سقراط يكتب: طائفية الأجهزة الأمنية وبراجماتية الأقباط

هناك من يظن أن الطائفية في مصر مرتبطة بتوجه سياسي معين أو توجه فكري بعينه ، لكن أصحاب هذه الظنون هم مخطئون ، فالطائفية في مصر أكثر انتشاراً من الأمية و الفقر نفسهما !! الطائفية موجودة ومتغلغلة داخل كل الأجهزة الإدارية للدولة ، داخل أجهزة الأمن ، داخل الأجهزة الخدمية، بالمدارس و الجامعات بكل مؤسسات الدولة ! حتي الأطفال لم تسلم من الطائفية ، لا تقنعني أنك لم تستمع مرة لطفل يقول " هما كدا النصاري ريحتهم وحشه !! " أو أخر يقول "ماتكلموش أصل دا مسلم و مابيحبناش !!" 
 
تسمعون يومياً عن التآخي و حالة التعايش الجميلة بين طوائف المجتمع ، لكنكم فيما بينكم تؤمنون أن لكل طائفة خط لا تتجاوزه ، خط يمنعها أحياناً من الحصول على حقها الذي يكفله القانون ، ولكن القانون في بلادنا يقف أمام الطائفية عاجزاً و يتراجع لتحل محله الحلول العرفية التي تنتهي بمساومات قذرة يضيع فيها حق الضعيف و تدفع المخطئ ليكرر فعلته فالنهاية محسومة لصالحة في كل الأحوال !! 
 
تتعامل الأجهزة الأمنية في مصر مع حوادث الطائفية بمنتهي الاستخفاف و البرود و التواطؤ في معظم الأحيان ، بل تمارس في أغلب الأحيان أفعال تنم عن طائفية متعمدة ، بل يصل الأمر لتجيش جنود الأمن المركزي أو الشرطة العسكرية للاعتداء على الأقباط تحت راية دينية ، لست ناسياً صيحات الله اكبر ،، الله اكبر عند الاعتداء على الاقباط في مذبحة ماسبيرو ،لا أتعجب من ذلك فالأجهزة الأمنية هي وليدة مجتمع يمارس الطائفية في معظم تعاملاته فيما بين طوائفه المختلفة، اضف على ذلك في مصر هم لا يهتمون  بتحقيق القانون بقدر اهتمامهم من الانتهاء من القضايا المختلفة بأي شكل وبأي وسيلة !! 
 
 أتذكر حادثة وقعت في إحدي المراكز بمحافظات الصعيد ، شاب قبطي قام بعمل علاقة غير مشروعة مع فتاة مسلمة و قام بتصويرها و تسرب فيديو الواقعة ، فحدث رد فعل عنيف من أهل الفتاة تجاه أهل الشاب ، الأمن كان يعلم مدى العنف المتوقع ، ولكنه ترك أهل الشاب ليقعوا فريسة للغاضبين من أهل البلدة  و بعدها تتدخل الأمن ، الشاب  والفتاة أخطئا ، رغم أننا لو في دولة يحكمها نظام مدني ، فممارسة العلاقات الجنسية أمر خاص لأصحاب العلاقة ، ولكن طبقاً للظروف فهما أخطئا ، فأين الأمن الذي ينفذ القانون بضبط المخطئ  و يسعي لإيقاف أي حوادث متوقعة!! ، أين الأمن من الدماء التي سفكت !! ، الأمن يا عزيزي يتعامل من منطق (خلي النصاري يتربوا شوية وبعدين نبقى نتدخل !) 
 
حوادث طائفية مختلفة وقعت و الأمن كان إما أن يساعد الطرف الأقوى ليكسر الطرف الضعيف ، وإما أن يتدخل بحلول عرفية كالتهجير القصري لعائلات حفاظاً على أرواحهم -يعني ببساطة إما التشرد ومواجهة المجهول أو الموت فتكاً !!- إما  التدخل بالعنف المبرح تجاه الاقباط ، آخر حادثة  تلك التي وقعت منذ أيام بجبل الطير بسمالوط ، مجموعة من الأقباط تجمهروا اعتراضاً علي تخاذل الأمن في البحث عن فتاة مختفية منذ أيام ، فكان رد فعل الأمن الهجوم على التجمهر و فضه بالقوة و الضرب وإطلاق النيران و اعتقال ٣٥ مواطن وتلفيق تهم عده لهم ، بل وصل الأمر لتعذيب اثني عشر منهم رفضوا أن يوقعوا على قائمة  اتهامات ملفقة ، تم ضربهم ضرباً مبرحاً حتي وافقوا على التوقيع ، الأمن بدل أن يعمل لايجاد المختفيه اتهم من يطالبونه بالعمل بتهم معلبه و جاهزة دوماً مثل الاعتداء على أفراد و مؤسسات شرطية ، كسر قانون التظاهر و شوية حاجات من اللي يودوا في داهية !! 
 
أزمات اختفاء الفتيات القبطية هي أزمات متكررة ، بصدق منها ما يحدث نتيجة اختطاف ومنها ما يحدث نتيجة ترتيب مسبق بين الفتاة ومن ستهرب إليه ، حوادث ليست بالقليلة ، كانت رغبة الفتيات الهرب نتيجة علاقة عاطفية مع شاب مختلف دينياً عنها ، وبما أننا شعب يتظاهر بالتدين ولا يحكمه نظام مدني بدستور مدني حقيقي ، فهذه جريمة يعاقب عليها الأمن الشعب قبل أن يعاقبهم القانون !! 
 
كثيرون من الأقباط تعاملوا ببراجماتية منقطعة النظير تجاه قوانين التظاهر و الحريات ، غالبيتهم كان يساند نظام الجنرال خوفاً من إرهاب الإخوان ،وهذا حقهم ومشروع، لكن ما لا أجد له مبرر هو الاستمرار في الدعم المتواصل لنظام رأسه كان مشاركاً في جريمة قتل الأقباط في أكتوبر ٢٠١١ ، لا أجد تفسير لدعمهم له في جرائم التعذيب و القتل المباشر في التظاهرات  ، يقفون خلفه في كل شئ ، بحجة الحفاظ على أمن الوطن ، أدرك أن غالبية الشعب كذلك الآن ، لكن الأقباط منذ البداية وقبل السيسي  وهم يدعمون الأنظمة العسكرية ومع ذلك هم أكثر فئة تضررت من هذه الانظمة، لا يدركون أن السيسي لبس العمة و بقى ولي ، لا يدركون أن القوانين الفاشية لن ترحم أحد مهما كان ، ومهما ظن أنه قريب من السلطة.
 
 
الواضح اأن الأقباط لا يريدون إدراك أن الحل ليس في نظام يقهر التيارات الرجعية ويعيدها للسجون بل الحل في دعم نظام مدني يؤمن بدولة القانون و يقف سنداً للمواطنة ، عزيزي القبطي الأنظمة الفاشية على اختلافها (دينية-عسكرية) لا يفرق معها قيم المواطنة و العدل و السلام المجتمعي بل كل همهم التخليد في السلطة لا أكثر ، لذلك لا تتوقع بدعمك لأي فاشية ستنجوا !! 
 
 
أعزائي الأقباط ، حلكم في الخروج من قوقعة البراجماتية الطائفية ، الخروج إلى المجتمع ، التعامل مع قضايا المجتمع بشكل وطني له بعد إنساني ، لا تنظروا فقط إلى مصالحكم ، و لا تظنوا أن حقوقكم ستعود علي حساب قهر فئة في المجتمع ، حقوقكم ستعود يوم أن تتحولوا أنتم وغيركم من الشعب  في نظر الحكومات من مجرد أرقام في دفاتر إلى بشر لهم حقوق كاملة غير منقوصة ، أعزائي ادعموا المظلوم مهما كانت قوة الظالم ، أعزائي تعاملوا كأنكم مصريون لكم كامل الحقوق وعليكم كافة الواجبات و لا تسمعوا لرجل دين يحاول أن يقنعكم بخلاف ذلك ، أعزائي طائفية الأجهزة الأمنية لن تتغير ألا اذا اقتنع الجميع أن دولة القانون هي الحكم و النظام المدني الديمقراطي هو الأفضل ، لذلك تخلصوا من براجماتيتكم و انظروا لمصلحة الوطن من زاوية أكبر و صلوا قائلين "نجنا من الفاشية !! " 
تعليقات القراء