مروان يونس يكتب: البحيري و أزمة الألف عام

بعيدا عن مزايدات كثيرة مترامية و منتشرة بكثافة على جنبات الفضاء الإلكتروني و بعيدا عن هبة الأزهر الغراء لتقديم بلاغ في النائب العام ضد إسلام البحيري متهما إياه أنه يهدم الدين و الأخلاق و الفضيلة و الإنسانية و بعيدا عن مناداة الكثير من مؤيدي إسلام البحيري و من ذلك هدم كل المؤسسات الدينية و كبيرها الأزهر ...
 
رأيت أن أعمل العقل و أخوض في تفسير بعض المواقف المتطرفة و التي رأيتها من الجانبين سواء المؤيد أو العارض للبحيري "قضية الساعة" ...
 
فمن خلال الشتائم و السباب المترامي في جنبات الإنترنت و الاتهامات من الجانبين و التي كانت في أغلبها بمفردات القرون الوسطى سواء من مؤيدي البحيري أو من أعداء البحيري ، كان لدي بعض الملاحظات وددت أن نتحدث فيها سويا بدون تشنجات أو تعصب للرأي و ذلك على الرغم أن أول روشته سياسية يكتب في صدرها "أوعى تتكلم في الدين" و لكن كعادتي آثرت المغامرة و طرح رأيي ...
 
و من هذا المنطلق لنتكلم بصدق عن أسباب حمل المتطرفين من الجانبين لأعلام القتال مع اختلاف شعاراتهم سواء كان اقتلوا البحيري أو اهدموا الأزهر....
 
رافع العلم الأول نوعية من المواطنين ممن تألموا كثيرا من وصول الإخوان للحكم و ربما تالموا أكثر من خلال خطب المنابر و قنوات التليفزيون و التي دأبت على تكفيرهم هم و أهلهم و أهل أهلم متهمين إياهم بالجاهلية الأولى و أنهم أعداء الله و الرسول و خلافه ،
 
هذه المجموعة لم تنسى صمت الأزهر على ذلك أو تلك الإهانة و الذي كان تكفيرهم خلالها معتدا بيه كأحد التفسيرات و الفلسفات الاسلامية الواجب احترامها  ، فصور الأزهر نفسه "أزهرا للجميع" غير متدخل في الرأي سامح بالشطوط و الاجتهاد في التفسير و حتى أن شط الفكر لتبرير القتل و العنف و الإرهاب ، حتى باتوا مهددين كأغلب المصريين في كل شيء سواء في دنياهم و آخرتهم معا ...  
 
فمن إنسانيتنا لا يجب أن ننكر مأساة هذه المجموعة  أو نتعجب من الرواسب النفسية و الجراح الناتجة و التي أدت بكل أسف لرفع رايات "فلنهدم الأزهر" كانتقام لا إرادي من الفقية السابق "مكتب الإرشاد" أو حملة المباخر له من السلفجية ، فهم ينتقمون لأربع سنوات تكفير و تهديد شامل ،  و من ذلك و مع  ظهور إسلام راوه أمير الانتقام  ، فكان إسلام البحيري المخلص و المنتقم  الواجب الاحتشاد حوله سواء على خطأ أو صواب و لكن طالما هاجم الأزهر فـ"إسلام أجدع ناس" بكل أسف ...  
 
اما عن رافعي الأعلام رقم (2) و هم أنصار التراث و هم مجموعة أخرى من الضحايا و لكن ضحايا 30 سنة مضت من الخطاب الديني المتطرف و الذي طال الجميع لم يجدوا إسلاما و لا دعاة له إلا هذه المجموعة و التي وصفت من خلال وهابية الخليج أنهم دعاة الدين الحق و الفئة الناجية ...
 
و نظرا لحاجة أي مجتمع لدين كما قال أفلاطون أو كما قال بوذا أو زراديشت أو كما وصلنا من رسائل آلهية من خلال الكتب السماوية ، كانت هذه المجموعة من المواطنين تحتاج لدين أيضا بل تحتاج لمعلمين للدين ، و نظرا لعدم التوافر الجبري إلا للوهابية بسبب الأموال المستثمرة فيها من الخليج سواء دعويا أو إعلاميا أو خدميا ، اعتقدت تلك المجموعة في نفس المعتقد ، لم تقرأ او تذهب للبحث و التنقيب في فلسفات هذه الوهابية فتفاجئت أنها أمام "إيمانا بشكل كومبو" لا يكتمل إلا بالموافقة على فتوى زواج الأطفال و أن المرأة كالبعير و أن سيدنا على رضي الله عنه و الذي كان اماما للمسلمين بالاجماع براي رفقائه السياسيين أو اعداءه كان من حارقي و معذبي البشر الخ الخ ....
 
فهبت تلك المجموعة ليس على خلفية اقتناع بالنصوص و لا قراءة أو بحث و لكن حفاظا على الاله و الدين و الادبيات التي لم يجدوا غيرها سواء على المناير أو في وسائل الاعلام  هذه الادبيات "التي وجدوا عليها أغلب مجتمعهم" ،
فبحسن نية بدأوا رفع رايات تكفير البحيري ، مدافعين في المجمل عن ما عرفوه من دين لم يروا غيره سواء شمل بعض الأفكار العجيبة  أو لم يشملها ، بل و على مدار السنين ربطت تلك النصوص بالعقيدة و تم تقديس التاريخ و رموزه كردة فعل  ...
 
و لكن للإنصاف كانت الأغلبية و التي انتمي إليها في المنتصف بين هذا الرأي و ذاك ، ما بين رافض عقليا لما أتى به مشايخ 2015 و طريقة الأزهر في المواجهة القانونية و المنع و أيضا رافضا طريقة طرح إسلام البحيري و ألفاظه و مفرداته و وصول اتهاماته للائمة و ليس للتفسير فقط ، فماذا تفعل تلك المجموعة و هي الأهم سواء في بناء الوطن أو في الحفاظ على الدين  ؟؟
 
فرغم أني لم ألق اللوم على أي الفرقتين، و رغم تقديري الشديد لدوافع رفع الأعلام للجانبين  ، نحن "كغالبية" نريد أعمال العقل و في نفس الوقت نريد احترام الدين و المعتقد ، نريد أن تستنير العقول و لكن في نفس الوقت نريد الحفاظ على ما تبقى من دين ، نريد الحياة بلا عنف و قتل و نريد أيضا تطهير ثوب الدين الأبيض من بعض الموروثات التاريخية البعيدة عن أي عقل أو منطق ، نريد أطفالا نربيهم بالدين و لا نريد أن نزوجهم بالدين ...
 
حقا إنها لحظات فارقة ، و بكل صدق و رغم ضآلة "أزمة البحيري" وسط الجو العام المصري المنتفخ من كثرة الأحداث الكبيرة  ، و رغم أن طرح البحيري لهذه الأفكار ياتي للمره المائة عبر التاريخ و لكن سيكون موقف الأزهر فارقا في تاريخه الحديث ،   
 
هل سيصر الأزهر على معاداة ما قاله "أو شت فيه" إسلام البحيري و يرفع رايات الانتقام و خافضا لرايات السماحة و التي رفعت لداعش و القاعدة ومنه تستمر القضية لحين القصاص من البحيري و منه مصادرة هذا الاختلاف للمرة المائة بزعم ضرره للصالح العام للمجتمع المصري و يصر على الانتقام حتى يخسر الأزهر الجميع ؟؟ ...
 
أم سيفرض دعاة الوسطية بالأزهر رأيهم و يبدأوا حوارا حقيقيا لحل أزمة هذه الادبيات و هذه التفسيرات و التي استمرت عبر القرون لتنتج لنا  داعش ، ومنه نبدأ حوارا حقيقيا على خلفية "التنقية" كما أشار الرئيس المستنير و ليس "الطرمخة" كما جرى العرف لألف عام و يكسب الأزهر الجميع ؟؟  ...
 
أم بكل أسف سيكون الرأي كما أتوقعه و كما علمنا التاريخ و هو أن نترك الفتنة نائمة و ندفن رأسنا في التراب و نترك المراجعات الحقيقية للموروث "التاريخي" و الذي تحول لموروث ديني مقدس في غفلة نصف قرن من الزمن رغم أن ديننا يحث على الاجتهاد ...
هذا ما ستجاوب عليه الأيام و لننتظر ....
تعليقات القراء