مروان يونس يكتب: اللعنة على البرطمان

قررت أني سأعوم ضد التيار ، وأطرح موضوعا وصلت الغالبية و السواد الأعظم لقرار و نتائج نهائية قاطعة لا لبس فيها حوله، و كان الموضوع البرلمان .. أو البرطمان حسب ما يحب المصريون أن يسموه كاستعارة تنم عن الكره و البغض و الاستهجان ...
 
حقيقة لا أعرف من أين أتى كل هذا الكره لهذه المؤسسة والتي من المفترض أن تمثل الشعب حسب ما عرفناه عنها أو كتب التاريخ أو ظهر لنا في علوم السياسة ،
احساسا بالكره لهذه المؤسسة ربما قد ترسخ نتاج تجربتين غير جيدتين أولهما برلمان الحزب الوطني و الثانية برلمان قندهار أو برلمان ثورة يناير كما يطلق عليه إعلاميا ...
و لكن أكثر ما استوقفني عند مجاولة استقصاء رأي المصريين عن هذا البرطمان هو الفئات الكارهة لوجوده أو مجموعة كارهيه و عدم الراغبين في تواجده أنها تشمل عدة فرقاء اجتماعيين و سياسيين كلها خلصت لرأي واحد وهو عدم جدوى تلك المؤسسة و هذا البرطمان ...
 
كل منهم استند في رأيه لتحليل ما ، فالفئات العليا أو الكلاس العالي جدا من المصريين نجد أن أغلب رافضيه تنصب عدم رغبتهم في تواجده بسبب عدم توفر ما يسمى "بعناصر تملى العين" أي نواب على المستوى الذي يتمنوه ..
فهم يرفضون رفضا قاطعا للتصويت لنواب "بلدي" أو متوسطين الامكانيات بسبب أنهم "لو كلاس" ففي رأيهم أن هذه المجموعة ستأتي لنهب البلد مستندين لحل أن يجب أن تنتظر مصر حتى ينموا جيلا جديدا  يعبر عن المصري "المحترم" الذي ينتظرونه و لو انتظرنا لسنوات طوال ، و عند سؤالهم لماذا لا تترشحوا أنفسكم للبرلمان نجد أن أغلبهم يرفض أن يرهق نفسه أو ماله في هذا الملف الوطني الصعب ...
 
و استعراضا لرأي مجموعة أخرى أو ما يعرف إعلاميا بالفلول ، نجد هناك رفضا آخر لتواجد هذه المؤسسة الآن ، فهم أيضا لا تعجبهم النماذج المترشحة فهي بعيده عن نموذج النائب للحزب الوطني مبررين رأيهم أيضا أن نواب 2015  لا يمثلون الشعب المصري فبينهم ثوار و تيارات دينية و مستجدين و هم يرفضون كل تلك المجموعات ، و لكن في مضمون الحوار فهذه المجموعات لن تمثل المصالح القديمة بشكل كبير و لن تستطيع العودة بهم و بالدولة لنسق الحياة أو لحدود 24 يناير 2011  فالتركيبة الحالية غير جاذبة للانتباه ترشحا أو ترشيحا و منه فهو برطمانا غير مرغوب فيه  ...
 
أما بالنسبة للمواطن الثائر فهو أيضا لا يريد برطمانا قبل أن تتحقق أهداف الثورة "الكليشيه المعتاد" ، و أيضا يصب غضبه و رفضة للبرلمان على عكس المواطن الفل ، فالاثنين عدد الفلول المتوقع لا يرضيهم و جعلوه سببا لرفضهم تواجد تلك المؤسسة بالكامل سواء بالسلب أو بالايجاب ، و لكن هذا المواطن الثائر له مشكلته أكبر فهو يعلم علم اليقين أن نوابه من الثوار لن يستطيعوا حصد 10 كراسي في مجمل البرلمان و من ذلك فالأجدى رفض البرطمان مع الرافضين انتظارا لأن يمحوا الوقت و الزمن سواء الأصدقاء و رفقاء الميدان و ينسى المصريين كل شيء  و يتمكنوا من خوض تلك المعركة لاحقا ، فالتأجيل من مصلحة هؤلاء أيضا و بشده فهو برطمانا مزورا مشككا فين قبل أن يولد ...  
 
هناك المواطن الآخر و صاحب التصنيف السياسي "حزب الكنبة" ، فهذا المواطن بالأخص أغلبه من الكارهين للبرطمان و من المرددين بشده لهذا الشعار ، فأغلب تلك المجموعة هم من من يطلق عليهم علميا "غير معتادي التصويت" فهم يصوتون فقط و يظهرون في اللحظات الوطنية الحرجة ، و تأتي رفضهم للبرلمان عن أثر احساسا نمى لديهم خلال 4 سنوات بلا تشريع أو رقابة شعبية لعدم جدوى تلك المؤسسة و عدم وجود أي لازمة لها حيث أن بسببها تمتلئ الدنيا ضجيجا و تأتي السياسة و العاملين بها لينغصوا حياة المصريين الهادئة ...
 
نأتي لفئة أخرى و هي الشباب ، فالشباب عادة هو الأقل تصويتا في مصر و في العالم ، و يأتي رفضه للبرطمان بسبب إعلاما نفخ في امكانياته بشكل عجيب خلال ثورتين متتاليتين حتى تخيل معظم الشباب أن بإمكانه إدارة دولة بالكامل فور تخطيه شهادة الثانوية العامة ، بل أن المصريين سيركضون ورائهم لتمكينهم من كل المناصب لإدارة الدولة ،
غفلوا أنهم قد ربما أداروا ثورة و لكن لإدارة الدولة لابد من توافر مواهب أخرى ، و مع اصطدام هؤلاء الشباب بالواقع و عدم توافر الامكانيات لدى الكثير منهم بل و الاحتياج الشديد للخبرة و التي ستاخد مؤكدا وقتا كبيرا ، رفضوا تقبل الواقع و اتخذوا جنبا من المجتمع متهمين كل القائمين عليه بانهم فاسدين سلطويين انقلابيين و تركوا كل شيء و اتجهوا للتنظير و عادوا لعالمهم الافتراضي و من ذلك و بالتاكيد كرهوا أم وأبوا المؤسسات و منها البرطمان....
 
أما بخصوص الأحزاب ، هنا معضلة كبرى فأغلب قياداتها هو قيادة كرتونية مثله مثل الحزب الكرتوني الذي يحتويهم ، أغلبهم لا يريدوا انتخابات الآن و للأحرى "للأبد" فبدون برطمان سيحتفظوا بإمكانهم بمدينة الإنتاج الإعلامي و بمساحات تنظيرهم على الصحف ، فبالبرطمان كل شيئ سينكشف و سيحدث تغيير اجباري للنخبة بالكامل و ستستبدل بنخبة البرطمان الجديد ، بل سيفرض البرطمان حقيقة للأغلبية السياسية و العارضة لها من خلال تصويت المصريين و يقضى على مزاعم 99% من الأحزاب بأنها تمثل الأغلبية و الرأي العام ، و من ذلك فهم لا يريدوه ، تاره رافضين للقانون ، تاره رافضين للقائمة الخ الخ ...
 
أما المواطن قبل الأخير الذي سأتحدث عنه و هو المواطن بسيط الحال ، هذا المواطن هو البطل الحقيقي للقصة و هو الذي أيضا "ما صدق" أن هناك أمل ظهر مع تولي الرئيس للسلطة فتمسك بهذا الأمل بشده رافضا أي تنازل عنه ، و بسبب الطرح غير الموضوعي من الاعلام لمفهوم المؤسسات ، تخيل هذا المواطن أن البرلمان هو العدو بل سيأتي لاقصاء الرئيس و تقويض إرادته بل و هدم الدولة ، فتحول بسبب الضغط الإعلامي و التخويف من البرلمان إلى عدوا لهذه المؤسسة رافضا لها متهما اياها أيضا أنه برطمان فاسد لابد من وئده في المهد ولا داعي لوجوده ...
 
أما بخصوص المواطن الإخواني ، فهذا المواطن على "كيفة جدا" عدم وجود برطمان لأسباب متعددة ، أولها أنه لا يريد تشتيت جهود إسقاطه للدولة و معارضته لها ، فهو يريد تركيز اتهاماته و تشويهه على شخص واحد و عدو واحد وهو الزعيم السيسي ،
ثانيا يريد التأجيل بأي شكل لالتقاط الأنفاس بعد معركة التظاهرات و المعركة القانونية التي راح ضحيتها العديد من القيادات للجماعة أو أغلبها فهو يريد وقت لضبط التنظيم وإنتاج قيادات جديدة ،
ثالثا هو لا يريد أي رقابة على مؤسسات التنفيذية لثورة يونيو لدفعها للفساد أو تسهيل ذلك ،  فانعدام الرقابة حاليا على أي شيء بداية من الحي للمحافظة للوزارة يجعلها عرضة للوقوع في الخطأ مما يسهل مهمته في بث انعدام الثقة بين المواطنين فيها  و اتهامها بالفساد و إفشال جهودها بل و الأخطر اتهام الرئيس بكل شيء لأنه الكيان الوحيد المنتخب للآن ...
رابعا عدم وجود برطمان يؤدي لاستمرار مظلوميته الدولية و التي يدعي فيها أنه الأغلبية وأن ما تم في مصر هو ضد إرادة الشعب و "انكيلاب" و الذي لازالت تدعي تلك المجموعات أن الشعب معها ، و في حالة وجود انتخابات أو برطمان فهو بذلك سينكشف أمام حليفه الدولي و الجميع أنه فاقدا للتأييد و الشعبية ، و من ذلك فالبرطمان ضد مصالحه هو أيضا ...
 
نهاية ، نعلم جيدا أن البرطمان يكلف الدول الأموال و يكلف النواب المشقة و يكلف الشعب الوقت و الجهد للانتخاب ، نعلم أن البرلمان يقيض يد صانعي القرار نظرا للرقابة عليهم ، نعلم أن البرلمان سيفرز انتخابات محليات ربما ستبطيء عمل الأحياء و تغل يد الجميع سواء في الفساد أو في الخير ...
و لكن و بكل موضوعية أثبتت التجربة العملية بما لا يدع مجالا للشك أن البرطمان شر لابد منه في الدول الحديثة أو الدول التي تريد استمرار النمو ( نقطة ) .
 
أخيرا قبل أن تصب لعناتك على و على البرطمان أرجو أن تعتبر ما سبق نوعا من الفضفضة أو التعبير عن الرأي
تعليقات القراء