مروان يونس يكتب: أحزاب «المساعي المشكورة»

 
 
لم يتعلم الكثير منا الدرس بعد، لم يقرأ الغالبية من السياسيين والنخبة الواقع المصري بوضوح..
 
هناك إصرار غير عادي على الحياة في قوقعة وخيالات صنعناها لأنفسنا، بل ذهب البعض منا وهم العاملون والقائمون على الأحزاب السياسية بخيالهم لصناعة واقعا خاصا بهم يبتعد عن الواقع الحالي، واقعا افتراضيا نسجوه من أحلامهم وأمانيهم...
 
لن ألوم المصري البسيط أو الصوت الانتخابي على شيء، فهو مشتت متوتر، بين إرهاب يضرب المواطن والوطن من خلال التفجير سواء في وسيلة مواصلات وصولا لاختطاف أو محاولة اختطاف قطعا عسكرية على حدود مصر، مشتت بين أحزاب سياسية ومرشحين يدعون أنهم ضد الإخوان ومع الوطن تماشيا مع الموضة السياسية الحالية وبغض النظر عن ماذا يخبئون داخلهم من توجهات لما بعد البرلمان وبعد الحصول على الكارنيه الموقر...
 
لن ألوم دولة وسلطة ناشئة مثقلة بأحلام سنوات للمصريين، لن ألومها على استشعارها الخطر مما يدور في الأروقة السياسية من تخبط وعدم إدراك للوضع الحالي الوطني وعدم إدراك للحظة تاريخية فيها المجتمع المصري مرتبك إثر ثورتين وثلاث سنوات ويزيد من الترويع المباشر بكل أنواعه سواء الفكري والثقافي من خلال هجوم بدوي على أفكار الحياة وديني على أفكار الإسلام وسياسي على السلطة من مكتب الإرشاد وأعوانه أو خطر اقتصادي محدق نستشعره ونلمسه يوميا...
 
ولكن بكل أمانة ألوم قيادات تعتقد أنها النخبة وتعتلي منابر الأحزاب كقيادات لها، فمع كل ما يشعر به المواطن من ألم وخطورة نجدهم خارج إطار المنطق والواقع الموضوعي بل خارج نطاق الفكر السياسي المستنير، فبعد سنوات من البؤس لازال المواطن المصري والناخب المصري أمام تصدير حزبي لنفس الوجوه ونفس الأفكار معتقدين أن إعادة تدوير الحياة السياسية للمرة الثالثة أو الرابعة سيؤتي بالصالح والخير العام للوطن والمواطن...
 
ولكن بكل ألم وأسف لم تقرأ الأحزاب الواقع كما لم تقرأ حتى أسباب فشل أغلب نخبتها في جميع الخيارات بداية من يناير 2011، فكما يعتقد بعض المصريين معركة الثورة مستمرة للأسف تخوض الأحزاب معركة النخبة مستمرة "بلا أي تغيير"..
 
فها هي النخبة تفرض نفسها هذه المرة من خلال الضغط على الدولة ودفعها لعدم التغيير "وللأسف بشكل غير وطني" من خلال ربط المال بالسياسية لرموز جميع العصور السابقة حتى الثوري منهم وهو الأخطر، فها هي تكتلات الاحتكار والمصالح تترابط مره أخرى، وها هي قيادات الأحزاب التي تحمل معها ميراثا من التباعد مع الجماهير والإخفاق تتحالف معها، وكلاهما يحاولان فرض أمر واقع جديد وهو العودة بأحلام المصريين للماضي ومن العودة بالحياة السياسية تحت قيادة نفس الوجوه والأفكار سواء بالمال أو بالسياسة أو بالإعلام حتى ولو بتهديد الدولة بالفشل وبالتفكك السياسي من خلال البرلمان...
 
فأحزابنا الآن بدلا من أن تكوّن تحالفات قوية حريصة على البحث عن مكان للقائمة بين قياداتها لإنقاذ النخبة ولو على جثة الوطن، مدعين أن برلمانا بدونهم سيكون معرضا للفشل مصدرين للمصريين فكرة احتكارهم للخبرة السياسية دون عن غيرهم بالوسط السياسي..
 
أحزابا تباعدت عن الواقع غير قادرة على تحديد قدراتها التنظيمية كل منهم يدعي أن مصر والمصريين في انتظاره وانتظار وصوله المبارك لمقاليد الأمور ليغير لهم الحياة للأفضل رغم أن التجارب القريبة والسيئة والتي تنبيء بعكس ذلك  تماما...
 
والأخطر من هذه الأحزاب هو التحالف الإعلامي الذي بدأ في الظهور والداعم لها، هذا التحالف السياسي والاقتصادي في شكل إعلامي يجمع بين كل المتكسبين من الأوضاع المصرية السابقة سواء بعد مبارك أو المجلس العسكري أو الاخوان يحاولون إعادة إنتاج الأجواء في تلك العصور والحفاظ على مكاسبهم أيا كان نوعها اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي، تحالف من أجل منع أي جديد من الظهور للناخب سواء فكرة أو شخصا لفرض الاختيار وحصره فيمن يرون أنه يحقق مصالحهم ...
 
أقول للجميع بكل وضوح فشلتم في قراءة الواقع ولم ينجح أحد، غاب عنكم أنكم لا تملكون التنظيم ورفضتم تدخل أو الاستفادة من بقايا الحزب الوطني، وحتى إن سمحتم بدخل بعض الأعضاء غير المعروفين خلسة إلى أحزابكم يختبئون من عمليات اغتيال معنوي مستمر بقيادة من يدعون أنهم أصحاب الثورة و بين إعلام بكل أسف أغلبه أجير لمن يدفع أكثر...
 
افتقدتم الرسالة والأفكار ولا يوجد بأي حزب مصنعا لها، فكل ما يدور داخل الحزب هو احتكاك داخلي جراء تنافس القيادات على الزعامة بدون أي مردود على الناس أو الشعب، لم نجد مشروعا سياسيا متزنا يخرج من باطن الأحزاب، لم نرى قوانين وطرحها، لم نرى مشاريعا قومية اقتصادية أو حتى افكارا لها، لم نرى حتى تصنيع أو تجديد للكوادر السياسية وظهور بديل عن جيل سبعيني مسيطر على كل شيء، لم نرى بوادر لظهور جيل جديد بسبب قيادات تشبثت بأماكنها حتى تيبست عضلاتها السياسية وقدراتها في التواصل مع الجماهير جراء التقوقع داخل الغرف المسماه الأمانات العامة والمكاتب السياسية...
 
افتقدتم أيضا التمويل، فكل الأحزاب لا يوجد بها ممولين ولا تجد ظهورا لهذا التمويل ليمول حزب ولكن ربما يمول بعض المرشحين حتى أصبحت الأحزاب تقدم الوجبات السياسية بالقطعة للمواطن المصري بدون استمرارية في الأداء أو تواصل مستمر مع الجماهير، فلا وجود للتمويل إلا في الانتخابات فقط فكيف يكون هناك مشروعات للحزب أو استمرار للعمل وكيف سيخلق مؤيدين بين سنوات الانتخابات أو حتى تمويل يساعد النواب الحزبيين بالبرلمان على القيام بأداء سياسي محترم ومحترف؟؟ لا تجد إجابة سوى ربما يكون هناك تمويل ولكن فوضى تمويل...
 
نهاية، أعتقد أن البرلمان القادم ربما سيحمل مفاجأة للنخبة وإجابة عن سؤال شعبيتهم المزعومة بسقوط مدوي في أغلب الدوائر وأيضا بالنسبة للقوائم، ورغم الإرهاب ومع هذا التفتت ربما سنجد قوائم النور من المتطرفين تنافس بقوة في عدة مناطق بل ربما تحصد قائمة مثل الإسكندرية وغرب مصر والدلتا.
 
ولذلك فأنا من المعتقدين أنه إن لم تحدث استفاقة جماعية الآن، ستفاجيء هذه الأحزاب بمشهد مأسوي لبرلمان أغلبه من الناجحين بالصدفة نتاج التفتيت للأصوات ونتاج محاولات هذه الأحزاب لفرض النخبة القديمة على الناخب، ومن ذلك القضاء على جيل الوسط وأي نوع من أي أنواع التغيير ليصبح برلمانا من المستقلين مع بعض النواب لأحزاب المساعي المشكورة والتي لم ترى معركة الوطن ولم تدرك اللحظة الخطيرة الحالية.
 
 

 

تعليقات القراء