بلال فضل يكتب: بهجة البطش!

نقلا عن العربي الجديد

تشاهد هذا الفيديو الذي نشرته بوابة (المصري اليوم) يحمل عنوان "عميد شرطة يشارك الأهالي في ضرب أحد متظاهري الإخوان أثناء إلقاء القبض عليه".

فتدرك أن ما قام به عميد الشرطة لم يكن غريباً على أبناء بدلته، لكنه ربما لم يكن سيفعله بكل هذا الغل، وأمام كاميرات الموبايلات التي تصوره، لو لم يكن قد رأى ما فعله قبله عشرات المواطنين الذين لم يجدوا مشكلة، وهم الخارجون لتوهم من صلاة الجمعة، في أن يتكالبوا على مواطن أعزل، وينهالوا عليه ضرباً، ثم يصفقوا لرؤيته يسير وسطهم مهاناً ذليلاً، هاتفين فور رحيله في بوكس الشرطة بحياة مصر، وقد بدت عليهم أمارات بهجةٍ، تليق بكتيبة كوماندوز عائدة من عملية ناجحة خلف خطوط العدو.

في زمن قريب مضى، وقبل أن يتم تحويل مواطنين كهؤلاء إلى وحوش، عبر مراحل ممنهجة، لا أظنك تحتاج أن أذكّرك بها، كان آخر ما سيحدث أن تتحلق مجموعة منهم حول المواطن الإخواني الأعزل، وهو مواطن يمتلك كافة حقوق المواطنة، على الرغم من أنف جميع محتكري المواطنة والوطنية، ليهروه تريقة من نوعية "يابني حرام عليك مرسي إيه اللي تضيع عمرك عشانه.. طب افتكره كده وهو بيقول أبلج ولجلج وانت هتتكسف من نفسك"، ليرد عليهم المواطن الإخواني، وهو مواطن حتى لو أصبح التذكير بكونه مواطناً جريمة شنعاء، بما هو مقتنع به عن عظمة مرسي التي حرمتنا منها المؤامرات الكونية الصهيوصليبية، ثم ينصرف كل منهم إلى حال سبيله، من دون أن ينتهي الأمر بتلك الصورة الحقيرة التي رأيناها.

بلاش يا سيدي، لنفرض أن هذا المواطن وقف بعد صلاة الجمعة، وأشهر إشارة رابعة، هاتفاً بسقوط السيسي وعودة مرسي، ما الذي كان سيضير أولئك الذين تحلقوا لضربه، لو تركوه يهتف حتى يهدأ أو ييأس أو يصيبه الفتاق، وإذا كانوا حقاً واثقين، تمام الثقة، في حبهم قائدهم السيسي المسيطر على مقاليد البلاد، فبماذا سيضيرهم ذلك الهتاف الذي لن يغير شيئاً من حقائق الأمور، ولماذا كان لا بد أن يشعر كل واحد منهم بأنه انتصر لمصر بضرب مواطن أعزل على قفاه؟

الإجابة عن كل هذه الأسئلة البلهاء هي أن المواطن الوحش يختلف عن المواطن الآدمي في أنه يصدق، فعلاً، أن الهتاف يمكن أن يسقط دولة، ويعتقد أن من يختلف معه في الرأي تسقط عنه فوراً حقوق المواطنة والإنسانية. ولذلك، فأقصى درجات الرأفة معه ضربه على قفاه، وعليه أن يحمد الله، لأن المصلين لم يطبقوا معه نصائح بعض لواءات مدينة الإنتاج الإعلامي، فلم يخرج أحدهم طبنجته ويضربه بالنار، ليجعله عبرة لكل خائن عميل.

للأسف، سيعود المواطن الباطش إلى بيته مبتهجاً بإنجازه الوطني، وسيقوم بتشيير الفيديو الذي صور فيه "معركته"، متباهياً بأداء واجبه الوطني، ومتمنياً أن يصل ما فعله إلى قائد البلاد ليدرك أن خلفه رجالاً يمكن أن يبطشوا من أجله، والمشكلة أن قائد البلاد، أو مساعديه، سيبتهجون إذا وصل إليهم ما حدث، لأنهم سيعتبرونه تضامناً من الشعب معهم في معركة البقاء الوطني. وفي وسط كل ذلك "الهرتك"، لن يفكر أحد من الباطشين الكبار أو الصغار في خطورة أن تسود البلاد (دراما التدمير) طبقاً لتعبير عالم النفس الشهير، إريك فروم، والتي تجعل من ذاق لذة البطش بمن هم أضعف منه مدمناً تلك اللذة، ليتحول، مع تكرارها، إلى وحش تصعب السيطرة عليه، وحش يمكن أن يبطش يوماً من الأيام بصانعيه، وهو ما حدث للإخوان أنفسهم من قبل، حين ظنوا أن استقواءهم بالحشود وممارستهم العنف اللفظي، ثم الدموي، سيجعلهم قادرين على إبقاء سيئ الذكر مرسي رئيساً للبلاد، فدفعوا أثماناً دامية، حين تخلت عنهم الجماهير التي كانوا يظنونها ستبقى في صفهم إلى الأبد.

واليوم يكرر السيسي ومعاونوه نفس هذه الخطايا، ولكن، بشكل أكثر شناعة ودموية، ربما لأنهم واثقون في قدرتهم على الإفلات من عواقب تحويل المواطنين المسالمين إلى وحوش تفتك بالأضعف منها، مع أنهم لو راجعوا ما حدث في بلاد، كالعراق وليبيا التي يحذرون الناس من مصائرها، لأدركوا أن قوانين الكون ـ دائماً وفي وقت ما ـ تقضي على الحاكم الذي سمح بتحويل مؤيديه إلى وحوش، بأن يدفع هو، وأنصاره، بل وبلاده كلها أثماناً باهظة تنسيهم تلك اللحظات السعيدة التي شعروا فيها ببهجة البطش.

يا خفي الألطاف نَجِّ مصر مما نخاف.

 

تعليقات القراء