مروان يونس يكتب: هل محلب الحل أم المشكلة؟

نقلا عن الأهرام إبدو
 
الكل يعرف، بل على يقين، من أن إبراهيم محلب المهندس وخريج المدارس الفرنسية كان الوزير الألمع بالوزارة السابقة، والكل أيضا يعلم أن لمعان محلب لم يكن بسبب انتماء سياسي أو أيديولوجي أو بسبب مشاركة فعالة بيناير أو يونيو، فقد دخل محلب وزارة الببلاوي كأحد وزراء الضرورة، أصحاب الخبرة الكبيرة في مجال العمل والذين لزم وجودهم في هذه المرحلة الحرجة، ورغم سابقة محلب السياسية بأحد اللجان الفنية بالحزب الوطني فلم يحسب يوما من الفاسدين فيه أو من أصحاب القضايا الأخلاقية، والأهم من السياسيين، فاستحق لقب التكنوقراط صاحب الإنجاز الكبير... 
 
فسابقة عمل محلب الفنية لا يختلف عليها أحد، لكن الاختلاف كان على الخبرة السياسية اللازمة لهذه المرحلة، هذه الخبرة التي اعتبرها البعض غير كافية للتعامل مع فرقاء التيار المدني وفي وسط هذا الجو شديد الاستقطاب، ولكن هل تحتاج مصر رئيسا للوزراء سياسيا أو تكنوقراطا ناجحا؟ والسؤال الآخر، هل تغيير الببلاوي/محلب سياسيا أم هو أمر للضرورة...
 
قبل الإجابة على هذه الأطروحات يجب أولا إدراك اللحظة السياسية الحالية وأخذ بعض الأمور في الاعتبار، أولها، أن مصر مقبلة على استحقاقين انتخابيين بالغي الأهمية، الأول للرئاسة والثاني للبرلمان..
 
ثانيا، تركت حكومة الببلاوي الأرض مشتعله بسبب عدة ملفات لا زالت مفتوحة، مثل ملف الإخوان والتراخي فيه، الاقتصاد والقرارات غير المدروسة، الاحتقان بين يونيو ويناير، ملف الدراسة المؤجل، ونهاية، تكبيل الدولة بعدة وعود وقرارات اقتصادية صعب عليها تحقيقها مثل الحد الأدني للأجور والذي تفاقمت مع تأجيله للبعض بداية الاضرابات، أما أخيرا فشلها الدولي في معظم الملفات...
 
وعودة إلى الإجابة عن: لماذا محلب الآن في ظل هذا الوضع، فبالفعل جاء توقيت التغيير متأخرا، ولكن كان شرا لابد منه، فوسط هذا الاستقطاب السياسي والاحتقان كان من الموضوعية السياسية وجوب تمرير الانتخابات من خلال حكومة محايدة وعلى مسافة متساوية من جميع الفرقاء السياسيين، فمحلب كتكنوقراط أفضل من الببلاوي الحزبي بكل تأكيد في هذه المرحلة، فأصبح هنا محلب رئيس وزراء بالضرورة أيضا، يفترض عليه إدارة عمليتين انتخابيتين مع اختلاف صعوبتهما من خلال إدارة تقنية وفنية ولوجستية محايدة سياسيا وعلى نفس المسافة من جميع الأطراف لا تنتمي لحزب ما، حتى لا يتم التوجيه للناخبين بشكل من الأشكال أو استخدام أدوات الدولة في الخفاء أو في العلن لصالح تيارا ضد الآخر أو حتى زعم ذلك من المتنافسين..
 
ورجوعا للضرورة الثانية، فمع بطء الببلاوي ودخول مصر في منعطف اقتصادي صعب فـ”محلب" ربما يكون حلا سريعا وإسعافا أوليا لأجهزة الدولة، فمحلب الوزير المبادر وسريع الحركة سيلون أداء الوزراء بكل تأكيد، سواء الجدد وهم تكنوقراط في أغلبهم أو الباقين من حكومة الببلاوي والتي أيضا لم يحتفظ من وزرائها إلا بأصحاب نفس صفات رئيسهم الجديد...
 
أما من الجانب الآخر، فالمخاوف أيضا لها وجهة نظر، فتغيير الببلاوي المفاجيء هو "في الوقت الضائع" وذلك من وجهة نظر التيار المدني الممثل لثورة يناير وصاحب الكلمة العليا في حكومة الببلاوي، فبدأوا يعبروا عن مخاوفهم بأن التغيير الآن هو المشكلة الأكبر، فمعظمهم يتحدث أن محلب لن يستطيع تضميد الجراح أو اجتياز الأزمة بهذه السرعة بل سيكون التغيير عنصرا فعالا في زيادة سرعة السقوط مستندين إلى أن تكنوقراطية محلب عيبا وليس ميزة، فمن وجهة نظرهم أن أصل المشكلة المصرية  ذات المظهر الأمنى والاقتصادي سياسيا، ولن يكون رئيس الوزراء الجديد حلا لها مع تشابك الأوضاع بين جميع التيارات...
 
ولكن موضوعيا فخروج الببلاوي يقضي على الميزة النسبية للتيار المدني الممثل ليناير، كما سيفقده القدرة على التفاوض من داخل مؤسسة الدولة، بل سيعود به لحدود 29 يونيو وعلى نفس خط الانطلاق في سباق البرلمان القادم وهو البرلمان المشكل للوزارة القادمة، فبخروجهم فقدوا أهم المميزات وهي وجودهم في دائرة صناعة القرار أو التاثير عليه...
 
فربما محلب يكون بارقة أمل لبعض أو أغلبية الناخبين في تقديري من حزب الكنبة "الناخبين الجدد" والذي ظهر تأثيرهم البالغ باستفتاء الدستور، ولكن في باطن الأمر فهو أيضا مشكلة لباقي التيارات السياسية المتصدرة للمشهد الإعلامي والتي ستضع محلب تحت ضغوط مبكرة مما سيضطره لخوض معارك سياسية شاء أو أبى، وهي خارج تخصصاته التي نعرفها، وأخيرا كل الأمنيات بالتوفيق لمحلب ولمصر بالخروج من الأزمة مع التمنيات أن يكون، الحل وليس المشكلة.
 
تعليقات القراء