بلال فضل يكتب: الانتحار السياسي له ناسُه!

نقلا عن العربي الجديد

لولا أن الفنان الجميل، جورج سيدهم، توقف عن التمثيل منذ فترة طويلة بسبب ظروفه الصحية، لتخيل البعض أن تلك التمثيلية الإذاعية مكتوبة مؤخراً وبالعِنية إما للموالسة أو المكايدة، أتحدث عن تمثيلية بعنوان "هذا جناه مرسي"، من تأليف باهر النحال، وإخراج عايدة عبد الله، عثرت عليها في صفحة اتحاد الإذاعة والتلفزيون على موقع اليوتيوب، والتي شهدت تطويراً كبيراً خلال الشهور الماضية.

يلعب الفنان القدير عبد الرحمن أبو زهرة، بطل التمثيلية، دور رب أسرة فاشل اسمه مرسي، ينتمي إلى عائلة "الدُّهُلّ"، لكن مشكلته ليست فقط في اسم عائلته الذي يجلب له السخرية، بل في أنه يعيش فعلاً حالة من الدهولة في إدارة حياته، جعلته مديوناً بمبالغ كبيرة لجيرانه، ودمرت علاقته بأسرته، وهو ما نعرف تفاصيله من خناقة عاصفة مع زوجته، تنتهي بعبارة "بلا مرسي بلا كرسي"، يخرج بعدها تاركاً البيت لزوجته التي تهدده بالشحططة في المحاكم، وحين لا يجد مرسي مكاناً ينام فيه إلا شط النيل، يقع صيدة لبائعين جائلين يحاولون الحصول على أي مصلحة منه، فيقرر في لحظة يأس أن يرمي نفسه في النيل هرباً من بؤس حياته، ليشاهد ذلك بالصدفة محامٍ كبير وناجح، اسمه حازم بكير، يعيش في فيلا على النيل، يلعب دوره جورج سيدهم، فيطلب من مساعده تحضير اللنش لإنقاذ المنتحر من الغرق، وحين يفيق مرسي بعد إنقاذه، يفاجأ حازم به يلومه بشدة لأنه أنقذه، ويسأله غاضباً "شفتني بارمي نفسي في المية بمزاجي بكامل إرادتي وما حدش زقني.. تنقذني ليه يا أخي بس؟".

يغضب حازم من هجوم الدهل عليه، ويتهمه بإنكار الجميل، فيصرخ فيه مرسي "وهو انت كنت سمعتني ساعة ما نطيت في النيل باقولك الحقني يا بيه"، وحين يعتذر له حازم لأنه أنقذه ويطلب منه الخروج من بيته، يفاجأ بمرسي يقول له إن الأمر الآن تغير، وإنه لا بد من أن يتحمل مسؤولية ما فعله، وبما أنه أنقذه من الغرق الجسدي فإن عليه أن يقوم بإنقاذه من كل مشاكله، وحين يقول حازم غاضباً إنه سيجعل "الشغالين" يرمونه في النيل من جديد، يهدده مرسي بأنه سيصرخ ويستنجد بالشرطة ويتهمه بالشروع في قتله، وإنه سيظل "لابداً في أرابيزه" إلا لو قام بسداد كل ديونه المتراكمة، ودفع نفقة زوجته ومساعدته على حل كل مشاكله.

يغضب حازم ويطلب من مساعده طرد مرسي فوراً، فيقوم مرسي بامتصاص غضبه، ويخبره أنه سيرحل لو أعطاه ملابس غير التي ابتلّت، وحذاءً غير الذي سقط في النيل، فيطلب حازم من مساعده تلبية طلبه، ويغادر الفيلا غاضباً للذهاب إلى عمله، يطلب مرسي من مساعد حازم أن يتركه يتصل بجاره البقال ليطمئن أسرته، لكن مرسي يبلغ البقال أن يأتي فوراً بزوجته وبكل أصحاب الديون إلى الفيلا ليقوم بسداد مستحقاتهم فوراً، فيتجه الجميع متلهفين ومسرعين إليها، ليفاجأ حازم بعد عودته أنه مدعو لتلبية مطالب كل هؤلاء "الديّانة"، وإلا اعتدوا عليه بشراسة، خاصة أنهم وجدوا فيه فرصتهم الأخيرة لاسترداد أموالهم، ليجد حازم نفسه متورطاً في سلسلة من المتاعب تنتهي بتركه الفيلا بأكملها لمرسي الدهل وزوجته، ليدفع غالياً ثمن قيامه بإنقاذ مرسي من الانتحار، وليصبح عبرة لكل من يفكر في أن يحاول منع كل دهل يسعى جاهداً نحو الانتحار، بعد أن فشل في إدارة حياته وتحمل مسؤولية أفعاله.

لم أجد اتفاقاً بين الأصدقاء المهتمين على تاريخ إنتاج التمثيلية، إلا أنها بالتأكيد أُنتِجت قبل فترة طويلة من مواصلة جماعة الإخوان سعيها الحثيث نحو الانتحار السياسي الذي يرفع شعار "فيها لاخفيها"، والذي كانت آخر خطواته الخرقاء إصدار بيان يعلن "تثمين" المشاركة في مظاهرات 28 نوفمبر، ويتبنى محاولة منظميها اختطاف حالة الغضب المتصاعدة ضد إدارة السيسي الكارثية لمصر، لجر البلاد إلى حديث بائس عن معركة هوية وهمية، وترويج ادعاءات زائفة بحرق المصاحف وهدم المساجد، مع أن سلطة السيسي لم تَكُفّ للحظة عن استثمار الدين لخدمة القتل والقمع والسيطرة على البلاد، وكعادتها لم تدعُ جماعة الإخوان أنصارها صراحة إلى المشاركة في المظاهرات، لتقفز على نتائجها عند اللزوم، وتستثمر دماءها إن اتخذتها السلطة القاتلة ذريعة لمذبحة جديدة، وهو ما يجعل انتحار بطل التمثيلية (مرسي الدُّهُل) انتحاراً خفيف الظل، مقارنة بهذا المزاج المنحط في الانتحار الجماعي الذي لن يستفيد منه إلا الحاكم المستبد الذي يسوّق نفسه بوصفه عدواً للتطرف وحامياً للسماحة والوسطية.

"توب علينا يا رب".

تعليقات القراء