسانية والمكانية.

ويفتح منتدى شرم الشيخ أبوابه واسعة للحديث عن التنمية المستدامة في أفريقيا، بما في ذلك من فرص وتحديات، والنقاش ممتد حول تنفيذ مشروعات تكاملية بالقارة، واستعراض دور الشباب الأفريقي، وسبل تمكينه لتحقيق التنمية المستدامة في القارة.
 

مخاوف وهواجس

من أوربا وأميركا، من آسيا وعموم الدول العربية، كان مطار شرم الشيخ يستقبل شباب العالم، الذين جاءوا محملين بمخاوف وهواجس لا يمكن إنكارها، تتعلق بحالة الأمن والسلم الدوليين، وفي فترة عدم اتزان عالمي، أسوأ ما تكون من أيام الحرب الباردة بين حلفي وارسو والناتو.

وفي هذا السياق يبقى من الطبيعي أن توضع على مائدة الحوار قضايا الأمن والسلم الدوليين، لا سيما أن العديد من التحديات تطفو على السطح، مثل الإرهاب والحروب غير النظامية، وما يمكن أن تقوم به المنظمات الدولية والإقليمية في صيانة الأمن والسلم الدوليين والعمل على عدم نشوب الحروب ودعم جهود نزع السلاح النووي.

وحين يستقبل المنتدى الشباب، فلا بد أن تتمحور أحاديث الحضور حول قضايا العصر، ومنها على سبيل المثال العلاقة الجدلية بين الإنسان وبين مخرجات ما يعرف اليوم باسم الذكاء الاصطناعي، ومن الذي يتحكم في الآخر.

وهذه قضية شديدة الأهمية والخطورة في نفس الوقت بالنسبة للأجيال القادمة، إذ تكاد الآلة أن تقصي الإنسان بعيدا، وبنوع خاص، فإنه كلما ازداد ذكاء الآلة تقلصت فرص الإنسان في القيام بأعمال جيرت له عبر تاريخه البشري، مما دعا إلى مخاوف من أن تنقلب أفلام الخيال العلمي إلى حقائق، وتأتي ساعة يتحكم فيها الروبوت بالبشر.

الروبوت صوفيا

وعلى ذكر الروبوت، فقد وجه المنتدى دعوة للروبوت صوفيا للمشاركة، وقد أعلنت بالفعل حضورها، ووجهت كلمة للمنتدى من خلال مقطع فيديو ظهرت فيه قائلة: "انتظروا مشاركتي في منتدى شباب العالم في شرم الشيخ بسيناء الجميلة والمشمسة. أنا متحمسة للغاية لمقابلتكم جميعا".

وتعد صوفيا روبوتا من صناعة شركة "هانسون روبوتيكس" في هونغ كونغ، وصممها مؤسس الشركة، ديفيد هانسون، وهي الروبوت الأكثر تطورا، علاوة على هيئتها التي تشبه هيئة الإنسان إلى حد كبير، بالإضافة إلى ما تتمتع به من قدرات تكنولوجية، تجمع بين الابتكارات

الإنسان.. محور القضايا

ولا يغيب البعد الإنساني عن حوارات منتدى شرم الشيخ، فهناك ما يتجاوز أعمال السياسة والاقتصاد والأمن والبيئة، وهناك العنصر الأهم في كل ذلك: الإنسان الذي هو القضية وهو الحل، بكل أحواله وفي كافة شؤونه وشجونه.

في هذا الإطار تشارك الأميركية ليزي فيلاسكيز، التي ولدت بحالة مرضية نادرة جدا، حيث يوجد 3 أشخاص في العالم فقط يعانون منها، وكانت بداية أعمالها عام 2010 عندما نشرت كتابها الثاني المعنون "كن جميلا.. كن أنت"، الذي يهدف إلى تعليم الناس أن المظهر الخارجي لشخص ليس مهما على الإطلاق.

وتشارك ليزلي في نقاشات حول موضوعات المرأة وحقها في التنمية، وقد أعربت من خلال فيديو نشرته على صفحة منتدى شباب العالم، عن حماسها الشديد للمشاركة في هذا الحدث الذي وصفته بـ"الرائع".

الفنون.. إحياء للإنسانية

لا يخلو المنتدى من مساحة واسعة للفنون، وقد كشفت إدارة المنتدى عن شعار مسرح المنتدى هذا العام، الذي سيحمل اسم "الفنون.. إحياء للإنسانية".

ويعد مسرح شباب العالم المقام ضمن فعاليات المنتدى نقطة التقاء أسسها الشباب من أجل الشباب، ليجمع الفنانين الواعدين من جميع أنحاء العالم لتقديم مواهبهم والتعبير عن ثقافاتهم عبر مجموعة متنوعة من الأنشطة الثقافية والفنية.

على أرض شرم الشيخ يحدث اللقاء بين الماضي بحكمته من خلال كبار صانعي القرار، ومنتجي الأفكار حول العالم، من علماء ومفكرين ومسؤولين سياسيين وإعلاميين وكتاب وكافة حملة مشاعل التنوير، وبين الحاضر المتطلع للمستقبل متمثلا في شباب واعد يحدوه الأمل في غد أفضل.

تعليقات القراء