مروان يونس يكتب: حرب بقاء «النخبة العميقة»

 
لكل نظام رجال يحمونه ويحفظونه، بل ربطوا حياتهم ومصالحهم لخدمته، ومع الوقت ومع استمرار النظام تزيد أواصل هذه الروابط و تزيد تعقيدا واتباطا، سواء من خلال روابط اقتصادية واستثمارية  وسيطرة على الأسواق بدواعي خدمة النظام ومصالح رجاله، سواء بالسيطرة على الحياة الاجتماعية وتصدر أخبار ومانشتات الصحف والإعلام وأيضا بدعوى إظهار المجتمع براقا ملفتا للمواطنين أو سياسيا من خلال التغلغل في كل أواصر الحياة السياسية سواء الحزبية أو الإعلامية والتي أصبحت مرتبطة ارتباطا وثيقا...
 
تستمر هذه المجموعات ملتصقة بالأنظمة مستفيدة منها بل وخادمة لها بغرض تحقيق مآربهم الشخصية وبالتوازي لخدمة السلطة، ولكن كما علمنا التاريخ أنه مع تغيير النظام وتغير مراكز القوى فيه تتغير كتلة المصالح، فعادة يكون منها القليل القادر على البقاء والغالبية تستبدل بمجموعة أخرى أكثر موائمة والتفافا حول النظام الجديد رابطة نفسها به من خلال اتفاقا ضمنيا على تحقيق إرادته وتوجهاته مقابل تحقيق مصالحها سواء اقتصادية او اجتماعية أو سياسية...
 
فلمبارك كان هناك رجال، منتمين للنظام ومحافظين عليه ولكن مع طول المدة واستمرار الحكم والذي تحول لأسلوب حياة، بدأت المجموعات القريبة من السلطة تتشكل بشكل النظام وتحولت هذه المجموعات " التي سُميت نخبة" مع الوقت للشكل العميق بل إلى نخبة عميقة، فقد تكيفت بشكل فعال لا لتصبح جزئا من النظام -بل جزء من الدولة- لتكتسب بذلك مساحات أكبر وتكسب حماية أكبر وعمقا أكبر...
 
ومع مرور الوقت وجدنا النخبة العميقة، والتي تكونت من متوائمة "حزب وطني" أو المعارضة تحت السيطرة "تيارات مدنية" أو الاخوان "المعارضة الفعلية" أن تتحول مع الوقت لمراكز قوي عميقة وضاربة في مصالح الوطن…
 
وبعد يناير تبادلت الثلاث مجموعات الكراسي، فها هي النخبة المدنية تدعي أنها لم تكن لها صلة بالنظام وتركب “أو تقفز” على قطار يناير مدعية أنها كانت أساس الثورة والعامل المحفز لها مرتضية أن تلعب دور المعارضة للتيار الأقوى والساعي بجدية للوصول للسلطة، وهو الإخوان، حتى تستطيع البقاء وتغطي على تاريخها المليء من الموائمات والتوافقات والمصالح والمماثل أيضا لمدّعين التغيير وهم الإخوان أنفسهم، ونظرا لعمق النخبة استطاعت الحفاظ على نفسها والتوائم والتكيف وبقيت على الساحة ولكن برسالة جديدة…
 
جاء عصر الإخوان رسميا من خلال تولي ممثلهم في قصر الاتحادية "مرسي العياط" للسلطة فاختبأت مراكز القوى تحت ستار الحفاظ على المباديء المدنية للدولة مبررين تواجدهم داخل أروقة وجنبات نظام الإخوان، مدعين أنهم بصدد القيام بواجب وطني وهو تمثيل إرادة غالبية شعب مصر في القصر ولكن في باطن الأمر كانت عملية من عمليات الحفاظ على مكاسب الماضي وفرض استمرارهم في السلطة بشكل أو بآخر وحماية تلك المصالح من بطش وطمع مكتب الإرشاد...
 
حاولت النخبة خلال تلك الفترة التستر وراء كاميرات التليفزيون طالين علينا يوميا منها، بل محتلين جميع منابر الإعلام من خلال التنظير المستمر حول رسالة مفادها اننا سنقاوم الإخوان انتخابيا وأننا سنقف لهم بالمرصاد غافلين أو متغافلين أو متواطئين مع الوضع القائم وهو احتلال التنظيم الدولي لمصر، تاركين الجماعة لاستخدامهم كمسكن موضعي للشأن المصري الملتهب يوميا بسبب خيانة وعنف وقتل واستئثار على السلطة من جماعة لا تنتمي لوطن أو لأرض...   
 
ربما كانت نخبة مبارك المتوائمة أكثر صراحة، فمنذ اليوم الأول اتخذت الوضع مدافعة عن مصالحها ومحاولة مقاومة الإخوان مقاومة فعلية حقيقية سواء للحفاظ على المصالح أو الحفاظ على الوطن، هذا الأمر الذي اختلف عليه البعض ولازال للآن، وبدون الخوض في هذا الاختلاف وجنباته كانت نخبة مبارك المؤيدة متواجدة أيضا بقوة وبكثافة ولكن ليس في إطلالة القنوات الفضائية ولكن في جنبات أرض مصر محاولة الحفاظ على ما تبقى من نفوذها وفي شكل معارض ومقاوم حقيقي للجماعة وليس شريكا في الحكم مثل نخبة مبارك المدنية، والتي كان كل همها الضغط دوليا لدفع الإخوان لمشاركتهم في السلطة بدلا من دفعهم للخروج منها...
 
اكتسبت المجموعتان الحرفية والعمق سواء خلال تجربة مبارك أو مرسي، بل أيضا امتدت المرونة لتصل وتطال الإخوان ومن معهم، فبدأت الجماعة هي الأخرى الاهتمام بمجموعات "أنا مش إخوان بس بحترمهم" على كل الأصعدة فارضين هذه المجموعة ضمن النخبة بل وممارسين كل الضغط لبقاءهم في المشهد السياسي المصري والأهم الإعلامي، رغبة منهم لإنتاج بذور فصيل سياسي مدني متوائم، بدأنا نشعر بثماره خلال نوعية جديدة من مرشحي مجلس الشعب أصحاب فكرة "التهدئة والتفاوض" وهذا ما يراه التنظيم الدولي مناسبا في هذا الوقت حتى يلتقط أنفاسه من خسارته لمعارك الربيع أو الخريف العربي الواحدة تلو الأخرى...
 
ثم جاء الرئيس السيسي لمصر رئيسا وزعيما باغلبية أو بإجماع شعبي كتعبير عن تحالف جميع قوى التيار المدني خلف إرادته وخلف توجهاته والتي أهمها وملخصها انشاء مصر جديدة وهذا الذي فهمه الشعب، مصر جديدة بوجوه جديدة صالحة لاستكمال مسيرة البناء وصالحة لمواجهة الهجمات على مصر والتي حقا تعتبر بمثابة حرب من الجيل الرابع من الحروب، وكان الأكثر بؤسا في المشهد استمرار وجود الفصائل الثلاثة من النخبة في صدارة المشهد رافضين التنازل عن أماكنهم مقابل التغيير الطبيعي والعمري الذي بدأ يحدث كواقع على بر مصر... 
 
لازالت النخبة العميقة تقاوم، ولازالت تحاول اقتطاع الجزء الأكبر من مصر المستقبل لصالحها، على أن يتم التقسيم النوعي بينهم لاحقا، رافضين أي تغيير محاولين فرض نفس الوجوه على الساحة من كل التيارات، هذه الوجوه التي “إن صدقت" حتى في نواياها فقد فشلت واقعا في حماية مبارك أو المجلس العسكري أو الإخوان بصرف النظر عن مربعها ومكانها السياسي في كل عصر…
 
بدأت هذه النخبة العميقة والتي تحولت لمراكز قوى مع الوقت في ممارسة كل الضغط الممكن مع السلطة قبل انتخابات مجلس النواب لإبقاء كراسيهم في أروقة القصر بأي ثمن ولو على جثة حلم شعب فتى وشاب بالتغيير، استخدمت الإعلام لإغلاقه عليهم مانعين بروز أو ظهور أي قيادات جديدة، مستخدمين آلياتهم وأصدقائهم في كل مكان لعرقلة أي جيل يصغرهم سنا من الوصول لأي شيء أو تحقيق أية مكاسب محاولين فرض سيطرة أسلوب حياة ثار عليه مجتمعا بالكامل...
 
لم تدرك النخبة أن الزمن تغير وأن النظام تغير واستمرت في سعيها الدؤوب لإعادة عقارب الزمن للوراء ودفع المصريين للاكتفاء بتبادل الكراسي بينهم بين مؤيد ومعارض بدلا من أي تغيير حقيقي، غافلين الخطورة الواقعة على مصر من تصرفهم سواء بسبب قلة حرفيتهمأاو الخطورة بسبب ما يحاك لبلدنا من مؤامرات والأخطر غافلين أن حلم شعب بالكامل كان التغيير ومصر جديدة بوجوه جديدة، وهذا ما وعد به الرئيس كأول ثمار عصره..
 
نهاية الوضع بات واضحا، ولكن يبقى السؤال، هل سترضخ السلطة للابتزاز أم تغامر وتراهن على أصوات المصريين بمجلس الشعب والذين بكل تقدير قد انتهوا من تجاربهم مع تلك المجموعات والتي لا نتهمها بأي شيئ على نتيجة واحدة وهي أنهم لم يستطيعوا تحقيق حلم المصريين خلال 50 عام من التواجد بأروقة السلطة وصنع القرار.
 
 
تعليقات القراء