مروان يونس يكتب: في هذه المرة اسأل قبل ما تركب.. مصر رايحة على فين؟؟

 

سيناريوهات "ماذا بعد 25 يناير 2013"

 
عبّرت أحداث يناير 2013 عن كثير من شعب مصر وعن المعضلة  السياسية الحالية بين جميع اللاعبين على الساحة، معضلة وتشابك مستمر في الآراء والتوجهات والقناعات امتلأت بسببها الميادين رفضا بدءا من سياسات الرئيس مرورا بالرئيس وحزبه وصولا لرفض تواجد الجميع على الساحة...
 
بدأ الصراع السياسي منذ اتخاذ جماعة الإخوان المسلمين أولى الخطوات نحو تحقيق حلم إمبراطوريتهم التي تبدأ من ولاية مصر، هذا الحلم الذي يستلزم لتحقيقه أولا تحويل مصر من جماعة وطنية لجماعة دينية أو تدعي أنها كذلك...
 
ففي 2013 يجب ألا نقع في نفس خطأ 2011 ونبدأ كمصريين في اتخاذ قرارات غير موضوعية لحل أزماتنا وقتيا وبغض النظر عن عواقب هذه الاختيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية...
 
فسواء كنت تبحث عن استقرار "مهما تكلف من تنازلات" أو عن تحقيق أهداف الثورة غير مكتملة  "مهما تكلف من تضحيات" يجب ألا يغيب عنك الواقع الموضوعي لعواقب اختياراتك خلال هذه الفترة الحرجة من التاريخ المصري الحديث، فبكل وضوح يجب أن تستشرق (إلى أين؟) وذلك قبل أن نبدأ السير في اختيارنا الوطني القادم ...
 
لذلك رأيت أن أحاول إلقاء الضوء على سيناريوهات ماهو قادم وليس اللحظة الحالية والفارقة، وتقدير مبسط حول ماذا بعد الاختيار؟؟ سواء النضال الثوري فقط أو السياسي والثوري معا أو اختيار جزرة الاستقرار المزعومة والتمتع بها ولو لشهور فقط... فاختيارك الآن له نهايات وسيناريوهات متعددة يجب أن نعلمها جميعا: 
 

السيناريو الأول: وهو اختيار السلطة الحالي (خليهم يتسلوا):

 
إن السير على الوضع الحالي واستكمال حلم الجماعة بدون تغيير واختيار تجربة الدولة الدينية سيكون مزيج بين النموذج الإيراني السعودي، أي تكون الدنيا والمُلك مسئولية العشيرة (فقط) من مكتب الإرشاد ورجاله بالمؤسسات التابعة له من قضاء وجيش ومجالس نيابية، ومن ذلك سيطرة الإخوان على الحياة السياسية والدولة بالكامل فوقيا من خلال مرجعية عامة للدولة ذات نكهة إيرانية تسمى (مكتب الإرشاد) والذي مع الوقت ورسوخ دولتهم سيكون هو الحَكم والحاكم فيها، لن يكون ممكنا تشكيل أية كيانات سياسية خارج المرجعية الدينية والقائم عليها مكتب الإرشاد...
 
أما بالنسبة للحياة السياسية الجديدة تحت مرجعية (الإرشاد)، ستكون الأحزاب كلها تدور من أقصي اليمين المحافظ والمتطرف لأحزاب البناء والتنمية و ما شابهها -الجهادية- ويمين الوسط -وهي أحزاب النور و الوطن- و حزب وسطي حاكم بأمر المرشد -وهو الحرية والعدالة- و يبدأ اليسار من أحزاب إسلامية إصلاحية متحررة من مصر القوية وصولا لتحررية منفتحة مثل حزب مصر وهو أقصى اليسار الممكن في ظل دولة المرشد...  (ملاحظة، اليمين محافظ واليسار متحرر).
 
أما بالنسبة للمرجعية الدينية أو دين العباد سيكون هو غنيمة التيار السلفي والذي يعتقد أنه من خلال السماح له قانونا بتدجين الأفراد على مبادئهم الدينية سيتغير الولاء للمواطنين مع الوقت من دولة ومرشد إلى الولاء لله والممثل في مشايخهم بكل المساجد...
 
أما عن الأعراض على المدى القريب لهذه الدولة فسيمر بالمجتمع للوصول لهذه النهاية بمجموعة من الاحتجاجات والعنف المتتالي، تختلف قوة هذه الاحتجاجات لتتناسب مع قوة اجراءات التمكين الجارية تنفيذها وذلك لحين تسييس الجيش والشرطة لإرادة المرشد وإعلانها ذلك رسميا خلال انضمامهم لرؤية الدولة الجديدة وإعلان التمكين رسميا...
 
وفي هذه النماذج من الفاشية (حكم العُصبة) يكون من الصعب الخلاص منها إلا من خلال صراع طويل يأخذ الشكل الدموي في أغلب الأحوال، فالفاشية لا تؤمن بالديمقراطية أو تبادل السلطة إلا في الجماعة أو العُصبة الحاكمة فقط، وللخروج يستلزم كفر اجتماعي بالعُصبة من خلال انهيار كامل للدولة إما بسبب خسارة حرب (يتم التجهيز لها حاليا بسبب دعم الإرهاب) أو من خلال انقسام داخلي للعُصبة بقوة السلاح بينهم وانشقاق جيوش وما شابه على خلفية دينية أو اجتماعية أو سياسية، وبالنسبة لمصر أعتقد الزمن الافتراضي حتى تكتمل نواصي النهاية هو من 10 إلى 20 سنة بحد أقسى...
 

السيناريو الثاني: تغيير الدستور فقط (المسكن الموضعي):

 
هذا الحل سيسمح بالممارسة السياسية على الوضع النضالي كما ستسمح هذه الحالة في وجود انتخابات شبه صورية قادمة تتيح تواجد ديكوري بالشارع للقيادات السياسية مما سيعطي مشروعية دولية افتراضية للنظام ومساحة ضغط غير مؤثرة للتيارات المدنية في ظل حكم الجماعة...
 
خلال هذه الفترة (التي أعتقد انها ستتراوح بين 6 أشهر إلى 3 سنوات على الأكثر) سيسمح حزب الحرية والعدالة لجميع الأطراف بالتواجد باللعبة السياسية ولكن بسلام حذر، فمن طرفه يتغلغل بالتدريج ليسيس كل المؤسسات ومن خلال أصدقائه من الأحزاب اليمينية المتطرفة ستتغلغل دينيا داخل قناعات المجتمع لتدجين أجيال جديدة....
 
عيوب هذه الحالة أنها حالة (ترانزيت)، سيستمر الصراع السياسي لحين صدام قادم (تم تأجيله سياسيا) مما يرجعنا لمشهد 25 يناير 2013 جديد.. وفي هذه المرة سيكون الشعب في انفصال عن القيادات التي انتهت إكلينيكيا وتأخونت بالمصلحة كما تسيست مؤسسات متعددة وبهذا نعود للسيناريو الأول مع مقاومة أراها ربما أقل نظرا لبداية غياب القيادة المعروفة عن الساحة...
 

السيناريو الثالث: تغيير الوزارة (شكليا) مع الدستور:

 
يكون بتعديل وزاري لحكومة توافقية -(شكلا وموضوعا)- إخوانية، يتم من خلالها تمكين التيارات المدنية من المشاركة الصورية في صنع القرار السيادي بالدولة ويكون بإسداء حقائب وزارية غير مؤثرة لها مع احتفاظ الإخوان بكل الوزارات الهامة والمؤثرة في حركة الدولة، بهذا يتم التأجيل للمواجهة لبعض الوقت الإضافي (القليل جدا) وبالطبع سيكون التأجيل مرتبط بقدرات الوزراء (التوافقيين) على مقاومة إرادة الأخونة وتنامي سلطات الرئيس مع الوقت ومرتبطة أيضا باستمرار قدرات الشارع على المقاومة...
 
نهاية سيكون سيناريو مشابه للسيناريو الثاني تماما مع إضافة فترة لالتقاط الأنفاس وفترة إضافية ممكنة لتسييس مؤسسات الدولة بهدوء أكثر فأعتقد أن الإجراء الوزاري الشكلي سيخدم الإخوان أكثر من التيارات المدنية...
 

السيناريو الرابع: حكومة توافقية حقيقية وتغيير دستوري (تحول النضال إلى صراع سياسي):

 
يتم في هذا السيناريو من الحلول باسداء حقائب وزارية فعالة ومؤثرة بجميع مؤسسات الدولة للتيارات المدنية من خلال تشارك حقيقي بالسلطة مع التيارات الدينية، هذا التشارك سيكون غرضه تحمل مسئولية مشترك وإعادة بناء مؤسسات الدولة تحت أعين التيار الشعبي المدني (المقصي حاليا) والإبقاء على دولة مصر كجماعة وطنية قادرة على مقاومة التحول لجماعة دينية ودولة إرشاد..
 
كما ستكون قابلية التأجيل أو الصمود أمام مسلسل الأخونة مرهونا بقدرات الوزراء الجدد من خارج الجماعة على المقاومة  وفاعليتهم في إعادة بناء مؤسسة القضاء ودولة القانون المهدومة، كما سيكون لازما لهؤلاء الوزراء حتى يتثنى لهم القيام بدورهم وقوف الشارع فاعلا، أضافة للمؤسسات السيادية من جيش وشرطة ومخابرات كداعمين لهذا التوجه خارجين وموقفين تحولهم السياسي الداخلي الجاري كما ستتيح لهم هذه الحالة نفض غبار السياسة عنهم والعودة للوضع الوطني سريعا...
 
مشكلة هذا الحل هي الرهان المشترك على وطنية وقدرات القيادات السياسية المشتركة بالحكومة وعلى عدم تغلغل آفة التسييس إلى الآن داخل المؤسسات السيادية (لا تكون قد تأخونت بعد)...
 

السيناريو الخامس: سقوط النظام (مدنيا):

 
في هذا السيناريو (الحالم) حل جذري للأمر وتعود مصر كجماعة وطنية وليست دينية، وهذا الحل يحتمل نوعين من السقوط، الأول هو السقوط الهاديء وهو سقوط شرعية محمد مرسي فقط دون الحزب والجماعة، وتأتي من تغليب الجماعة اللصالح العام على مصالح العشيرة وبداية اقتناعهم أنهم ليسوا حكاما بإرادة إلهية ولكن مصريون عاديون مثل الجميع و اعترافهم بأنهم لن يستطيعوا إدارة مصر وحدهم، ومن ذلك ايضا قناعتهم بضرورة عمل المراجعات الفقهية اللازمة لإقناع القواعد ملتهبة المشاعر بفتح مصر الديني وحصد الغنائم إلى قناعة بناء وطن يتسع للجميع سواء...
 
ولتقنين هذا الاتفاق وليكون آمنا للجماعة والحزب من غدر أيا من المؤسسة العسكرية أو الأحزاب السياسية أو شباب الثورة فربما يكون الاتفاق بوساطة الأب الأمريكي للجماعة ضامنا لالتزام الأطراف الأخرى وضامنا للسير بمصر وبالجماعة خلال درب العدالة الانتقالية وليس الانتقامية الانتقائية كما يجري الآن...
 
النوع الثاني هو السقوط العنيف للنظام، ويكون من خلال سقوط النظام بأحزابه الدينية المنتمية للجماعة والرئيس، وهنا سيكون صراعا بين المؤسسة العسكرية والأمنية معهم على محاور متعددة من خلال رجالهم بكل فروع الدولة المتبقية ومن خلال إمكانية حدوث إرهاب وأعمال تخريبية ببعض المناطق وإضافة لغضبة المؤيدين بالشارع...
 
قد تستمر هذه الحالة من العنف والعنف المضاد على نبضات متعددة ولمدة لن تتجاوز 5 سنوات، ولكن موضوعيا، وحتى لو وصلت مصر لهذا الحل لابد أولا ألا يعتقد أحد أن أفكار الإخوان والجهاديين لن تختفي بضغط زر "نجحت الثورة" ولكن سيستلزم الصالح الوطني استمرار التعاون بين الدولة والمتبقى من هذه الأحزاب للعمل سويا على توافق جديد وعهد جديد، يسمح بانضمام هذه الفصائل مع الوقت بشكل نافع وفعال بالمجتمع، فهم ليسوا الحزب الوطني غير الأيديولوجي ولكن مجموعات ذات قناعات أيديولوجية دينية لا يحدها جدار...
 

السيناريو السادس: دخول الجيش كلاعب وحيد:

 
هنا يكون هذا الدرب اختياريا للجيش من خلال ترك الشارع ملتهبا لفترة طويلة بلا تدخل مما يجعل تدخله في شكل ناصري ليزيح جميع اللاعبين ليلعب وحيدا من خلال دولة عسكرية كاملة المعالم ومن خلال نابليون جديد وليس ناصر جديد..
 
أعتقد أن هذا التدخل ربما يكون مقبولا للبعض لبعض الوقت ومرفوضا من الغالبية لكل الوقت فتدخلهم أيضا واستمرارهم بهذا الوضع سيضع الشارع كله في مواجهة قريبة معهم (وإن صدقت نواياهم) ربما تتخمر بذرتها خلال فترة لن تتعدي 4 سنوات على أقصى تقدير، كما أعتقد أن الجيش المصري وطني بالقدر الكافي وأذكي من الدخول في هذه اللعبة التي ستنتهي آجلا أم عاجلا وسندفع ثمنها جميعا...
 
نهاية...
 
أتمنى أكون قد أصبت في تقدير النهايات المتاحة لكل الطرق المتوفرة لحل الأزمة وفي نظر جميع اللاعبين المؤثرين سياسيا، و لكن لازالت مصر مبدعة والخروج لحلول خارج الصندوق وهي عديدة جدا ولا حصر لها، فآثرت بكل وضوح إلقاء الضوء على السيناريوهات بغض النظر عن إمكانية حدوث أي منهم وبغض النظر عن ما أراه من حلول، فقدرات المصريين على تحمل المغامرة أو تحمل القمع تتفاوت...
 
ففي هذه المرة، اسأل قبل ما تركب... مصر رايحة على فين ؟؟
 
تعليقات القراء