مروان يونس يكتب: جمهورية الجامعة

منذ ردح من الزمان، كان يعيش تيار الإرهاب السياسي بعصر مبارك  خلال معادلة سياسية وقانونية وواضحة المعالم ومتناغمة مع السلطة، وللتأكيد والتوضيح كانت هذه المعادلة علنية لممارسي السياسة والمهتمين بالشأن العام وذلك قبل 25 يناير، هذا اليوم الذي يعتقد الكثير من الثوار وبالأخص براعم وطلائع الثوار أنه يوم ولادة التاريخ...
 
بررت طلائع وبراعم الثوار المعارضة أيام مبارك وهذا أمرا طبيعيا، ولكن المدهش أنها بررت إلصاق أي أفعال وشرعنتها على خلفية أنها كانت بغرض معارضة النظام، بل امتد التبرير لتبرير الأفعال الإجرامية سواء ضد السلطة أو المجتمع أو ضد التيارات المنافسة، وامتد الخيال في التبرير ليطول إرهاب الثمانينات والتسعينات الأسود حتى وصفوه أنه كان بسبب قمع النظام وانعدام الحرية، وبعد يناير أصبح بكل أسف فعلا تمهيدا ليوم الوحي 25 يناير!!
 
جاءت يناير ونزل الوحي على شعب مصر كما يعتقد البراعم، وبدأ العنف يأخذ منحنى جديدا وكان التبرير مستمرا، فها هو حرق الأقسام وقتل أفراد الشرطة واقتحام المؤسسات العامة مبررا، ها هو العنف السياسي مبررا وممتدا منذ حرق الحزب الوطني مرورا بأقسام الشرطة ووصولا للتصفية المعنوية لكل من عاش من السياسيين "على غير الهوى" قبل يناير، ها هي انتخابات دولة يناير وبداية التبرير أيضا للعنف السياسي لاقتناص السلطة من المنافسين حتى لو منعوا بالقوة من ممارسة حقهم السياسي، ثم جاء العصر الأسود للعياط وهو العصر الذهبي لانعدام القانون، وبدأت السلطة التنفيذية ممثلة في حزب الحرية والعدالة تمارس العنف بأدوات الدولة تارة ضد الشعب وتارة ضد المؤسسات الأخرى، وكان الأكثر بؤسا من المظاهر هو محاصرة تيارات الإرهاب لأكبر محاكم مصر تحت رعاية الرئيس...
 
وخروجا من العنف السياسي ووصولا للحظة الحالية وظهور بوادر جمهورية الجامعة المصرية، هذه الجمهورية والتي أصفها بهذا الوصف نظرا لأنها الأرض الوحيدة التي هي خارج سيطرة السلطة المصرية حتى بدا المشهد كحدود بين دولة مصر ودولة الإخوان، حدود يرعاها مبدئا عجيبا أنه لا عودة للأمن ولا عودة لممارساته في عصر مبارك كتبرير لقرار منع دخول الشرطة وعدم ممارسة سيادة الدولة خلف أسوارها!! فماذا كان حال الجامعة حينها؟؟
 
 
فلمدعي البؤس السياسي من الإخوان لنتذكر سويا سنوات ما قبل نزول الوحي، ولأتحدث معكم عن حقيقة هذا العصر...
 
فبالنسبة للجامعة في هذا التاريخ السحيق من الزمان، كانت مرتعا للإسلام السياسي حكمتها موضوعيا أسر للاخوان وللسلفيين من تياراتهم المتنوعة، سيطروا على الخدمات وجمعوا الطلاب حولهم، ففي عصر مبارك السحيق سيطروا على الطلبة والمتفوقين فكان أغلب الأساتذة والمعينين نتاج رعاية أسر الإسلام السياسي بفروعه وهو الظاهر الآن بما لا يدع مجالا للشك...
 
لم يخدش هذه السيطرة سوى سيطرة شكلية من شباب الحزب الوطني على بعض الحفلات والرحلات والخدمات والتي عادة كانت للنوعية الأخرى من الطلاب، فلم ينقص التيارات الأخرى سوى شرعية العمل والفوز بالانتخابات والتي كانت تزور لطلبة الحزب الحاكم..
 
لم يعكر هذا التناغم "من خلف ستار القانون" بين الدولة والتيارات الدينية سوى بعض الحوادث الإرهابية أو السياسية وعندها كان يتم القبض على المتورطين وهذا أمرا طبيعيا في ظل هذه الظروف أو في أي دولة كانت...
 
وللتذكرة وقبل أن ننسى، ففي عصر البؤس المزعوم لتيار الإسلام السياسي قبل يناير، كانت جماعات الإسلام السياسي تحتل النقابات بالكامل وذلك تحت مرأى ومسمع الحزب الحاكم، احتلوا أهم النقابات وأغناهم المهندسين والأطباء، انشأوا الجمعيات التابعة لها، قدموا الخدمات، انتشروا في هذه الأوساط وضموا العشرات للجماعات الدينية بأنواعها المختلفة، ولصديقي البرعم أو الثوري الطليعي لتنظر بعقلك كم هو صعب للآن انتزاع أي مقاعد بهذه النقابات منهم وعلى الرغم من ثورة يونيو...
 
أما عن العمل الاقتصادي، فهذه التيارات سُمح لها بممارسة كل الأعمال الاقتصادية وفي كل المجالات ولكن وبكل أسف كانت السلطة الشريرة تمنع غسيل الأموال وتجارة السلاح وكانت تعاقب على التخابر والإرهاب أما في دون ذلك فهو متاح، ولك المثل أيها الثائر الطليعي في رؤيتك لحجم المال السياسي المتاح مع هذه التنظيم والذي كان في العصر البائس فوق القانون وخارج السيطرة بأمر السلطة...
 
ولنأتي أخيرا للب المقال والمزايدة الحالية على الحريات سواء من بعض رقيقي القلب في أماكن صناعة القرار أو من أساتذة الجامعة أو من الطلاب على حد سواء..
 
ففي رأيي أن مشكلة الجامعة مشكلة مفتعلة بامتياز، الكل يزايد، سواء طلبة لا تريد عودة الأمن لضمان السيطرة والنفوذ للإخوان وتحت الغطاء الثوري، وأساتذة رقيقي القلب يدعون أنهم يقاوموا عودة الأمن للجامعة ويقفون مع تنفيذ القانون وفي باطن الأمر ينفذون رغبات عدد ليس بقليل من الإخوان داخل مجالس كل جامعة فيهم...
 
ومن الجانب الآخر استمرار للارتخاء السياسي من السلطة التنفيذية لا يبرره إلا رغبة في استمرار الوضع كما هو عليه..
 
فنعم كان الأمن يتدخل سياسيا ونعم جميعنا ضد سيطرة الأمن على العمل السياسي داخل الجامعة أو توجيهه أو التدخل في تعيين أساتذة الجامعات أو اتحادات الطلبة أو منع الأنشطة الشرعية، ولكن نحن ضد صناعة قناعة زائفة وكتابة تاريخ غير حقيقي عن ظلم للتيارات الدينية بالجامعة، ومن الجانب الآخر فنحن بالتأكيد ضد اعتبار أسوار الجامعة مناطق حدودية خارج نطاق سيادة الدولة مما يعرض مصالح الطلاب والوطن للخطر على يد الإرهاب ومعاونيه، وأخيرا فلو عادت الدولة الأمنية للعمل بالجامعة فستكون أهم أسباب تلك العودة هي ممارسات هذا التيار.
تعليقات القراء