سقراط يكتب: قراءة في شكل الدولة في ولاية الجنرال

إدراك مايفكر به الجنرال أمر ليس في غاية الصعوبة ولا يحتاج لقراءة لغة جسده ولا حتى مراقبة حملته !
الأمر معلن للجميع و من لسانه ، نشكره على وضوحه و اندفاعه في إظهار العديد من الجوانب التي كانت تختفي خلف تلك العبارات المعسولة !
دعونا ننظر للصورة من أكثر من زاوية ، نري أبعاد رؤيته ،اقتصادياً ، اجتماعياً، فكرياً، أمنياً وسياسياً
الرؤية الاقتصادية:
يري الجنرال أن الممول الأساسي لمشاريعه ثلاث محاور ، هبات المصريين بالخارج ، مساعدات الأخوه العرب ، و الاستثمار !!
هبات المصريين بالخارج أمر متروك لهم ، ولا أحد يستطيع أن يجبرهم علي دفع مليم -وهذا حقهم- يكفيك أن تحويلاتهم هي من أهم مصادر العملة الصعبة للدولة !
مساعدات الأخوه العرب التي لا ندرك أبعاد أسبابها ، وهل هذه المساعدات ستستمر !!
و المعروف دوماً ان الاقتصاد لا يقوم علي الهبات و التبرعات أو المساعدات ، و الأكثر وضوحاً أن لا أحد يدفع مليارات في عشق أحد ، ولكن العلاقات الدولية تقوم علي المصالح المشتركة ، ومعنى استمرار الاعتماد علي هذه المعونات أننا سنسير علي خطاهم في التوجهات الخارجية وهذا قيد لا يقل سوء عن ذاك الذي فرضته علاقة الإخوان وقطر على مصر !!
الاستثمار وهو المحور الأهم ، و الذي لم يوضح الجنرال رؤيته لجلبه ، لم يذكر بالطبع رؤيته عن اقحام الصناعة كعمود رئيسي في بنائه الاقتصادي ، لم يذكر رؤيةً حقيقية في حل أزمة البطالة أو كيفية تنمية العمالة
النقطة الأهم هي تركيزه علي خلق سوق بديل في وقت قياسي و هذا بكل صدق لن يستطع أن يفعله أحد غير المؤسسة العسكرية و بالتالي هذا يجعلنا نطرح سؤال مهم ، ماهو دور المؤسسة العسكرية في عصر الجنرال ؟!
إذا ازداد توغل هذا الدور هل هذا يصب في مصلحة الدولة أم في مصلحة المرشح الجنرال ؟!
تلخيصاً للرؤية الاقتصادية (أي كلام في أي كلام ولا توجد رؤية حقيقية للانتقال بالبلاد إلى الأمام )
اجتماعياً:
يتعمد الجنرال إظهار مدي تدينه ، يدرك تماماً أننا مجتمع عاطفته الدينية تحركه ، يدرك أن الناس يطيب لها أن تري في رئيسها الرئيس المؤمن ، لدرجة أني تخيلت أن الجنرال سيهم في منتصف الحوار ليقول (سأعلنها دولة العلم و الإيمان ) كما قالها الرئيس الراحل أنور السادات ، جيد أنه يدرك حياة الحارة المصرية و دوماً كان يؤكد أنه سيتقبل الآخر سواء قبطي أو يهودي حتى !
من الواضح أن مدى علمه لم يجعله يدرك أن هناك فئات دينية أخرى تعاني في هذا البلد !! فئات تُسجن لأنها تمارس عباداتها !!
أحد الحاضرين لقاء روؤساء التحرير قال أن الجنرال يريد أن يفرض قيود علي التجاوزات داخل مواقع التواصل الاجتماعي ! وهذ الأمر يعيد إلى الأذهان سؤال إبراهيم عيسى عندما قال (أنت هتربي الشعب يعني ؟!)
الجنرال وقتها قال "لا" ولكن الرؤية العامة تقول أنه يريد أن لا يكون فقط رئيس للجمهورية موظفاً لدى الشعب و لكن رقيباً أخلاقياً علي أفعالهم !!
الانحيازات الاجتماعية للجنرال تظهر و بقوة عندما رأي أن مطالب العمال مشروعه فقط عندما ترى الدولة أنها مشروعة و خيانة عندما لا ترى الدولة أنها غير مشروعه و قال الجنرال منفعلاً نصاً "أنا لو عندي هديك لكن لو مفيش هديك من فين ، هتاكلوا مصر "
الأزمة أن الدولة هنا هى من تقيّم من له الحق في طلبه و من عليه أن يصمت بحجة أنه "مفيش"
الأخطر ، ماهو دور الدولة هنا عندما يكون "مفيش" ؟! هل ستمارس العنف ضد العمال الصارخين بالحق في حياة أفضل ؟!!
نسيت أن أقول لكم ، أن الجنرال يضيق زراعاً بالتظاهر بالأساس و يمتعض عند ذكر سيرته وفي نفس الوقت يتحدث عن تقديره لإرادة الناس !! و هذا تناقض لا أفهمه ، فكيف له أن يطالب الناس أن يستأذنوا قبل التعبير عن إرادتهم -وهنا القانون يعطيه حق الرفض قبل القبول - و كيف يتحدث عن احترامه لإرادتهم !!
هذا ليس احترام بل دور رقابي فقط !!
فكرياً:
نعلم جميعاً أن الدولة تحارب الإرهاب ، ولكن المرشح الجنرال لم يطرح أطار فكري لمحاربة الإرهاب ، لم يطرح رؤية فكرية حقيقية للنهوض بحالة الإسفاف الفكري !!
أمنياً:
يري الجنرال أن الدور الآسمي للشعب هو مساندة و دعم الشرطة ، بالمناسبة مبدأ "مفيش" المطبق مع العمال يختفي تماماً مع الأجهزة الامنية طبقاً لرؤية الجنرال ، يتناسي الجنرال عمداً أن جهاز الشرطة يحتاج لعملية إعادة هيكلة و تطوير ، يحتاج لمراجعة فكرية ، ويري الجنرال أن الدية تكفي كثمن لحياة الآبرياء الذين يقتلوا خطأً اثناء العمليات الأمنية في سيناء ، دون تحقيق جنائي فيما حدث و كأننا نعيش في قبيلة بدوية وليس في دولة تعيش في الآلفية الثالثة تطمح في تطبيق القانون !!
الجنرال يتهرب من قبوله لفكرة مراقبة المؤسسة العسكرية أمام ممثلي الشعب و هذا يدعونا إلى القلق فيما يخص خلفيته العسكرية التي باتت هي المحرك الأساسي لكل تصرفاته !!
سياسياً:
السياسة الخارجية ، لن تتغير كثيراً عن ما كانت عليه منذ عصر السادات فالرجل لن يخرج من بيت الطاعه الأمريكي ، و حديثه عن رغبته في تنوع دولي في علاقاته الخارجيه أمر جيد ، لكن دعونا نرى القادم !
استوقفتني عبارة "الملك عبدالله كبير العرب " التي لا أجد لها تفسيراً في قاموس العلاقات الدولية ، فالعلاقات الدولية المحترمة قائمة علي فكرة تبادل المنفعة ، الجملة نفسها مرعبة لأنها تفتح الباب أمام سؤال يتكرر
ماهو موقفك إذا تكررت إهانة مواطنين مصريين -كما في السابق -داخل دولة الملك "أبو العرب" ؟!
وهل هذا سيدخلنا في عملية خنوع خارجي و السير طبقاً لخط ترسمه لنا المملكة العربية السعودية ؟!
الجنرال يري أن من مكارم الأخلاق أن يحتمل المعارضة ، كتر خيرك والله يا سيدنا  
لا أعرف هل هذا يدعونا للاستبشار ببناء سياسي ديمقراطي حقيقي أم اننا داخلين علي سياسة "كله بالحنية بيفك !!"
الأكثر دعوة للحيرة رفضه لفكرة تجاوز الدين بالسلطة وفي نفس الوقت لا يجد أي عيب في دعم حزب رجعي ديني مثل حزب النور !!
أود أن أكون تناولت العديد من المحاور التي تناولتها أفكار الجنرال ، ونستطيع أن نستنتج أن الجنرال يتعامل مع الانتخابات وكأنها شئ تكميلي ، حتى أنه بدا و كأنه يتعامل من منطلق أنه بات نزيل الاتحادية !
يرى أن المستثمر دايماً على حق ، يطبق مبدأ "مفيش " علي العامل و "اتفضل خد" مع سيادة الضابط
مرشح رأسمالي بامتياز يطمح في بناء حكم شمولي ، يرى أن الرجعية الدينية تقف عائق أمامه عندما لا تخدمه ولا يتردد في التعاون معها إذا أضافت له !!
لا يمتلك رؤيه اقتصادية حقيقية ، انحيازاته الاجتماعية تظهر اعتماده الكامل علي المؤسسة العسكرية ، لا يمتلك خبرة سياسية !! يتحدث عن حلول متكاملة للإرهاب و الرجعية ولكنه لا ينفذ منها إلا الحلول الأمنية !!
كل تركيزه علي فكرة أن الشعب سيساعد ، الشعب سيتحمل ، الشعب سيتغير و هذا لا يدعوا للتفاؤل
في النهاية لا يسعني إلا أن أقول : أن الشعب إن انخدع في الابتسامة و لين الكلام فالصدمة عندما يطبق عليه مبدأ "مفيش" لن ترحم أي من الذين خدعوا !!

تعليقات القراء