مروان يونس يكتب: الموانع السياسية للسياحة المصرية

عندما نتحدث عن السياحة في مصر نجد أنفسنا فجأة أمام عدة المعلومات تعودنا على ترديدها مع ذكر هذا الموضوع ، أصبحت بعض الكلمات متلازمة لدينا ، أولها الجو المعتدل ،  ثانيها ملكية مصر لآلاف الكيلومترات من الشواطئ التي لا تملكها أغلب دول العالم ، ثالثها مصر تملك ثلث آثار العالم و الرابع و الرائع هو شعب مصر الودود و المحب للغير ، و لكن وفي نفس متلازمة ذكر محاسن مصر نجد نهاية ينتهي الحوار بتساؤل بلا إجابة و هو لماذا لا تحتل مصر مكانتها السياحية العالمية و لماذا لا تستطيع تسويق منتجها المتميز جدا و هو السياحة ...

ثم تبدأ بعد ذلك المرحلة الثانية من الحوار و التي تنتهي بلا إجابة، وهو الجزء الذي نحاول فيه دائماً تحليل عدم تناسب قدرات مصر السياحية مع النتائج لعدد السواح في مصر ومن ذلك فك طلسم عدم احتلال المكانة  السياحية العالمية التي تليق بها رغم الإمكانيات المتاحة، ولنعترف قبل أن نحاول الإجابة معاً أن هذا التفاوت حقيقة رغم كل الجهود المبذولة لذلك الغرض  ...

و لفك رموز هذه المتلازمة وهى السياحة، يجب أولاً أن ننظر لبعد آخر خلاف التسويق و الإعلان و عدد الغرف و الخدمات الخ الخ  ، و لننظر للبعد الأعمق و الأهم وهو البعد السياسي و لنتسائل هل من مصلحة الغرب أن تستفيد مصر من قدراتها السياحية .... ؟؟

 
إن البعد السياسي هو البعد الأعمق و لب أي صراع ولإيجاد أي حل لأي أزمة رئيسية لابد من مراعاته، و لذلك قبل أن نبدأ في التطرق للسياحة لنناقش بعض الأمور، أولها حول قدرات السياحة المصرية ماذا لو تم استغلالها ؟ فهل ستؤثر علي الاقتصاد المصري ؟ و منه ما هو تأثير و مردود السياحة الاقتصادي على الوضع السياسي العالمي لمصر ؟؟؟

فلو وصلت مصر لنصف عدد ليالي إسبانيا أو مثلاً كدبي وهى التي لا تملك أي مقومات تقترب من مقومات مصر سنجد أول ردة فعل هى مضاعفة دخل هذه الصناعة لسبع إلى ١٠ أضعاف و من خلال حسن الاستغلال والذي لن يحتاج لمجهود ستنموا معها معظم الصناعات الرئيسية المصرية و منه فائضاً بالميزانية ربنا يسهل سداد ديون ... يضاعف معدلات التنمية ... يزيد من عمق تأثير مصر ليس إقليمياً فقط و لكن عالمياً ... يخرج مصر بالتدريج من مصاف الدول المتعثرة إلى الدول الناهضة ...

والخلاصة سيضع مصر على طريق تنفيذ المشروع القومي الأسهل و الأهم والأوفر مردوداً و الأسرع في  النتائج ... و لكن التساؤل السياسي ، هل مصر الكبيرة مطلوبة دولياً أو لا !!

 

 وعند الوصول لهذة النقطة نصل معها لإدراك حقيقة هامة ، وهى أنه من الموضوعي أن يضع المنافسين وعدم الراغبين في ظهور مصر الكبيرة كل عراقيل لمنع قيام هذا المشروع لمنع تحقيق أي ناتج كبير منه ، فمصر المنفتحة و القوية المؤثرة المتطورة ليست هدفاً للغرب ،

نعم نمو مصر غير مقبول حيث أن التوازن بالمنطقة صنع سلفاً بكل دقة مانعاً قيام دولة محورية كبري يكون لها نفوذ على المنطقة و من ذلك فقد صدر أعداء مصر كل العقبات لمنع ذلك الأمر و الأهم تصدير الإرهاب و عدم الاستقرار .....

و مثالاً لنا سيناء ، فلو تم تنمية سيناء بشكل صحيح و لو بشراكة خارجية سيضع الملايين من المصريين على هذه الأرض شبه المهجورة  مما يجعل استحالة استغلالها لأي طرف أخر غير مصر ، نمو سيناء أيضاً سيكون له بعداً أمنياً ، فوجود البشر و الاستثمارات العالمية على أراضيها سيحميها من أي محاولات للعدوان و سيجعل لمصر لوبي عالمي يحافظ على مصالحه المرتبطة بمصالح مصر فيها ...

 
و مثالا آخر ، فهل من المسموح سياسياً حسن استغلال الساحل الشمالي ليسحب من دخل جنوب أوروبا و تبدأ مصر في منافسة دولة مثل إسبانيا و تتحول السياحة من مايوركا وايبيزا إلى سواحلنا المصرية لنضرب اقتصاد جنوب أوروبا في العمق ؟؟  بالطبع لا ..

فكل أعداء و منافسي مصر مجتمعون حول إفشال المشروع القومي الأهم و الأسرع في النتائج و هو السياحة ...

و لكن الأهم هو كيفية الخروج ؟؟

فالمخرج الأكثر واقعية هو خروج مصر سياسياً أولاً من الوضع القديم، و تحولها تدريجياً من دولة ضعيفة تابعة إلى دولة قوية مستقلة الإرادة ، مما يجعل مصر تمتلك كروت الضغط السياسي المناسبة لتفعيل هذا المشروع و فرض إرادتها و استغلال إمكانياتها المهولة في هذا المجال بدون تلقي الضربات الأمنية و الاقتصادية الواحدة تلو الأخرى و بدون الوقوع في حرب إعلامية يقودها المنافسون و الأعداء معاً لتصوير مصر دولة غير آمنه و خطراً على الحياة زيارتها ، و من ذلك تمكين مصر من عقد التحالفات السياسية الدولية و الشراكات مع دول العالم للوصول لوضع سياسي مناسب يفرض هذه الإرادة ...

 

حقاً إن لغز السياحة سيظل بلا إجابة قبل أن نصبح دولة قادرة علي فرض إرادتها و ذلك بداية المشروع القومي الأهم و الأسرع و هو السياحة ...

أعان الله مصر و قيادتها و شعبها الكريم على تمرير إرادته السياسية "السياحية"

 

د.مروان يونس

مستشار التخطيط السياسي

تعليقات القراء