مروان يونس يكتب: الحوثيون وحق «روقة»

لنتحدث عن الأزمة الأهم و الأبرز الآن ، هذه الأزمة التي هي نتاج لأعوام من الصراع المسلح في دولة اليمن ، هذه الأزمة في ظاهرها حرب دينية أو طائفية سنة شيعية ، و لكن في مضمونها تعبير عن شكل قبلي لمجتمع مسلح و دولة غائبة منذ فترة طويلة ،
 
فمن هم الحوثيون ،  هم مسلحين شيعة زيدية من عدة قبائل في غرب و شمال اليمن ،  اتخذوا اسم الحوثيين نسبة لحسين الحوثي و الذي توفي في معارك سابقة مع النظام اليمني في 2004 هذه المعارك مع السلطة اليمنية و التي كان إجمالي ضحاياها في حدود 20 ألف من الجانبين ،  و من اسم حسن الحوثي استلهموا اسم الحركة ...
 
فالأزمة الحوثية كما بدأت فهي مستمرة على مطالبها ، فهي كانت تطلب جزء من السلطة و لكن مع الوقت تطلب كل السلطة ، و لكن لم يتخذ السعي إلى السلطة باليمن يوما منعطفا سلميا ، فكلنا يعلم ان دولة اليمن الشقيق تمتليء بالسلاح كما تمتليء بالقاط ، فمع وجود السلاح تختلف نوعية العنف و المواجهات ....
 
و نظرا لتسلح جميع فصائل اليمن ، فليس الحوثيين فقط المسلحين و لكن هناك قبائل و عشائر كثيرة مسلحة يضاف عليهم ما تبقى من جيش اليمن الممزق و بالتأكيد القاعدة و التي تجاهر بتواجدها هناك ، و شئنا أم أبينا فهي متواجده على الأرض كجزء من المعادلة السياسية بل لها الآن موقفا داعما  لما تبقى من جيش اليمن على خلفية طائفية عدائية مع الشيعة الزيدية "الحوثيين" ،
 
و لكن هناك جزء آخر و هو حزب التجمع اليمينى للاصلاح و هو التابع بشكل مباشر و رسمي للإخوان المسلمين و هو حزبا ربما يتسلح أفراده و له توازنات سياسية مع المختصمين و  لكن لم يعبر عن نفسه إلا الآن كمجموعة سياسية مسلحة داخل معادلة الصراع  محاولا  لعب دور الناصح و المرشد الأمين ليكون أول الجالسين على طاولة المفاوضات اللاحقة كطرف لم يمارس العنف في أي اتجاه...
 
فتفاقم أزمة الحوثيين و عودتهم للمطالبة بالسلطة أو بعض منها لم يكن مفاجأة لأي باحث ، فقد جاء كنتيجة مباشرة لآثار الربيع العربي و الذي معه انهارت معظم الدول غير المؤسسية و تأثرت السلطة في كثير من الدول مما جعلها مطمع لأي مجموعات منظمة تريد الاستفادة من الوضع الراهن ،
و من ذلك بدأ الحوثيين يدخلون معادلة سياسية إقليمية يريدون من خلالها الاستناد لقوى كبرى تدعم مطامعهم باقتناص السلطة و منه الانتقام لحسين الحوثي الأب الروحي لهذه الحركة القبلية فكانت إيران هي رفيق المعركة و التي دعمتهم لوجستيا و تخطيطا و بالسلاح للوصول إلى ماربهم حتى هذه اللحظة ...
 
فكان أول و أهم الغائبين عن الصراع هو إيران ، هذه الدولة و التي استثمرت كثيرا في الحوثيين نظرا لقربها الطائفي منهم كشيعة على الرغم أن الحوثيين من الشيعة الزيدية و التي ترفض إمامة تسعة من 12 إماما للشيعة الاثنى عشرية أو الجعفرية التابع لها إيران و لكن تلاقت المصالح ، فكان أول اللاعبين خارج المعادلة على الأرض إيران ..
 
 
اللاعب الثاني هو روسيا و هو الداعم لإيران شكليا و الذي في نفس الوقت يعاني حاليا من محاولة تغير إيران لانتمائها و منه التحول التدريجي للوجهة الغربية و أمريكا في مقابل النووي أو الوصول لاتفاق  يسمح لطهران بالاستثمار في تخصيب اليورانيوم مما ربما سيجعلها إيران نووية في يوم من الأيام ...
 
أما عن أمريكا و هي لاعبا غائبا ايضا و هي الراعي للخليج و الحامي له و الذي استثمر الكثير من المواقف الدولية لصالح هذا الجزء من العالم المدر للبترول ،
و لكن رغم كل ذلك و على نهج "حرص ولا تخون" و لضمان استمرار الخليج في التحالف الأمريكي فرضت أمريكا حالة الرعب على المنطقة من خلال دعم غير مباشر على مدار السنوات الماضية لإيران لتحويلها ل"بعبع" يستخدم عند الضرورة لضمان ولاء الخليج ...
 
و كأثر للربيع العربي و في غفلة من الزمن و مع انتقال  سياسي دراماتيكي لعلي عبد الله صالح و دخول الحوثيين في تحالف معه ، تنامت لدى هذا المعسكر نزعات اقتناص السلطة مجددا ، و بما أن القاعدة أصبحت تدعم جيش عبد ربه الهادي منصور فما مانع من أن ينضم علي عبد الله صالح و قبائله للحوثيين و بدأ الصراع المسلح و الذي مع تغير الكراسي أدي لسيطرة سريعة للحوثيين على معظم مقاليد السلطة بل القصر الرئاسي ذاته مستندين في تحركهم و معتمدين كليا و جزئيا على دعم طهران و حلم الأمبراطورية الفارسية و الذي هو جزء منها ....
 
و مع تلك التحركات الحوثية العدائية استشعرت الدول العربية أو كثيرا منها الخطر فإيران أصبحت على أبواب الشمال و الجنوب للمملكة ، فتحركت الجيوش للتحالف لضرب الحوثيين ضربات موجعة و سريعة لتقويضهم تمهيدا لتدخل جيش اليمن بريا لإنهاء المعركة ...
 
فبالنسبة لمعركة التحالف  ، فهي معركة لابد منها فلن يقبل أحد بإيران الاستعمارية و حلم المملكة الفارسية داخل البحر الأحمر أو جنوب السعودية ، فبقاء اليمن ذات هوى سعودي عربي أمرا لا حياد عنه ، كما أن تصفية النفوذ الإيراني لابد أن يحدث الآن و فورا ، فكانت الضربات على الحوثيين سواء سعودية جوا او مصرية بحرا ، بغرض واقعي فرض تفاوض مشروطا على الحوثيين "و لكن بعد الهزيمة" يكون سقف مكاسبة حكما ذاتيا في هدوء لبعض المناطق و لكن تحت مظلة سلطة كبرى تسمى دولة اليمن السنية التابعة تماما للإرادة السياسية للتحالف ...
 
أما بالنسبة لمن هم خارج الطاولة أو من فاتهم المكاسب لأي أسباب مثل "روقة" بفيلم العار فهم إيران ـ أمركيا – روسيا - الإخوان ، فكل منهم له مكسبه و له مآرب أخرى من الصراع ،
 
الأول "إيران" سيترك يد الحوثيين أي بالبلدي "يسلمهم" و الذين هم في نظر طهران أحد كروت الضغط و التفاوض الجائز التنازل عنه و منه تأجيل حلم الهلال الشيعي و معاركة لجولة أخرى و لكن بعد الحصول على أكبر المكاسب المتاحة بالملف النووي و التي مباحثاته جارية في جنيف الآن على قدم و ساق للوصول لحل نهائي حول تخصيب اليورانيوم بطهران  ..
 
أما بالنسبة لروسيا ، فصمت روسيا و عدم تقوية الشوكة الإيرانية أو تحفيزها للدخول في المعادلة الرسمية كحامي لشيعة على مستوى العالم أو مدعية لذلك جاء في مقابل وقف النزيف الاقتصادي لموسكو ، فالآن تم رفع سعر البترول الذي خفضته سابقا السعودية وأمريكا "قرصة ودن" لموسكو لغلق أبواب أي تدخلات مباشرة بالمنطقة ،
و للعلم فالبترول الروسي المصدر لأوروبا تكلفة إنتاجه حوالى 58 دولار و خض السعر لأربعين دولار أدي لتحمل موسكو الفارق لشهور ماضية مما انهك بوتن اقتصاديا وأدى لتحمل روسيا الفارق  ، فمن رفع السعر يتم تحييد روسيا عن إيران وقتيا ووقف الأزمة الاقتصادىة هناك  ...
 
و بالنسبة للولايات المتحدة ، فتوفيرها الغطاء السياسي الدولي ليس بدون مقابل ، فنحن نرى بداية الاتجاه العربي نحو الحل الأمريكي الشامل بالمنطقة و الذي أحد أهم مطالبه سقوط نظام الأسد أولا قبل أي تفاوض سوري،
و من الجانب الأخر مقابل الغطاء السياسي الدولى يتم إضعاف موقف القاهرة و الحل المطروح من مصر و روسيا و مفاده هو التفاوض مع بقاء البعث كلاعب سياسي و لو انتقاليا  قبل إجراء انتخابات حفاظا على وحدة الأرض السورية ، إضافة لذلك فكان حق "روقة" مكاسب اقتصادية و هي مكاسب بيع السلاح المباشر و المشاركة في النفوذ في مفاوضات اليمن و هي القادمة لا محالة بعد ترضية الجميع ...
 
أما بالنسبة للإخوان ، فحق روقة يتمثل في ظهورهم كلاعب شرعي جبري في العديد من الملفات العربية ، كغطاء سياسي للقاعدة أو القوى السنة المسلحة لاحقا في مراحل متقدمة من القتال ، كمفاوض على السلطة باليمن ، راعيا للجيش الحر في سوريا ، و ربما لاحقا أثناء تقسيم العراق في مراحل ما بعد داعش  ...
 
و من هنا ناتي للشأن المصري و هو الذي بات يزداد صعوبة يوما بعد يوم ، فلنتفق أولا أن السعودية شريك استراتيجي و ما جرى لم يكن ممكنا الحياد عنه أو عدم المشاركة فيه ، و لكن لو نظرنا لمصر لابد أن تتعامل بحرفية شديدة و مشرط جراح فيما هو قادم من أحداث ،
 
أولها بالنسبة لسوريا فوحدة أراضيها أمنا قوميا لمصر فتقسيمها أو انهيارها تحت أي مزاعم سينشيء دولة عدوة داخل منطقة الأمن القومي المصري برعاية الإخوان و هم المنتظرين لمكاسبهم أيضا  ،
 
الأمر الثاني عناية شديدة في اتخاذ المواقف السياسية و التعامل مع الولايات المتحدة حتى لا يتم من خلال حرب اليمن الحالية إجهاض بوادر التحالف المصري الروسي الجديد ووقف مصر عن طريق الخروج من العباءة الأمريكية و تحولها لشكل "دولة عدم انحياز" و هذا ما نتمناه
 
ثالثا الحرص كل الحرص في التعامل مع الإخوان و الذين سيدخلوا بمباركة خليجية في مفاوضات الحل في سوريا كراعين للجيش الحر أو في اليمن كحزب يرفض العنف و يدعو للتفاوض و من ذلك ربما سيطالبون بمكان سياسي داخل الأراضي المصرية كإخوان تاركين للعنف أو تحت أي ستار ، فالحرص كل الحرص فدخولهم  و لو اجبارا على مصر سيهدم الثقة بين الشعب و السلطة و هذا أخطر الأمور و أبلغها تدميرا للوطن ...
 
نهاية الأمر جلل و صعب و كلنا ثقة في الله و في قيادة مصر ...
تعليقات القراء