د. محمد صلاح البدري يكتب: إنهم يحرقون الكتب!!

 
 
لم يكن ذلك المهندس الشاب يعلم..أن ذلك الكتيب الصغير الذي قام بجمع صفحاته في مسجد صغير بإمبابة.. سيكون الركيزة الأساسية لمعظم تنظيمات الجهاد المسلح التي عصفت بمصر خلال الثلاثون عاما الماضية.. وأنه سيكون الدليل الدامغ عليه شخصيا في القضية الأشهر التي تم اتهامه فيها - مقتل السادات- والتي حكم عليه فيها بالإعدام!!
 
كان تيار الجهاد في مصر قبل كتاب محمد عبد السلام فرج " الفريضة الغائبة" ذو الأربعون صفحة..يعتمد في تأصيل أفكاره على الكلام الشفهي الذي يتناقله أعضاء الجهاد بعضهم من بعض مع الاستعانة بأجزاء من كتب ابن تيمية و سيد قطب ..إلا أن المهندس الذي قرر أن يهب عمره لأفكاره التي أمن بها قد استطاع أن يضع الدستور الذي سيسير عليه كل الأجيال التي لحقته في التنظيمات الجهادية المسلحة في مصر..
 
لقد تم  إعدام صاحب الكتاب.. إلا أن الكتاب نفسه قد عاش حتي يومنا هذا.. و يتناقله أعضاء التنظيمات فيما بينهم .. دون أن يحاول أحد تفنيد أفكاره.. أو حتي مناقشتها!!
ربما كانت تلك هي آفتنا الكبرى.. فقد اهتمت السلطات بمنع تداول ذلك الكتيب.. بل و حرصت على إعدام صاحب الفكر نفسه.. دون أن تفكر في إعدام الفكرة نفسها.. فمات المؤلف.. و بقى الكتاب!
 
لقد تبادر إلى ذهني ذلك الكتاب الصغير و ما كان قد تركه من تأثير ندفع جميعا ثمنه حتى الآن.. عندما سمعت ذلك الخبر الذي يعد انتكاسة حضارية غير مسبوقة في مصر.. تعود بنا إلى عصر التتار ..ولربما ماهو أسوأ من ذلك..
 
ففي عصر السماوات المفتوحة و الإنترنت الذي بلا حدود.. تلجأ وزارة التربية والتعليم إلى" حرق" بعض الكتب بفناء إحدى المدارس بحجة أن أفكارها تدعو للتطرف والإرهاب.. وأن مؤلفيها مطلوبون على ذمة قضايا!!
 
المشكلة أن فكرة الحرق نفسها هي فكرة سادية قذرة.. لا أدري من هو العبقري الذي اقترحها..فضلا عن أنها قد تمت في مدرسة !! بل وقام بها معلمون يعلمون جيدا قيمة الكتاب..  فالحدث بأكمله مثير للدهشة والاستنكار..كما أنني لا أدري ماذا كان يريد من قرر هذا القرار..فهل شفي غليله من مؤلفها مثلا؟ ..حتي بافتراض أنه قد قرر منع تداول تلك الكتب في مدرسة لخطورة أفكارها - وهو أمر غير مقبول أيضا- فهل حرق الكتب بتلك الصورة قد أضاف شيئا إلى قراره سوى أنه أساء لنظام كامل؟
والواقع أنه لم يؤلمني خبر ربما منذ تولي مرسي رئاسة مصر بقدر ما ألمني هذا الخبر.. فحرق الكتب لم يحدث منذ عصور التفتيش في القرون الوسطي.. كما أن حرقها هذه الأيام لن يؤدي إلى اختفاء ما بها من أفكار.. بل أنه قد يبعث الفضول في نفوس الكثيرين للاطلاع علي هذه الأفكار.. و ربما الإيمان بها في وقت لاحق!
 
لقد ارتكبت وزارة التربية والتعليم جريمة تاريخية.. فالكتب وإن حوت كفرا لا تحرق.. وإنما يتم مناقشتها وتفنيدها.. والرد علي مابها من أفكار مغلوطة .. والذين يحرقون الكتب التي يرفضون أفكارها لا يقتلون الأفكار..وإنما ينتهي بهم الأمر أن تحرقهم تلك الأفكار وإن كان فاسدة!!
 
ينبغي أن يتم الحساب عن هذه المهزلة سريعا ..فالوزارة المسئولة عن تعليم الأجيال الجديدة لا يفترض أن تعلمهم أن يحرقوا ما يرفضون من أفكار.. بل والوزير المسئول عن نشر العلم.. لا يحرق علما ولو كان فاسدا.. وإلا فنحن لا نسير في الطريق الصحيح بكل تأكيد..والهاوية قد اقتربت!!
 
افيقوا يرحمكم الله!!
 
 
تعليقات القراء