مروان يونس يكتب: لبؤس النخبة أسباب ودوافع (2).. «نخبة الدولة ونخبة مدينة الإنتاج»

استكمالا للمقال السابق والذي تحدثنا فيه عن النخبة المعارضة المدنية والنخبة الدينية، نأتي للنوع الثالث من النخبة ولنسميه النخبة الحاكمة أو نخبة الدولة، كانت هذه النخبة نتاج لجنة السياسات وحقا كانت الأوفر حظا، فقد سمح لها بممارسة الفكر والابداع بل التنفيذ، ولكن بالطبع كان لابد لإدارة تحويل أفكارههم وتوجهاتهم لواقع الانتماء لدائرة نخبوية أخرى ترعاها أجهزر الدولة وذراعها السياسي وهو الحزب الوطني وسميناهم برجال النظام...
 
ظهرت مواهب كثيره حقيقية من خلال الحزب الوطني وكانت تعتمد في نخبويتها على الجانب التقني فقط فأخرج لنا عصر مبارك العديد من التكنوقراط البارعين في مجالات متعددة ولكن من منتصفي الطموح، فلم يكن يسمح ليكون لك طموح سياسي متلازم مع طموحك التكنوقراطي، فسقف الطموح وزير بارع يعمل في صمت لأداء مهمته، أو سياسيا منتصف الموهبة بمكانا قياديا بالحزب، ولكن كان لابد أن يكون حامل لقب "نخبة الدولة" غير قادر على التواصل مع الجماهير والتأثير فيهم، فكان الحاجز الداخلي أمام القيادات الشعبية والسياسية والثقافية الحقيقية داخل الحزب هو الحزب نفسه، فلم يسمح بظهور كوادر نستطيع أن نقول عنها قيادة سياسية متكاملة الموهبة والقدرات...
 
ولنا مثلا في يناير عبرة، فقد ظهرت القدرات المحدودة للحزب الوطني في التأثير بشكل بالغ، فقد تحول مع الوقت لشركة كبيرة تديرها المصالح وبدون أي عقيدة سياسية أو أيديولوجية، فلم يستطع الحزب الوطني الحفاظ على نفسه أو التطور أو التواصل الحقيقي مع الجماهير أو حتى دفع المصريين للالتفاف حول أي قضية سياسية أو أيديولوجية أو اجتماعية خلال 30 عاما، ومنه كان مشهد الحشد بائسا في مواجهة يناير وتعبيرا بالغا عن فشل ذريع لتلك النخبة، وللإنصاف وإن كان هناك مؤيديدن على الأرض فقد كانوا مؤيدين لمبارك...
 
أما النوع الأخير من النخبة المصرية هي نخبة مدينة الإنتاج من المفكرين والمثقفين، عاشت هذه النخبة بسلام خلال آخر عشرة سنوات قبل يناير داخل أسوار المدينة واعتمدت في الظهور على الشاشات على سوابق خبرة حقيقية في المجال الثقافي والإبداعي المصري وهنا نتكلم عن النخبة التي لم تنتمي لاحزاب سياسية، كان لهذه النخبة أثرا كبيرا في توجيه الشعب المصري خلال العقد الأخير اجتماعيا وثقافيا وكان لهذه النخبة أيضا الفيلق الداعم لها من مقدمي البرامج والمعدين، تماشوا مع معطيات عصر مبارك فكانوا يعارضون بما أتيح لهم من مساحات وأحيانا يؤيدون لو اقتنعوا بالإنجاز، لم تختبر هذه النخبة في أحداث هامة أو وضعا استثنائيا خلال سنوات الجمود وكان الاختبار الحقيقي لهم هو أحداث يناير وما قبلها وما بعدها، فرغم أني أعلم علم اليقين أن أغلبهم قد استقرأ الوضع وخطورته ومن ذلك خطورة دخول الإخوان للعبة السياسية بدون أي اتفاق مسبق أو وجود أي قناعة للاخوان بضوابط اللعبة السياسية الديمقراطية فقد انساقوا وراء عاطفة ثورية جياشة جعلتهم يفقدوا دورهم تدريجيا وينساقوا مع موجة رغبات شباب الثورة وذلك بدون أي توجيه لها، بل شاركوا بصمتهم عن توعية المصريين عن خطورة الإخوان، وبصمت النخبة ارضاء لموجة الشعبية العاطفية للثوار تم طمس الحقائق عن المصريين ومن ذلك تاريخ الجماعة الأسود عن الناخب المصري خلال الفترة الانتقالية مما أثر سلبا على أختياراته..
 
ونهاية اشتركت أغلب أيقونات نخبة ما قبل يناير في عدم توقع "يناير" أو التابع لها من أحداث، ولم تتوقع حوادث الفترة الانتقالية، لم تتخيل تداعيات انتخاب الاخوان، لم تعتقد في سقوط مرسي إلا قبل السقوط بثلاث أيام، اختارت الإخوان كتيار مدني، ظهروا في جميع اللقطات وأكلوا على كل الموائد، فكان حالهم البائس تعبيرا عن بؤس الشعب المصري...
 
فلم يكن عجيبا سقوط مصر في خياراتها السياسية الواحد تلو الآخر، فالقماشة التي صنعت منها النخبة رديئة جدا فلم تجد مصر وبعد ثورتين قيادات أو مواهب حقيقية لتتصدر المشهد للآن، ولكن قبل الختام وللإنصاف لنعترف أنه "إلا فيما ندر" وهم من استطاعوا الصمود أيا كان مكان معركتهم داخل تياراتهم أو مع الدولة...
 

المقال القادم والأخير "عن النخبة الانتقالية" ونخبة الثورة  

تعليقات القراء