مروان يونس يكتب: أين أيران؟

 
سؤال وجودي وجب طرحه مع اختفاء تصريحات و مواقف طهران الواضحة والحنجورية والتي تعودنا عليها من الرئيس السابق نجاد و آيات الله ، كيف قبلت طهران دورا ثانويا في صراع مسلح على حدودها بل وخفت صوتها ليتوراى خلف أصوات دول التحالف والتي تركت لها طهران البطولة الكاملة للمشهد ؟؟ سؤال هام يدعو للتساؤل والتأمل...
 
هناك البسطاء مِن مَن يرجعون ذلك إلى كثرة الأحداث والمواقف السياسية على المستوى العالمي والتي مع تسارعها أصبحت أسرع من النظام الإيراني حتى تحول لكومبارس سياسي ولم يعد نجما للشباك، ولكن كيف نقبل منطقيا هذا التفسير والذي ينفيه واقعيا خروج إيران بمكاسب كبيرة الواحدة تلو الأخرى منذ سقوط العراق ومرورا بالربيع العربي ووصولا لحرب داعش حتى وصلنا لمكسبا هاما وهو الصمت العالمي على المفاعل النووي الزاعمة في انشاءه؟
 
بالطبع هناك دورا وهناك تواءمات وترتيبات ولو تحت الستار وفي هذا الوقت الحرج، ولكن السؤال أيضا لماذا التعتيم على الإرادة الإيرانية ومواقفها، بل ولماذا نستشعر نحن المحللون السياسيون أن هذا الغياب هو بكامل الإرادة السياسية...
 
فلنتحدث أولا عن إيران والتي قد دخلت المشهد العربي من أوسع أبوابه مع انهيار العراق وبداية سيطرة الأغلبية السياسية الشيعية على المشهد، هذه الأغلبية التي استفادت بشكل كبير من انهيارين بالغي الخطورة:
 
الانهيار الأول كان لجيش العراق، مما سمح لتنامي النفوذ الإيراني الاستخباراتي في اأرض العراق والذي كان نتيجة انهيار مشتملات الدولة ومؤسساتها والأهم أجهزة استخباراتها وأجهزة المعلومات..
 
الانهيار الثاني والذي غير الوضع الإيراني الدولي بشكل كبير، هو انهيار حزب البعث السني الهوى تماما، ووصول الحكومة الشيعية للحكم، هذه الحكومة التي ليست فقط مدعومة إيرانيا ولكن مؤيَّدة أمريكيا بل تحمل ميراثا ورغبة في الإقصاء للآخر، وكل ذلك تحت رعاية دستور متغرب يسطر الطريق نحو طائفية كاملة للعراق "ولو بعد حين" تمهد للتقسيم اللاحق وجني المكاسب سواء غربيا أو إيرانيا...   
 
ولكن عند النظر للانهيارين ونمو النفوذ الإيراني معه، نجد أن اللاعب الرئيسي ومهندسو التحول كانا البيت الأبيض والمخابرات الأمريكية والتي كانت تعلم تماما إلى ماذا ستؤول الأمور بعد قرار حل الجيش بل متأكدة أن النفوذ على العراق تتحول حتميا بوصلته تجاه إيران..
 
ونظرا لتشابك الأوضاع مع سقوط صدام، لم يفهم معظم المحللون وقتها الوضع الحقيقي على الأرض، وربما لم يتوقع الغالبية أن العلاقات الأمريكية الإيرانية تغيرت تحت السطح منذ ترابط المصالح في هذا السقوط، هذا التغير الذي تأجل استرتيجيا الإعلان عنه والمجاهرة به حتى يتم تسوية الوضع السياسي جيدا بالمنطقة، مما يسمح نفسيا للشعوب الغربية بقبول هذا التغير والذي بدأت تظهر ملامحه في هذا التوقيت وفي هذه الأيام...
 
ولنمر سريعا على السنوات بين سقوط العراق وبداية الربيع العربي وننظر بعمق للموقف الإيراني والذي كانت آيات الله به أول المباركين لثورة يناير العظيمة وأول المنظرين لبداية الحكم الإسلامي بالمنطقة وذلك رغم أن الموجة الإعلامية المصرية كانت تقوم بتمرير فكرة أن الثورة شعبية تماما وبدون نزعة دينية، ثورة تسعي مساعي حميدة لتكوين دولة مدنية كاملة..
 
وهنا أيضا نجد سرعة ووضوح لموقف طهران متناغمة و متوافقة مع الارادة الأمريكية بل اتضح الآن أيضا مع ظهور أوراق وتحقيقات محاكمات التنظيم الدولي أن دورها لم يتعدى المباركة السياسية بل وصل إلى الدعم اللوجستي بالسلاح والتدريب لعناصر الجماعة بل مساعدتهم المباشرة في تنفيذ بعض العمليات داخل مصر بواسطة حزب الله...
 
فبوضوح توافقت إيران تماما مع المواقف الأمريكيةبل شاركت لتمرير تلك الارادة بقوة ناهيك عن موقفا وحيدا اختلفوا عليه و لازال تحت التسوية و هو الموقف السوري ...
 
ولنصل زمنيا الآن لداعش ونستقرئ أيضا الموقف الإيراني تجاه داعش ولكن لنتذكر قبل الدخول في هذه المنطقة ردة الفعل العالمية حول المفاعل النووي الإيراني والذي أصبح هناك صمتا دوليا عنه، بل وتحولت مع الربيع العربي إيران عالميا من دولة راعية للعنف لدولة محبة للسلام وصديق للجميع..
 
فمن الواضح بلا لبس تغير الموقف الدولي تجاه مفاعلات طهران ودخول إيران في مفاوضات التنفيذ والمراقبة الدولية كمكافئة لما قامت بها من مجهودات وخدمات لتمرير الإرادة الغربية بالمنطقة والتي في رأيي إلى الآن كانت إرادة تفتيت الدول وطيفنتها تمهيدا لحربا كبيرة قادمة تعتقد إيران أنها ستكون الفائز فيها، وتتمناها أمريكيا للقضاء على كل الأعداء دفعة واحدة....
 
أما الآن، فلازالت إيران تنتظر المكاسب وتنتظر تفتيت العراق، هاهي تعمل في مشهد جديد للصالح الأمريكي وها هي تنتظر نتائج حرب داعش والتي تتوقع منها طهران غنيمة كبرى وهي دولة جديدة وحليفة شيعية تحت الرعاية السياسية والعسكرية لطهران على حدود السعودية تكون وقودا للحرب الخفية بينها وبين آل سعود، دولة تمارس الضغط لاسقاط الحكم السعودي..
 
و من أجل هذا المأرب وهذا الوعد ها هي أيضا إيران تحرك الحوثيين لإشعال اليمن جنوب السعودية للضغط على المملكة أيضا بل وتحت ستارة من الصمت الدولي بل برعاية الولايات المتحدة لإنشاء دولة شيعية أخرى جنوب المملكة تمارس نفس الدور،
فبالتوافق والتراضي الأمريكي وتحت أهداف ومكاسب استراتيجية واضحة للجانبين، قررت إيران لعب دور الصديق الخفي لأمريكا...
 
ولهذا ونظرا لأن إيران في فترة تغيير الجلد ونظرا لدخولها رسميا المعسكر الغربي كان هناك ضرورة للتعتيم على مواقفها وعدم تصدر المشهد حتى بدا للعالم أن الموقف الإيراني هو "اللا موقف" حتى لا يتنبه المواطن العربي البسيط لهذا التغير وما يدور تحت الستار،  وحتى تسمح فترة السكون السياسي لإيران وللغرب بالتمهيد لتغيير الجلد لنظام هذه الدولة وتحولها من محور الشر الأمريكي إلى محور الخير الأمريكي...
 
فعفوا لكل متسائل، لازالت إيران تلعب دورا كبيرا بل دورا بالغ الخطورة، فبعد انتهاء الحلم بعثمنة المنطقة تركيا مقابل صمود، مصر تحول الحلم ليداعب طهران بإعادة إنتاج الدولة الشيعية مجددا، ومقابل هذا الحلم وافقت طهران على إشعال الحرب بل والمشاركة فيها معتقدة في انتصارها والأدهى معتقدة في قدراتها بعد الانتصار لمواجهة الأب الجديد لها وهو البيت الأبيض.
 
تعليقات القراء