مروان يونس يكتب: لماذا لازال لـ «رجال هامان» وضعا مؤثرا في المشهد السياسي

طالما انتشرالجهل والفقر والمرض في مجتمع، فللبؤس واليأس الكلمة العليا، ونظرا لاستشراء هذا الإحساس يكون وعد الآخرة بحياة أفضل "بالجنة" أكثر بريقا وأكثر واقعية من وعد الدنيا بتحسين الحياة "مستحيل المنال"، فيكون للشيخ أو الكاهن وهم تجسيد لـ(هامان) بالميراث الاجتماعي المصري التأثير الأكبر على عموم الشعب...
 
فوسط اليأس لا عجب من مطالبة شريحة بالمجتمع بالدولة الدينية ومنها طلبهم لتصدر كهنة المعبد المخلصين للسلطة فهم الممثلين الشرعيين للرب والآخرة حسب اعتقادهم بل هم أصحاب الهبة الوحيدة المتاحة وهي الجنة والحياة الأفضل،  فتحسين أركان دنياهم حلما بات مستحيلا،  ولتترسخ تلك القيادة الاجتماعية والسياسية كان لزاما لكهنة المعبد  تمكينا منطقياً للظهير الاجتماعي الداعم لهم  وهم "الغوغاء" قليلي الحظ والفئة الأقل بالسُلم الاجتماعي تعليما وثقافة واقتصادا...
 
ولكن تبقى المعادلة الأشد بؤسا، فأتباع الرب "ادعاء" والكهنة المخلصين "ادعاءً أيضا"  وضعف قدرات القيادة للجميع يصبح حينها متلازمة للسلطة، فجميعهم يعاني ضعفا قسريا بالقدرات نتاج دورة حياتية في منتهى الصعوبة للبعض وبسبب خروجه من المعادلة السايسية للبعض الآخر، فعند الوصول للسلطة تكون النتيجة المنطقية الوحيدة هي الفشل في الممارسة أو القيام بأي إضافة أو نهضة تُذكر، فبدل من أن يتحرك المجتمع نحو الأمام فيكون الطريق الوحيد المتاح جبيرا هو التحرك نحو الخلف واستعادة الدين المفقود "في رأيهم" ومنه محاولة جذب عموم المجتمع لنفس المربع...
 
فمع تصدر الفصيل الاجتماعي الأكثر بؤسا للمشهد وأيضا مع قيادة الكهنة، تبدأ الدولة الدينية الفاشية في وضع أركانها وتبدأ تتحول السلطة من دنيوية إلى دينية ويقترن عصا فرعون بعصا موسى فتتغلظ السلطة في ممارساتها ويكون الأمن والعنف هو الممارسة الوحيدة المتاحة لفرض السيطرة، فبدل أن تجد السلطة تحافظ على القانون تبدأ في التحول لتحافظ على الرب، فتنتشر فتاوى الهرطقة والتجديف والتكفير ومنها إعلان حرب تطهير أرض الرب من الكفار وعملاء الشيطان ويبدأ المجتمع في التفاعل من خلال معادلة اجتماعية طاردة للفكر وللعلم وللثقافة "مظاهر الشيطان" وهكذا تبدأ العصور المظلمة...
 
وعودة للوضع المصري والذي يتشابه كثيرا مع ما سبق من سرد حول كيفية وصول الإخوان للسلطة ولماذا كانت كل رسائلهم موجهة للبلطجية وجمهور التوكتوك والمصريين أصحاب الحظ الأقل في الثقافة والتعليم، ومنها أيضا نتذكر كيفية استخدامهم للبسطاء في حرب طواحين الهواء ضد الكفار من مخالفيهم للراي أو مشاركيهم في السلطة، نرى أيضا عند الربط لماذا استخدم الإخوان الجهلاء ووضعوهم في صدارة المشهد لطمأنة فصيلهم الاجتماعي الرئيسي وهم "الغوغاء" على وصولهم للسلطة ووجود ممثلين لهم بالقصر، نجد أيضا سببا لظهور متلازمة التكفير ففتوى شيخ الزاوية أو كهنة هامان في أروقة المعابد على امتداد الخريطة هي فوق القانون فتم تحويل كل شيء لمعركة على الدين وعلى الاخرة والتي ادعوا ولازالوا يدعون أنهم القائمين عليها والحافظين لأسرارها والمالكين الحصريين لصكوك غفرانها...
 
ولكن في مصر، سقط الإخوان وبقي الخطر الرئيسي وهو استمرار تواجد وتفاعل فصيلا أجتماعيا كبيرا كداعم لهم ولتلك الفكرة، فصيلا مقتنعا بها ليس بسبب ديني بحت أو قناعة راسخة بل بسبب فقدانهم للسلطة ومحاربتهم لاستردادها في ظل وضع سياسي غاب لممثليهم أي تواجدا فيه، فلا وجود لأم أيمن ولا وجود للبلكيمي لاوجود لأبو اسماعيل ولحظته الفارقة، لا وجود للمرشد أو الكاهن الأكبر، لا وجود للحديث الشعبوي عن فودة  أو مغامرات الدولة مع الراجل بتاع المعادي ، لا وجود لأحاديث التمييز العنصري والطائفي وانتهاء فترة الانتقام من الآخر، وبالطبع لا وجود للعياط راعي الفوضي و التي استمتعوا بها فترة من الزمان ...
 
حقيقة كان لهذه الفترة الأثر الأكبر في استفاقة جماعية لشعب مصر "الواعي منه" وأصحاب الحظ الأوفر في الثقافة، و منه ظهور إدراك جماعي لخطورة تلك المجموعات والتي تمكنت من السلطة لفترة ما، فبدأ المجتمع وطبقاته الأكثر حظا في الدفاع عن نفسها والقيام بثورة 30 يونيو لتحسين الوضع، ووضع مصر على الطريق الصحيح ومنه بداية القضاء على الفاشية الدينية لكهنة آمون الجدد وهم الاخوان المتأسلمون، لكن الأهم ماذا عن الفصيل الاجتماعي وأتباع المعبد المخلصين....
 
لم يكن يوما هدم معابد الآلهة على جبل الأوليمب نهاية المطاف، ولكن المعركة الحقيقية هي العمل على استفاقة المجموعات الداعمة لعصر العياط والمؤمنة به أو المجموعات المستمتعة بالفوضى من مدعين الثورة، ولكن عذرا لن تتم الاستفاقة أو إنقاذ الوضع أمنيا فقط، فالسؤال الأهم كيف سيتم بث الأمل لهذا الفصيل الاجتماعي بحياة أفضل؟ أو كيف ستتم التنمية المناسبة الشاملة ومنها الثقافية لهذا الفصيل حتى نخرجه من الظلام بدلا من أن يجذبنا هو إليه في يوم قريب بسبب عدده أو عنفه الإلهي لبعضه والاجتماعي لغالبيته، هنا ياتي السؤال الصعب...
 
فبدون عملية تنوير كاملة للمصريين سيبقى هذا الفصيل عرضة لأي توجيه داخلي أو خارجي للفتك بمصر وبالمجتمع كافة، إما باسم الرب أو بسبب الانتقام والذي يحرك غالبيتهم في عقلهم الباطن بدون علم ولشرعنته يلصقونه بالرب رافعين الأربع أصابع رمزا وطلبا لعودة لأبناء آمون وأتباع هامان المخلصين إلى المشهد السياسي أو في قول حديث أبناء المرشد.

 

تعليقات القراء