سلمان_ترامب.. هل تنتصر القيم أم تتضارب المصالح

كتبت: شرين طه

ما مصير شهر العسل بين الدولتين.. !

عقب زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للملكة العربية السعودية كأول دولة له في جولة خارجية بعد انتخابه وهو الأمر الذي اعتبرته الأوساط السياسية الغربية والإقليمية رسالة للسعودية بأنها شريك هام واستراتيجي لواشنطن خلال المرحلة المقبلة،  ولكن لم يتخيل أحد أنه وخلال 18شهر فقط سينقلب ذلك الأمر إلى النقيض تمامًا.

ظهرت مؤشرات تحذيرية على أن بن سلمان ليس الإصلاحي الليبرالي الذي كان يظنه الغرب، وذلك حين احتجز العشرات من الأمراء وكبار رجال الأعمال في فندق فاخر العام الماضي، لاتهامهم بالفساد، كما احتجز سعد الحريري، رئيس وزراء لبنان، لفترة وجيزة وسط مزاعم بإجباره على الاستقالة؛ كما أمر باعتقال كل من يجرؤ على معارضة أجندة الإصلاح التي أعلنها، حتى لو كان هذا عبر تغريدة بموقع تويتر.

غير أن الاختفاء المريب للصحفي السعودي جمال خاشقجي، أبرز منتقدي بن سلمان، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول يوم 2 أكتوبر هو ما دفع حتى حليفه البارز ترامب إلى الحديث عن "عقاب شديد" إذا ثبت تورط الحكومة السعودية. وجاء رد فعل السعودية يوم الأحد الماضي بالتأكيد على أنها قادرة على الرد، مذكرة العالم بدورها الحاسم في سوق النفط..

اصطف كثير من السعوديين وراء قيادتهم، وذلك وسط تشجيع من وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة. وهناك حتى شائعات أن ما حدث في إسنطبول كان مؤامرة من قطر وتركيا لتشويه سمعة المملكة السعودية؛ لكن بصورة سرية، بدأ آخرون يتسائلون عما إذا كان بن سلمان، 33 سنة، تمادى في ما يفعل، وهو الرجل الذي كان ينظر له ذات يوم على أنه المنقذ صاحب الرؤية.

Image icon 760.jpg

ومن جانب أخر، التصريحات الرسمية والغير رسمية الصادرة من واشنطن .. تؤكد انتهاء شهر العسل مابين الدولتين حيث كان رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، بوب كوركر قد علق على تقييم وكالة الاستخبارات الأمريكية بالقول، بأن بن سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي وعلى ترامب التحرك قبل إعدام المنفذين، وأضاف: "كل شيء يشير إلى أن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان هو من أمر بقتل جمال خاشقجي".

من جانبه دعا السيناتور الأمريكي "ريتشارد بلومنثال" أيضا، إلى إزاحة محمد بن سلمان ومعاقبته، وقال في تغريدة له على "تويتر": "يجب أن تكون هناك عواقب وعقوبات لقتل خاشقجي، ويجب محاكمة بن سلمان وإزاحته بشكل نهائي، بدلاً من الاستمرار في التستر بتمكين من ترامب".، مشددا على ضرورة أن يقبل الرئيس الأمريكي بما توصلت إليه وكالة الاستخبارات الأمريكية.

من جانبها قالت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، في افتتاحيتها للأحد 18 نوفمبر، إن الرئيس الأمريكي "يدافع عن أكاذيب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان"، رغم تقييم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب يعتزم دعم بن سلمان رغم تقييم الوكالة بشأن من قتل خاشقجي، وذلك "لأنه لا يريد أن يقول إن إدارته أخطأت في تقديرها بشأن بن سلمان"..

وفي ظل هذا الاستقطاب الواضح، بين موقف الرئيس ومواقف عدة مؤسسات أمريكية فيما يتعلق بالقضية، يطرح المراقبون تساؤلات بشأن مدى امكانية استمرار ترامب، في نهجه المدافع عن ولي العهد السعودي، وفي الوقت الذي يقدر فيه هؤلاء المراقبون كم الضغوط التي تمارس على الرئيس، من قبل المؤسسات الأمريكية في هذه القضية، فإنهم يرون أيضا أن ترامب، يعول كثيرا على ولي العهد السعودي في تمرير ما بات يعرف بصفقة القرن، لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأنه لن يتخلى عن بن سلمان بسهولة، وسيظل يدافع عنه حتى اللحظة الأخيرة.


فيما بات جليا أن الرئيس الأميركي حريص على فتح ثغرات في جدار الحصار والاتهام الذي يحيط بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وحلحلة حبل الإدانات والأدلة التي تضيق حول عنق الأمير الشاب الذي صرح ذات مرة أن لا شيء سيحول بينه وبين الملك غير الموت، ثم جاء موت خاشقجي المثير ليضع أسئلة كبيرة حول مستقبل الأمير الطامح لخلافة والده.

تصريحات ترامب المتسارعة بشأن بن سلمان تسعى كما يرى مراقبون كثر إلى محاولة إنقاذ الرجل وقطع الطريق أمام اتهامه، وعلى الضفة الأخرى يعمل الأمير وفق ما يتهمه به مشرعون أميركيون إلى إلباس التهمة لعناصر محددة وإرسالهم إلى مقصلة الإعدام من أجل "إعدام الأدلة" وتغييب الشهود.

وكان عدة كتاب وأعضاء أمريكيين بالكونجرس قد دعوا العائلة المالكة في السعودية إلى أخذ زمام المبادرة بعزل ولي العهد السعودي وإحلاله بشخصية تحظى بتوافق أكبر داخل العائلة وكذلك بقبول دولي.


فيما توقّعت الصحفيّة الأمريكية البارزة، كارين هاوس، عزل ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، لابنه ولي العهد محمد؛ للخروج من الأزمة التي تسبّب بها للمملكة بعد اتّهامه بقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصليّتها في إسطنبول التركية.

وقالت هاوس، وهي مؤلّفة كتاب "السعودية شعبها ماضيها دينها ومستقبلها"، في مقال لها بصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، الأربعاء: إن "عدم إبعاد بن سلمان سيفجّر صراعاً عنيفاً داخل الأسرة الحاكمة بالسعودية، ويؤدّي إلى دخول المملكة فيما يعرف بعنف الأمراء".

ورأت هاوس أن "الصراع لو حدث فلن يتوقّف على الأسرة الحاكمة، بل سيمتدّ إلى الأصوليين الدينيين، الذين يسعون لإلغاء ما فعله بن سلمان في بداية صعوده للحكم".

وأقرّت السعودية رسمياً، فجر السبت الماضي، بمقتل خاشقجي داخل قنصليتها في إسطنبول، بعد 18 يوماً من إعلانها عدم صلتها بالقضية، وقد تعرّضت خلالها المملكة لانتقادات وضغوط أمريكية وأوروبية للكشف عن حقيقة ما جرى.

وترك اغتيال خاشقجي موجة من الغضب الكبير بين العالم، خاصةً من حليفة السعودية؛ الولايات المتحدة، التي بدأت بتطبيق عقوبات ضد السعودية، وسط تهديدات بالمزيد في حال أُثبت تورّط بن سلمان بعملية القتل.

ووضعت الكاتب الأمريكية سيناريو ينتظر الحكم في السعودية؛ وهو قيام الملك باختيار أحد أفراد الأسرة ليكون بديلاً من نجله محمد، والاسم البديل هو الأمير سلطان، رائد الفضاء السابق، أو خالد الفيصل (78 عاماً) ابن أخي الملك، وهو الأقرب؛ لأنه يحظى بتقدير واسع من العائلة المالكة.

وتوضّح أنه في حال نُصّب الفيصل ولياً للعهد فسيعمل على تغيير كبير وجذري في سياسة بن سلمان، لكونه يسير على ذات النهج الذي سار عليه ملوك السعودية السابقون.

وتسرد هاوس "مغامرات" بن سلمان بعد توليه للسلطة؛، بدءاً من احتجازه لرئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، وإجباره على تقديم استقالته عبر شاشة التلفزيون السعودي، وهدم مجلس التعاون الخليجي، بعد إعلان حصار قطر، وأخيراً قتل خاشقجي، وتقديمه لمعاونيه كـ"أكباش فداء" للقضية.

وتساءلت الكاتبة الأمريكية عن إمكانية احتفاظ ولي العهد بسلطته المطلقة في السعودية بعد مقتل خاشقجي، وعن مصير العلاقات الأمريكية السعودية وأثرها في أمن الخليج، وهل تبقى سياسة النفط العالمية وضخّ كميات كبيرة من المال السعودي في الخزانة الأمريكية كما هي عليه الآن؟

كما طرحت إمكانية احتفاظ الملك سلمان بابنه ولياً للعهد، بالتزامن مع احتفاظه بالعلاقات مع الولايات المتحدة، الحليف الأقرب، في ظلّ الضغوط عليه بشأن قضية خاشقجي

وتقول هاوس: إن "الاتهام الأخير الذي ظهر في قضية خاشقجي؛ المتمثّل بوجود شبيه له جُلِب من الرياض وخرج من الباب الخلفي للقنصلية، يثير المزيد من التساؤلات حول الدور الذي أدّاه بن سلمان في العملية".

وتشير إلى أن بن سلمان نفى وجود خاشقجي بالقنصلية، مؤكّداً خروجه بعد نحو 20 دقيقة، وكان ذلك بعد يومين أو ثلاثة من اختفائه، فهل يكون الفريق الذي اغتال خاشقجي أخفى عنه القصة؟ علماً أن الفريق عاد إلى الرياض بعد 24 ساعة من تنفيذه عملية اغتيال خاشقجي.

وتضيف: "من السخرية بمكان أن يكون ولي العهد السعودي وبسبب نزوة السيطرة وضع مستقبله بيد اثنين من خصومه؛ الكونغرس الأمريكي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان".

وتلفت الانتباه إلى أن "الكونغرس لم يكن أبداً صديقاً للسعودية، وكثيراً ما سعى لمعاقبتها، غير أن الرئيس دونالد ترامب يمنع ذلك، ولكنه الآن سيتولّى مهمّة تحديد نوع العقوبات التي ستُفرض على المملكة إذا ما أُفرج بشكل كامل عن الحقائق المتعلّقة بمقتل خاشقجي، والتي تثبت أن عملية القتل كانت مدبَّرة ومنسَّقة وتمت بعلم بن سلمان".

لذا فإن الايام المقبلة قد تشهد تغيرات سياسية كبرى في علاقة الدولتين.

تعليقات القراء