مروان يونس يكتب: إعدام الأرشيدوق المعظم

لم يكن مفاجأة أحكام الإعدامات المتتالية لمحمد بديع المرشد و الأرشيدوق المعظم لجماعة الإخوان المسلمين ، هذا الرجل الذي في رأيهم قد جمع بين الدنيا و الآخرة فهو المسئول الأول عن الاتصال بالآله و تلقي التعليمات الدينية و الدنيوية منه و أيضا من خلال توكيلاً إلهياً حصريا "يدعونه" يستطيع ممارسة دور الآله على الأرض بين العباد سواء نصحاً أو توجيهاً أو فرضاً بالقوة ووصولا لإزهاق الأرواح لعبيده ...

 
و هنا نأتي للإعدامات الثلاثة و هي الأحكام التي صدرت على المرشد و العديد من رجال معبد الأوليمب بالمقطم ، فالمشكلة تعدت إعدام مواطناً مارس و مول و دعم الإرهاب و شارك في قتل الكثير ، فبالنسبة للإعدام الأول ، فقد قتل الأرشيدوق أبناء الجماعة "قتلهم بالدين" قتل شباباً تم اختطافه ذهنياً في سن صغيرة من خلال دعاة المساجد و الجمعيات الأهلية التابعة للإخوان و التي إن لم يعجبك خطابها الديني فرحلاتها وخدماتها ربما تكون مميزة و مناسبة للاستقطاب حسب اهتماماتك، و خلال جو من التدين الزائف "تيجي رجل الزبون" و يدخل في أروقة الجماعة و يدخل في الصفوف منتظراً ليصل يوماً إلى لقب أرشيدوق معظم و يكون مرشداً لجماعة الإخوان ...

 
أما الإعدام الثاني من ضحايا الأرشيدوق فهم من "قتلهم بالثورة" المغيبين من الشباب السائرين عمياناً وراء إرشادات القيادة الثورية للمرشد ، فهؤلاء لم يقتلهم وحده فقد اشترك في قتلهم معه شباب الجماعة وإعلام الجماعة ، فهذه المجموعة تم اغتيالهم أخلاقياً و ثقافياً و تم تغييبهم خلال ثلاثة أعوام من خلال شعارات زائفة بدعوى الثورة، و أحياناً بدعوى الحرية أو التغيير أو الثورة مرتكزاً على فقدان هؤلاء المجموعات للقدوة و الثقافة أو الرؤية الموضوعية للتفرقة بين الطيب و الخبيث فمارس رجال الأرشيدوق عليهم كل أساليب الخداع بداية من الخداع المالي بالمظاهرات و تولي التمويل و صناعة مجموعات امتهنت التظاهر و العنف الاجتماعي وصولاً للخداع الديني و الثوري ، و لكن كان الأرشيدوق رحيماً بهم و حتى يشرعن و يضفي الفضيلة على كل ما يفعلون من مبيقات ، فقد نصب نفسه أيضا ممثلاً لآلهة الثورة فهو المتحدث الحصري عنها و عن آمالها و طوحاتها بل و إراتها ...

 
فنجد أن العنصر المحفز لحركة هذه المجموعة هو الشعارات الثورية و ليس الدينية و لكن هل حقاً الهدف الحقيقي هو الثورة ؟؟

لا أعتقد ذلك ، ففي المقام الأول السبب المحرك و المحفز اجتماعياً تتحكم فيه الرغبة في الانتقام و الرغبة الجارفة للوصول للسلطة كوسيلة أيضاً للانتقام ،  فهذه المجموعة افتقدت البوصلة من أجل هذا الغضب و بدأ تحركها تلك الرغبة ، فوعود الأرشيدوق بتولي قيادة المجتمع و الوصول للسلطة لا سبيل لها إلا بالقوة و من الانضمام للجماعة و لو كفصيل داعم و ليس جزء منها ، ففي ظل انعدام المواهب لأغلب هذه المجموعة كان الأمل الوحيد في مستقبل أفضل هو المرشد...

 
الإعدام الثالث فهو لضحايا الأرشيدوق من أطفال الشوارع "من قتلهم بالمال" ، و لكن ربما قد يشترك في هذه الجريمة مع الأرشيدوق النظام الأسبق ، سواء بالترك في هذه الحالة بدون علاج أو من خلال عدم الاهتمام بان طفل الشوارع سيتغير يوماً و يكبر ليكون مجرم شوارع ، ساهمت تلك الحالة في سهولة تحريك هذه المجموعة و كانت دمائهم وقوداً لمعظم تظاهرات و دعاوى العنف للتنظيم ، فالعوز المالي حولهم لميليشيات جاهزة لتصدير العنف المنظم سواءً له أو لمن يدفع أكثر فاصبحوا ألة فتاكة و خنجراً في ظهر الوطن ، و لنتذكر عدد القتلى مجهولي الهوية أو من لم يتم الإعلان عنهم ستجدهم من هذا النوع من الضحايا ...

 
الإعدام الرابع للأرشيدوق كانت بسبب ضحاياه سواء من مؤسسات الدولة القضائية أو التنفيذية و الأمنية أو السياسية ، و هذه المجموعة "من قتلهم للاختلاف" ، فقد صدر الأرشيدوق العنف على الآخر كهدفاً لكل فصائل التنظيم ووضع باقي المصريين "أهل الكفر كهدف للقتل و الإرهاب مفتياً بجواز قتلهم إرضاءً للرب و ممثله المرشد الآله و الذي من أجل إرادته تراق الدماء و تهدم الدول ...

 
فربما قد أختلف مع كثيرين فأنا أنظر لمضمون الإعدام و ليس جرائم بذاتها ، فالإعدام و الحكم به مطلوباً ليس لأحداث بعينها فقط و لكن لأسباب موضوعية ، بل ربما قد أزيد سبباً جامعاً و هو خيانة الوطن و الذي يحتاج منا أيضا لمقالات أخرى ...

 
و لكن الأهم ، هل سيعيد التاريخ نفسه و يعتذر المرشد أو يعتذر بعض أنصاف الآلهة من مكتب الإرشاد مقابل الإفراج و لو بعد حين و يذهب البعض الآخر لحبل المشنقة متخذين أذكي الطرق للبقاء سواء بخلق مظلومية للإعدام و الإبقاء على التنظيم من خلال الإفراج عن بعض القيادات ؟؟

هنا تأتي المسالة ، فالإعدام ربماً وجوبياً بحكم القانون و لكن كيف يتم إعدام الفكرة نفسها ، فإن لم تتخد كل الإجراءات لضحد الفكرة ووضعها في وضع المزدرأة اجتماعية بل و تجريماً حقيقياً للممارسة لها فلن يتم إعدام  الفكرة ، لن لم يتم اتخاذ كل الإجراءات لتصفية قضية أطفال الشوارع فوراً و دمجهم بالمجتمع فلن يتم إعدام الفكرة ، إن لم يقوم الإعلام بدورة في التثقيف و التوعية و الإرشاد و ترك المزايدات و إعلام "اللطم" فلن يتم إعدام الفكرة ، إن لم يتم تطهير الأزهر و تطوير الخطاب الديني ليخرج من الأفكار القديمة الأسطورية لأفكار حديثة قابلة للممارسة فلن يتم إعدام الفكرة ، إن لم تهتم الأمهات و يهتم الآباء بتربية الأبناء في جو من حرية الفكر و الإبداع و العمل على تثقيفهم و الأهم بإبعادهم عن مصادر الاستقطاب في السن المبكر فلن يتم إعدام الفكرة ...

 
حقاً إن إعدام الارشيدوق و رجال المعبد لن يكون الإجراء الوحيد أو النهائي لإعدام الفكرة معهم ، فإعدام الفكرة هو مسئولية مجتمعنا و دولة باآكملها الآن ...
 

تعليقات القراء