دعاء سليط تكتب: حرية التعبير وشراب الشعير «تشرب بيرة»

"ماء + شعير + خميرة" معادلة سهلة، طبقا لموسوعة الويكيبيديا "البيرة" أو شراب الشعير مذكور في سجلات التاريخ في مصر القديمة وفي العراق، بمعنى أنه عربي المنشأ، كالعادة الحاجة أم الإختراع، مؤكد أن هناك عدة أسباب لظهور البيرة، فبعض الدراسات أثبتت أنها أستخدمت كدواء، لأنها تقتل العديد من البكتيريا في الجسم، وعلماء ذكروا أن الشعوب قديما اهتموا بالزراعة لضمان استمرار إنتاج البيرة وليس العكس، وقد تسببت في دعم إستقرار المجتمع بشكل عام حول مناطق الزراعة قبيل ما يقرب من 20 ألف عام ... في النهاية كانت لها أهميتها مثل الطعام، وأصلها عربي ودعمت الاستقرار، لا تتعجب عزيزي القارئ، فأنت أمام شعب صاحب مزاج.
 
الرغبة في الضحك والابتسام طبيعة لا يمكن تجنبها، خفة الدم سمة يتمتع بها المواطن المصري، فمثل ما اخترع البيرة، اخترع النكتة، حتى وصلنا لمرحلة السخرية من صورتنا  في المرآة، أسمع أحد القراء يسأل، وما العلاقة بين هذا الحديث وذاك؟، وأقول أنا، البيرة والسخرية بينهم ارتباط ضمني من قديم الأذل، وخاصة لمن يشرب البيرة ذات تركيز الكحول الأعلى، ليحصل على الحد الأدنى من السُكْر، فيدخل في حالة مختلفة فيها بهجة، علي حد تعبيرهم.. ولماذا الحاجة دائما الي محفز للبهجة، سؤال يَعْبُر فِكري دائما، الإبتسامة في حياتنا أصبحت في حاجة مستمرة للدعم، والمزاج دائما حافز جيد إذن، لك حرية الإختيار، إشرب "بيرة"، أو شاهد "البرنامج".
 
في الحالتين أنت تبحث عن الحالة، وتشتريها بمقابل، فتشتري الشراب، وتشتري الضحك عندما تفتح التلفزيون لمشاهدة الكوميديا في أي صورة، هل يعي المواطن المصري أنه أصبح وسيلة لأكل العيش؟، فهو باب رزق للعديد من المذيعين والممثلين، الكل يبحث عن الحدث الساخر، هل تستطيع السخرية دعم استقرار الوطن، كما زعم البعض عن تاريخ البيرة؟ ما أراه الآن صاحب الحدث الذي تقوم عليه السخرية وهو المواطن، يزداد فقرا، بينما يسبح القائمون على صناعة السخرية في نعيم الفضائيات، في دولارات كانت أو يوروهات، العلم عند الله.
 
عودة "باسم يوسف" و"البرنامج"، أثارت حالة من الجدل والصراع بين المشاهدين، البعض يرى الحلقة صارخة، والبعض يراها تحفة فنية، وأنا أضعها تحت عنوان "عاد ليحترف"، باسم يوسف، الطبيب سابقا، ومن وجهة نظري مبدع  ومحظوظ ، إمتهن السخرية، له كل الحق في الاختيار، الجمهور له كل الحق أيضا في القبول أو الرفض، علامات استفهام جالت بخاطري، لماذا كل هذا الخلط بين برنامج كوميدي وبرنامج إصلاحي؟ لماذا لا يعترف الساخرون أنهم يمتهنون السخرية؟ ولماذا يسمح شباب مستنير أن يصنع تابوهات جديدة، في عصر نزعم أنه كسر الكثير من التابوهات؟ هل يعترف كل طرف بالمساحة التي يتمتع بها الآخر من حرية التعبير، إذا كانت مهنة يتقاضي عنها المال، فهو مستفيد، هل يمكن الاكتفاء بالبرنامج مرآة للمجتمع، لماذا الإصرار علي تجاهل بيت القصيد وهو "أكل العيش".
 
كنت ولا زلت لا أجد من يصيغ بجدية تعريف واضح للشعار الدائم، حرية الإعلام وحرية الرأي وحرية التعبير، ضمن متطلبات الثورة، حتى الأطراف التي علت الهتاف مطالبة بها لا تستطيع منحي تعريفا علميا دقيقا ، فتجد من يريد التعبير عن الرأي بما يتناسب مع أفكارة وقناعاته، بينما يرفض حرية تعبيرك عن الرأي بما يخالفه، البعض شن حربا شرسة لجعل البرنامج منارة للقيم، رغم كل التجاوزات اللفظية والإيحاءات في المحتوى،  وهناك من يعتبر حرية الرأي مفتوحة لكل ما هو أخلاقي أو غير أخلاقي، وكأن حياتنا معمل للتجارب، وهناك من لايقبل أي تجاوز ويرفض مصطلح للكبار فقط، فالجدل الجديد سيكون لتعريف ما هو أخلاقي او غير أخلاقي وتستمر حالة الدوران في فلك الشعارات.
 
كانت الحاجة الملحة لصناعة "البيرة"، قديما سببا في التنمية والإستقرار، لماذا لا تكون السخرية حافز بالمثل؟ لا أعتقد أن أهمية البيرة العلاجية كانت أول أسباب إستخدامها، بل كان السبب هو أهمية الحالة المزاجية التي تصنعها، فمذكور تاريخياً كونها شريك في العادات والمناسبات الإجتماعية قديما للشعوب، والسؤال لماذا لا نجد من العقلاء من يتدخل ليستغل الحاجة المُلحة للسخرية ويحولها إلى دافع إجتماعي للتغيير، علاج للفيروسات الحية في المجتمع، مزاج مبهج نخرج منه أحيانا بحالة من السكر فتنسينا ألم المعيشة، بينما آخرون يساهمون في حل السلبيات بدلا من تبادل الاتهامات؟ كل ما أرغبه أن يكون التخصص حلا، لا تجعلوا من "البرنامج" أكثر من كونه برنامج كوميدي ساخر، فيفقد قيمته ويفقد إبداعه، وتفسده التقييمات والصراعات السياسية والمجتمعية.
 
إذا سألت الشيوخ من الفلاحين لأفادوك، إذا أطعمت البعير القمح، زاد وزنه واعتاد الكسل، أما إذا أطعمته الشعير، خلا جسمه من الشحم وازداد نشاطاً، فهل يبقى لنا من فائدة الشعير ما يجعل فينا نشاط، فالبسمة نشاط وراحة، فليشاهد البرنامج من يشاهد وليقاطعه من يقاطع، وتكون حرية التعبير وحرية الاختيار سواء، وليأكل باسم عيشه من الابتسامة لا أكثر، ورجاء ألا تنافقوه، وابحثوا عن القدوة في من يستطيع أن يتحمل عبء الحرية والأخلاق معا، لصناعة مستقبل أكثر أملا وأكثر أخلاقا وإبداعا، اتركونا لالتقاط الأنفاس، فكما قال هاموشير لعبدوس الوزير "البعير هلك".
تعليقات القراء