مروان يونس يكتب: التسوية الشاملة لآثار «الربيع العربي» تبدأ من «القرم»

 
ربما لن يعجب هذا المقال هواة التسطيح للأمور أو هواة اعتبار أن الصدفة هي الباعث لكل شيء، الباعث للحياة والمستقبل والمحرك للمواقف الدولية والمحلية وحتى ردود الأفعال، كما لن يعجب هواة الانغلاق والانكفاء على الداخل ورفض قراءة المشاهد السياسية من وجهة نظر عالمية تخرج عن نطاق الحدود الجغرافية أو الحسابات التقليدية...
 
ومن هنا ابدأ الحديث عن رأي ربما يشاركني فيه كثير من المحللين سواء في مصر أو الخارج، وهو أن الربيع العربي وصل لطريق مسدود، ففي رأي هذه المجموعة والتي أنتمي إليها أن الربيع العربي لم يكن إلا خطة للاستفادة القصوى من حالة الاحتقان الاجتماعي والسياسي داخل المنطقة والتي أغلب قاطنيها من الشباب..
 
كانت الخطة الغربية والناتجة من الاستقراء الجيد والتحليل الموضوعي للأوضاع السياسية والاجتماعية للمنطقة مفادها وهدفها الرئيسي هو محاولة الاستفادة القصوى مما هو متوقع من ثورات أو تغييرات كبيرة بالمنطقة، ومن ذلك دفعها لتحقيق مصالحها من خلال توجيه الزخم الديناميكي الشعبي على الأرض الناتج من الثورات المتوقعة نحو نتيجة في مضمونها تحويل الصراع الثوري نحو النمو والرخاء لصراع عرقي ديني أيديولوجي تكون ثماره هي التفتيت الشامل لهذه الدول ومن ذلك زيادة السيطرة والتأثير، والأهم منع هذه المنطقة من أي فرص للتطور والنمو حتى لا تؤثر على توازنات القوي بالمنطقة والتي صنعوها ويرعوها وتحقق مصالحهم...
 
فكان السبيل للسيطرة لتحقيق المكاسب الجدية والتوجيه والسيطرة الكاملة على هذا الزخم الثوري المتوقع هو الصناعة المبكرة لها ومن ذلك اختيار ودعم قياداتها والذين ينتمون أيديولوجيا وتقع دوائر مصالحهم في دوائر مصالح الغرب، ومنه تم دعم الإخوان "الشريك الغربي الاستراتيجي الأول" للوصول للسلطة ولا مانع من مجموعات ليبرالية موالية لتصدر المشهد في الأيام الأولى لتوفير دعم الرأي العام العالمي...
 
فكان لهذا التوجه عدة مكاسب و أهداف، أولها إرجاع جميع الإرهابيين بالعالم لأرض الوطن "العربي" أي "هذه بضاعتكم ردت إليكم" ومنه تنظيف العالم نظريا من الإرهاب…
 
ثانيهما تفتيت الدول تحت دعاوى الفيدرالية والحكم الذاتي مما سيكون له أثرا على القضاء على جيوش المنطقة بالكامل لنصل إلى سلام دائم “جبري” مع إسرائيل…
 
ثالثا زيادة السيطرة على المنطقة من خلال خلايا الإخوان وهم التيار الديني السني المنظم والقادر على التوغل في أروقة الحكم لعدة دول وحكم البعض الآخر ليستمر في تغذية وقود الفتنة مقابل الحفاظ عليه في الحكم…
 
رابعا دفع هذا التيار السني الإخواني المسيطر إلى صراع مسلح مع التيار الشيعي الممثل في إيران لحرب كبري بالمنطقة بأيادي أبنائها، نتيجته دخول الدول المفتتة  "سابقا" في صراعات عرقية ودينية تكون عنصر جذب للإرهابيين على مستوى العالم مما يحفظ الأمن العالمي، الأهم من خلال هذا الصراع العربي عربي المستمر يتم بيع السلاح وإنعاش الاقتصاد الأمريكي...
 
خامسا القضاء على أي فرص لهذه الشعوب في التطور بسبب الثورات أو التغييرات أو الاصلاحات والتي كانت متوقعة والتي إن حدثت بشكل طبيعي ووطني ربما ستتغير خريطة القوى بالعالم.
 
سادسا عدم استفادة المنطقة من ما يعرف بالهبة الديمغرافية والتي هي بسبب أن شعوب المنطقة أغلب مواطنيهم من الشباب ولديهم موارد ومن ذلك تكون دولهم على أعتاب بناء كبير للمستقبل...
 
سابعا و"بالمر”ة القضاء نهائيا على أي فرص لإعادة بعث الامبراطورية الروسية واستعادة نفوذها واستخدام "ركوب" الربيع العربي "المصنوع " في ضرب روسيا في دوائر مصالحها مع ليبيا وسوريا ثم إنهاء النفوذ الروسي بإيران سياسيا من خلال مباركة نووية الدولة في الأمم المتحدة...
 
كانت هذه هي الأهداف الرئيسية لدفع الربيع العربي والتي استند إليها القرار بالبيت الأبيض بضرورة صنعه في واشنطن بدلا من أن تكون ولادته طبيعية في الدول العربية، فتم صناعة السيناريوهات لكل دولة كل حسب هواه وحسب شكل شعبه...
 
ولكن مع مرور الوقت ورغم مرور الخطة بنجاح في السنة الأولى بدأت أركان الخطة الأمريكية في الاهتزاز من دمشق، فرد الفعل الروسي كان كبيرا وقويا ومنه رفض أي تدخل للناتو لدفع الثوار “أمريكيي الصنع" نحو القضاء على نظام البعث هناك، فوقعت الولايات المتحدة في الخطأ الأول والأكبر ومنه استدعاء جيشها المدعوم من وراء الستار جيش القاعدة / النصرة للأحداث بل تصدره لها،
فمع رؤية جرائم النصرة/ القاعدة في حق الإنسانية تمارس يوميا هناك تغيرت البوصلة العالمية، فبدلا من دفع بشار للسقوط تحول أغلب العالم الآن لوضع الحياد، فتحقق بذلك الانتصار السياسي الأول لروسيا هو الابقاء على الأسد الحليف "رغم تحفظنا على ممارساته"، ومنه زاد ثبات الأسد وزاد تأثير موسكو على المنطقة وتغير المفهوم من ثورة لحرب أهلية وقريبا وربما لحرب بشار ضد الإرهاب...
  
استمر الأسد في موقعه تارة منتصرا وتارة متراجعا ونهاية ومع مرور الوقت أصبح متسيدا للموقف العسكري قادرا على القضاء التام على مقاتلين القاعدة عند الضوء الأخضر...
 
فمن مصر ومع التفاف الجيش والشعب تحت مظلة من الدعم السياسي من الخليج بدأت المقاومة للإرادة الأمريكية وسكرتيرها السياسي قطر الصغيرة، وها هو بشار يتماسك ويكتسب أرضا وشعبية يوما بعد يوم، ومن فلسطين تجد فتح تكتسب أرضية وشرعية يوما بعد يوم من خلال مباركة القاهرة لها ولسلطتها، والأخطر ها هي روسيا بدلا من أن تفقد النفوذ بدأت تستعيد النفوذ يوما بعد يوم بالمنطقة بل ربما بدأت في اكتساب أصدقاء جدد بعد أن فقدتهم قسريا جراء خسارة الحرب الباردة مع الولايات المتحدة التي خسرتها سابقا…
 
لم يتبقى للكاوبوي الأمريكي المغامر" أوباما" من الأهداف في البلاد العربية سوى القليل، فمصر لم يتبقى فيها سوى أملا ضعيفا في محاولة إشعال الوضع مجددا بواسطة تغذية حالة الغليان والاحتقان وفقدان الأمل للشباب ودفعهم لكره دولتهم لصناعة ثورة جديدة "غير متوقعة"، أما في ليبيا فقد تقلصت الخطة مع تردي الأوضاع لتتشارك فقط في نفوذ الروسي الإيطالي، أما تونس فهي غير مؤثرة دوليا ولن يمكن استخدامها إلا كمنطقة تجارب لعملية تحويل تكتيكي لتيار الإخوان من الشكل “إرهابي مباشر” إلى شكل من الإرهاب السياسي لصناعة نموذج تركي للإخوان هناك...
 
لم تتخيل واشنطن أن تقع في هذا المأزق وبدلا من أن تدفع الأمور للتهدئة دفعتها للغليان مرة أخرى في أوكرانيا محاولة ضرب روسيا ضربة موجعة تجعلها تخرج أيديها ونفوذها تماما من الربيع العربي..
 
فتم إشعال الوضع في أوكرانيا معتقدة أنها من خلال سيطرتها على المعارضة المنتمية لأوروبا ستستطيع السيطرة بذلك على القرم وهو الإقليم الأوكراني تحت الحكم الذاتي، ومنه يتم السيطرة على أنابيب الغاز الروسي والسيطرة على ميناء سيباستوبول الراسي فيه أسطول البحر الأسود الروسي إضافة إلى الاستفادة من ثروات هذا الإقليم الكبيرة وتوجيهها أوروبيا وضرب المصالح الروسية، أو كحل بديل، مقايضة مع موسكو يكون رفع اليد الأمريكية عن دعم المعارضة وترك أوكرانيا بالكامل تحت الوصاية الروسية في مقابل رفع اليد السياسية الروسية الداعمة للخلاص من الإخوان بالدول العربية وترك الدول العربية بالكامل للقرار الأمريكي منفردا...
 
ولكن مع اشتعال الموقف بشكل كامل نجد أنفسنا أمام احتمالين، الأول حربا عالمية للكل في الكل لا نتوقعها لنية دولا عديدة في الصراع الاتجاه الفوري لتسوية شاملة لآثار الصراع والذي إن اشتعل سيطول الجميع في العالم،
 فمع فقدان أمريكا للسيطرة على أهالي القرم وعدم تمكنها من إشعال الموقف هناك باتت هذه التسوية وشيكة وربما نستقرأ بعضها أو نتوقعه سويا..
 
فللوضع الأوكراني سيكون القرم لروسيا تماما وستكون أوكرانيا ذات نفوذ أمركي أوروبي وبوصاية روسية من خلف الستار لتكون المبادلة، القرم ستكون روسية تماما وتحت إدارة موسكو كإحدى المحافظات وربما ببعض الامتيازات النسبية لأهاليها ولبرلمانها وقياداتها وأوكرانيا بنفوذ أمريكي أوروبي رئيسي...
 
سوريا، ستكون هناك تسوية سياسية بجيش مشترك يتحول من جيش بشار والجيش الحر معا ليخوضا حربا "ضد الإرهاب" بغرض القضاء على مرتزقة القاعدة تماما وذلك في مقابل خروج سياسي لبشار ودخول أمريكا في جزء من النفوذ داخل سوريا ولكن تحت مظلة روسية...
 
بالنسبة لليمن، سيستمر التقسيم وسيتقاسم النفوذ في دويلاتها السعودية وأمريكا والابقاء على الوضع هادئا وعلى أساس المصالح المشتركة..
 
أما قطر، فأعتقد أنه بعد تسوية الآثار سينتهي دورها وستكون على اعتاب تغيير كبير لإخراج ما تبقى من رجال الشيخة موزة من القصر وربما تنازلا عن العرش للفيلق الآخر والسعودي الهوى..
 
تونس، ستستمر على ما هي عليه كآخر فرصة لإعاد بناء الإخوان كتيار سياسي عادي وستخرج من المعادلة، ومنه يسمح للإخوان لإعادة صياغة نوذج أوردوجاني ولكن بنكهة عربية كحزب سياسي علماني وسترتبط عودتهم للمشهد ولو بعد سنوات مرتبطة بالنجاح في ذلك..
 
بالنسبة للوضع الليبي، ستتشارك مصر وروسيا النفوذ شرقا على إقليم برقة وأوروبا غربا وذلك للحفاظ على الحدود لمصر من جراء الإرهاب والجماعات المسلحة، فستكون الثروات مشاركة بين أوروبا كترضية عن أوكرانيا وما حدث فيها ومن جانب آخر لمصر وروسيا قسريا تحت دعاوى الأمن القومي…
 
بالنسبة لفلسطين المحتلة، سيعود الوضع بين فتح وحماس هادئا وحربا باردة ومن ذلك العودة سياسيا لحدود 24 يناير 2011 ويستمر الوضع للحفاظ على مصالح إسرائيل...
 
وأخيرا بالنسبة لتركيا، ستترك على وضعها السابق للربيع العربي وسيترك حزب العدالة والتنمية المدعوم أمريكيا في مواجهة الأحزاب الأخرى المدعومة روسيا ولكن مع حياد التيارات الدينية الصريحة المنتمية لجولن والذي خرج من اللعبة هناك ستكون أيامها القادمة شاقة وسيتركون لمصيرهم فقد انتهت الحاجة منهم وقتيا...
 
أما مصر العزيزة، فأعتقد أنها ربما ستخرج أحد أكبر المستفيدين من الربيع العربي ومن الأزمة وذلك لاضطرار جميع الأطراف حاليا للحفاظ على جيشها وامكانياتها لتلعب دورا جديدا كشرطي للعرب بالكامل وممثل لهم ومتفاوض رئيسي عنهم في كل القضايا، وربما ستضطرنا الظروف شرقا لزيادة التعاون العسكري في الخليج للضرورة في مواجهة إيران، وغربا فرض النفوذ بإقليم برقة لحماية الأمن القومي وجنوبا أيضا بالسودان لحماية المياة ووقف أعمال الإخوان السودانيين، مما سيزيد بالطبع قدرات مصر على تنفيذ الإرادة والتأثير بل سيجعلها اضطراريا للغرب في مصاف إحدى القوى الكبرى القادمة ليتم صنع توازنا جديدا للمنطقة من خلال لاعبا محايدا جديدا على غرار شكل "دول عدم الانحياز" بين الشرق والغرب وهي القاهرة...
 
ربما قد أخطئ في التقدير في البعض أو الكل فيما سبقـ ولكن المتوقع والذي أعتقد فيه أن التسوية النهائية على الأبواب وسيكون الخاسر الأكبر فيها أمريكا ومن معها من خلال حرب النفوذ والتي بدلا من أن تزيد نفوذها من خلالها بدأت تفقده بالعالم أجمع لصالح دولا كثيرة ومنها مصر.
 
 
تعليقات القراء