«باقية وتتمدد».. لماذا يتحقق شعار داعش على الأرض؟

نقلا عن : مبتدا

 
كتب: محمد السباعى
ثانى أكبر مدينة عراقية وجوهرة الصحراء السورية فى قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، فى 73 ساعة فقط وقع الأمران..  سقطت الرمادى فى العراق، ثم تدمر فى سوريا.
 
 
وكانت كل الأنباء الواردة من بغداد تؤكد أن الرمادى فى مأمن وأن الجنود النظاميين بها، الذين يتجاوز تعدادهم الـ70ألف جندى، قادرون على الدفاع عنها، ولكن تلك القوات أخلت المدينة من المدنيين أولا ثم انسحبت منها ثانيا بعد ظهر السابع عشر من مايو الجارى، وفى العشرين من نفس الشهر جاء الدور على تدمر، تلك المدينة أو الواحة بمعنى أدق، الواقعة فى قلب الصحراء بوسط سوريا، والتى تضم مجموعة من الآثار "الجريكو- رومانية" الأهم من الناحية التاريخية والأكبر من الناحية العددية، بالشرق الأوسط.
 
 
 
 
 
فيكتوريا فونتان أستاذة العلوم السياسية فى الجامعة الأمريكية فى مدينة دهوك بإقليم كردستان العراق، ترى، فى حوار مع صحيفة لوجورنال دى ديمانش الفرنسية الأسبوعية، أن انتصار داعش فى الرمادى إستراتيجيا من الطراز الأول نظرا لأنها عاصمة إقليم الأنبار ذى القاعدة العسكرية الأهم فى العراق، كما أن ذلك سيسهل للتنظيم الاستيلاء على سد حديثة القريب من المدينة، وهو ثانى أكبر وأهم سد ومولد للطاقة فى البلاد، وتضيف فونتان أن استيلاء داعش على الرمادى فى العراق وتدمر فى سوريا، فضلا عن أنه سيسهل له السيطرة على مدينة جسر الشغور فى سوريا فهو ينهى وجود اتفاقية ترسيم الحدود المعروفة باسم سايكس-بيكو التى أقرتها إنجلترا وفرنسا "بمباركة روسيا" عام 1917 لتوزيع النفوذ الاستعمارى فى الشرق الأوسط، وتتابع فونتان:" الجيش الرسمى العراقى ذات الغالبية الشيعية يحتضر، والولايات المتحدة حائرة تائهة أو ربما تريد الوضع هكذا إلى مالا نهاية فهى لا ترغب فى هزيمة داعش بشكل كامل خوفا من فراغ استراتيجى لن يملؤه إلا إيران".
 
 
 
 
وعن كيفية تحقيق داعش لانتصارات عسكرية على ميلشيات الحشد الشعبى الشيعية المساندة للجيش العراقى المدعوم من طهران، رغم قلة أعداد المقاتلين فى التنظيم مقارنة بالجهة الأخرى، تقول فونتان " لا أحد لديه الرغبة فى الموت مثل مقاتلى داعش، ولم تستطع ميلشيا الحشد الشعبى طرد داعش من تكريت إلا بمساندة هائلة من سلاح الجو الأمريكى، وهو ما لم يحدث فى الرمادى حيث كان اليوم الذى انقض فيه داعش على المدينة مصحوبا بعواصف ترابية أجبرت الطائرات الأمريكية على البقاء فى قواعدها"، وهو ما يراه مقاتلو التنظيم تجسيدا فعليا لشعارهم "باقية وتتمدد" ووعودا إلهية تتحقق على الأرض.
 
استيلاء ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية على الرمادى تم النظر إليه، من قبل الصحف الأمريكية، باعتباره فشلاً تتحمله إدارة الرئيس أوباما قبل أن يكون إخفاقا من قبل الحكومة العراقية، حيث من المعروف حجم الشراكة والتعاون بين الإدارة الأمريكية وحكومة رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى، وتمدد داعش على هذا النحو هو نتيجة استراتيجية أعلنها أوباما فى سبتمبر 2014، وتتلخص فى ضربات جوية محدودة على معاقل التنظيم فى العراق وسوريا، وهو ما لم يؤد لأى نتيجة حتى الآن، ورغم ذلك سارع أوباما عشية سقوط الرمادى لتبرأة نفسه بل والتخلى عن حلفائه فى بغداد بالقول، فى حوار مع مجلة "ذى أتلانتيك:" " إذا كان العراقيون لا يريدون القتال دفاعا عن بلدهم فلن نستطيع فعل ذلك بدلا منهم".
 
 
 
 
تلك الإستراتيجية ذات التدخل المحدود والرافضة لنشر قوات برية إلا فى حال تعرض المصالح الحيوية الأمريكية للخطر، أو حينما يكون هناك غطاء جوى أمريكى توفره قوات جوية خاصة، أصبحت محل انتقادات كثيرة ليس فقط فى أوساط الحزب الجمهورى المعارض ولكن أيضا فى الحزب الديموقراطى الذى ينتمى له الرئيس أوباما.
 
على الجبهة السورية كذلك لا يوجد أى تقدم يُحسب للإدارة الأمريكية، فبعدما تراجع أوباما عن خيار التدخل العسكرى الصريح ضد نظام بشار الأسد، ثم إعلانه اللجوء لغارات جوية من حين لأخر على تنظيم داعش، لم يتوقف ذلك الأخير عن كسب الأرض وإحكام السيطرة على المدن السورية الواحدة تلو الأخرى.
 
أوباما فى حواره مع المجلة الأمريكية بدا غير مهتم بما يحدث فى سوريا والعراق، وأكد أنه ينسق مع روسيا بخصوص برنامج إيران النووى، حيث من المنتظر التوصل لاتفاق نهائى مع طهران نهاية الشهر الجارى بعد توقيع اتفاق إطارى بمدينة لوزان السويسرية أواخر مارس الماضى.. الرئيس الأمريكى قال نصاً "توقيع اتفاق نهائى مع إيران يشتمل على مصلحة شخصية بالنسبة لى"، ولكنه لم يوضح طبيعة تلك المصلحة.
 
 
 
 
مسؤولون فى إدارة أوباما حاولوا التقليل من استيلاء داعش على الرمادى بالقول "أوضحنا منذ البداية أن القتال سيكون طويلا وسيشتمل على جولات كر وفر.. والاستيلاء على الرمادى ليس نهاية العالم"، بحسب جون إيرانست المتحدث الرسمى باسم البيت الأبيض، وهو ما ردت عليه صحيفة نيويورك تايمز بنشر تصريح مماثل منذ عام بنفس الكلمات مع اختلاف وحيد وهو أن داعش استولى على الموصل وليس الرمادى.
 
وتقدم داعش على هذا النحو فى سوريا تحديدا يعزوه البعض إلى تضارب وجهات النظر بين أعضاء التحالف الدولى الذى أنشأته الولايات المتحدة فى خريف 2014، حيث كان الهدف من تكوين التحالف هو حرمان مقاتلى التنظيم من نقل البترول المنهوب من آبار مدينتى الرقة والحسكة وذلك على أقل تقدير.. أما تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان ومعها المملكة العربية السعودية تصران على إسقاط الأسد إلى غير رجعة، بينما تبدو واشنطن مترددة حيال هذا الأمر فهى تريد إسقاط الأسد أيضا ولكنها تخشى من أن يكون البديل نظام يهدد أمن حليفتها إسرائيل، ومن أن يكون الرابح فى نهاية الأمر تنظيمات أخرى، كجبهة النصرة، يعتبرها البيت الأبيض إرهابية.
 
 
 
 
تحقيق المعارضة المسلحة فى سوريا لانتصارات كبيرة فى الفترة الأخيرة لم يكن مقصورا على ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية فقط، ولكن فصائل أخرى تحت قيادة مشتركة من جبهة النصرة والجبهة الشامية وتحت لواءهما عدة فصائل من بينها الجيش الحر نفسه، استطاعت إحكام سيطرتها على مدن هامة مثل حلب وجسر الشغور، وفى تصريحات خاصة لموقع "مبتدا" من مدينة حلب السورية يقول الناشط مروان فرزات، المحسوب على الجبهة الشامية، "إن السر فى تفوق فصائل الثورة السورية على قوات النظام هو دعم سعودى-تركى كبير، وتوحيد الإرادة ونبذ الخلافات، حيث استطاعت جبهتا النصرة والشامية توحيد كل العناصر المناوئة للأسد بما فى ذلك الجيش الحر.. نعم كل العناصر باستثناء داعش فهذا التنظيم المجرم ليس سوى حفنة من المجرمين وقطاع الطرق ولا يمكن السير معهم تحت راية واحدة"، ويشير مروان إلى ما لا تذكره وسائل الإعلام وهو أن هناك جبهة قتال مفتوحة مع داعش من جهة و"النصرة والشامية" من جهة أخرى وذلك في ريف حلب الشمالى، وبالنسبة لسير المعارك في الفترة المقبلة فهو يعتقد أن إسقاط نظام الأسد بات مسألة وقت، فهذا الأخير لم يعد يسيطر سوى على أقل من ربع مساحة سوريا وجيشه أصبح منهكاً وفي حالة معنوية متدنية للغاية بعد قرابة الخمس سنوات من قتال فى المدن، علماً بأن إيران بأموالها وحرسها الثورى إضافة لحزب الله لم يتوقفا لحظة واحدة عن تقديم دعم لا محدود للنظام العلوى الحاكم فى دمشق.
 
مراون يرى أن استيلاء داعش على تدمر نصرا إستراتيجيا ضخما بكل ما تحويه الكلمة من معنى، فالمدينة تقع فى وسط سوريا تماما وتفتح له الطريق للاستيلاء على مدن حماة، وحمص التى تضم مخازن ضخمة للأسلحة والذخيرة، والسالمية ذات الأغلبية الإسماعيلية، وهو ما يعنى أن تنظيم البغدادى فى الطريق للحصول على كنز هائل، ولارتكاب مجزرة أخرى بحق أبناء الطائفة الإسماعيلية.


تعليقات القراء