د.محمد صلاح البدري: هؤلاء.. لن يرتدوا ملابس العيد

١
وقف إياد .. الطفل ذو العشر سنوات يتأمل الفوضى التي خلفتها تلك القذيفة التي انطلقت لتدمر منزله.. لم يكن يتخيل يوماً أن يرى أمه تبكي بهذه الحرقة.. دون أن يملك أباه ما يواسيها به
لم يكمل أياد طعامه الذي وضعته أمه على المائدة .. لن يكمل الرسم الذي بدأه والذي يصور علماً فلسطينياً يرفرف في فناء مدرسته الصغيرة و تلاميذ من زملاؤه يقفون لتحية العلم.. لقد هدم منزل إياد .. وانهارت مدرسته التي رسمها..
 فقد إياد عالمه الصغير.. ولا يعلم أحد هل سيمتلك يوماً عالماً آخر.. أم سيكون مصيره كمصير من عاشوا في مخيمات اللاجئين التي سمع عنها .. ولم يتخيل مستقبلاً لقاطنيها..
 
٢
 
نظرت الأم المكلومة إلى الصورة التي تحملها في يدها.. وتمنت لو عاد بها الزمن ووافقت على الرحيل مع أهلها إلى الضفة ...
لقد رفضت هي وزوجها أن يتركا منزلهما.. و أصروا على البقاء في المدينة التي نشأوا و تربوا فيها .. و استطاعوا خلال زواجهم الذي تم منذ خمس سنوات أن يصمدوا في ظل الحصار الحديدي الذي كان حولهم.. و في ظل أزمات مستمرة من نقص الوقود والمواد الغذائية.. حتي استطاعت بعد عامين من الزواج أن يرزقهما الله بسلمى..
كانت رقيقة كالسحاب.. بيضاء مشوبة بالحمرة.. تحمل ابتسامة صافية..
لقد دمر العدو الإسرائيلي بيتهما الصغير... هدم حياتهم و ماضيهم بمنتهي البساطة... ليس هذا فحسب.. فقد دمر مستقبلهم أيضاً..لقد  قتل سلمى!!
 
لن ترتدي سلمى ثوبها الجديد في العيد المقبل... لن تبتسم وهى تجلس أمام التلفاز لتشاهد الرسوم المتحركة التي تعرضها تلك القناة المصرية التي يشاهدونها باستمرار .. هذا في الفترة التي يعود فيها التيار الكهربائي إلى منطقتهم..
لن تضم سلمى في أحضانها ثانية... فقط ستتأمل صورتها .. وهى تمني نفسها بالبكاء... لتستريح!!
 
٣
لم يتخيل مازن حين رأي هذا النور الساطع يقترب من شباك منزله .. و بعد أن ذهب وعيه فور اصطدام تلك القذيفة بمنزله.. أنه سيفيق على كل هذا الألم..
كل عضلة في جسده تأن بشدة.. لقد كتب الله له عمراً جديداً.. بعد أن تم إنقاذه من تحت الأنقاض .. و ذهبوا به إلى تلك المستشفي الصغير..
لم تكن إصاباته خطيرة.. يبدو أنه لهذا السبب تحديداً مازال حياً .. فالمستشفي لا تمتلك إمكانيات لعلاج الحالات الخطيرة..
لقد كان محظوظاً ببقائه حياً.. أو هكذا يفترض أن يكون!!
سرح بخياله كيف كان يتمنى أن يصبح لاعباً شهيراً لكرة القدم ..تذكر صورة أبوتريكة المعلقة فوق رأسه في حجرته.. ثم تذكر أنه لم تعد لديه حجرة من الأساس..
هل مازال الحلم مسموحاً به؟
٤
 
أنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها اعتداء على قطاع غزة من قوات الاحتلال الإسرائيلية.. بل وليست المرة الأولي التي يخرج فيها رد الفعل الرسمي والحكومي ضد هذه الاعتداءات بهذه الصورة من الضعف.. ولكنها المرة الأولي التي نكتشف فيها ..أن العدو المزمن ..قد أصبح له ظهيراً شعبياً..وصل به من "الوقاحة" أن يبرر له أفعاله !!
لم يدعم هؤلاء الأطفال حركة حماس من قبل...ولم يقتلوا الجنود المصريين في رفح.. و لكنهم ماتوا.. و أصيبوا و اختفى عالمهم الصغير من حولهم... دون ذنب اقترفوه.. سوى أنهم ينتمون لهذا الإقليم المنكوب...

 إدانة الاعتداءات الإسرائيلية  لا يحتاج إلى رأي حكومي رسمي.. ولا يحتاج إلى تعليمات عليا ..يحتاج فقط ..إلى أن تكون محتفظاً ببعض من انسانيتك!
لن يرتدي هؤلاء الأطفال ملابس العيد...لأنهم ببساطة.. لا يملكون العيد!!
 
 

تعليقات القراء