مروان يونس يكتب: بداية المباراة النهائية للثورة.. بين الإخوان ودولة المؤسسات

اليوم يوم فارق في تاريخ مصر، ليس بسبب إعلان نتيجة الاستفتاء المشبوه أو بسبب انتصار الاستقرار التخيلي أو بسبب دخول مصر عصر الإسلام و بداية الفتح الوهابي للقاهرة ولكن لحظة فارقة لأنها نهاية الموجة الأولى لثورة شعب مصر.

 
رضينا أم لم نرضى، سواء منعتنا عواطفنا أو لم تمنعنا فقد انتهت الموجة الأولى بواقع لا يمكن تغييره أو تبديله، فكما بدأت الثورة بلاعبين فاعلين عدة مثل التيارات المدنية الثورية.. شباب الثورة .. الأحزاب السياسية .. الإعلام الباحث عن الحرية .. النقابات العمالية .. القوى الخارجية .. انتهت واقعيا على لاعبان أساسيان فقط على الساحة السياسية، هذان اللاعبان هما المتبقيان من الموجة الثورية الأولى.. اللاعب الأول هو التيار الديني بفروعه ومشتقاته والممثل في الإخوان  واللاعب الثاني هو القوات المسلحة المصرية الممثل المتبقى لدولة المؤسسات...
 
الواقعية السياسية تفرض علينا الآن رؤية الموقف بوضوح، فطالما كان الإخوان والمجلس العسكري شركاء في المصلحة كل من وجهة نظره السياسية، الأول يرى أن مصلحة مصر معه ومعه فقط بصفته التيار الأقوي انتخابيا والقادر على ملئ الصناديق وحامل صك الغفران والمتحدث الرسمي باسم الإرادة الإلهية  والممثل لها على عباده...
 
أما الثاني يرى أن مصلحته كانت مع الإخوان للمرور والعبور من الأزمة التي بدأت منذ أن تولي السلطة بعد التنحي في وسط ثورة الشارع وتعدد التيارات السياسية به والتي كان معظمها لا يرى خروج مصر من الأزمة إلا بعيدا عن القوات المسلحة و إن صدقت نواياها...
 
فكان الطرفان -الجيش والإخوان- هما رفقاء الاضطرار فقد أدركوا مبكرا أنه لا خروج من الأزمة إلا من خلال التعاون المشترك، فبالنسبة للإخوان لا استلام للسلطة إلا بالتعاون مع القوات المسلحة وبالنسبة للجيش لا مرور لأزمة الثورة إلا من خلال التوافق والتعاون مع الإخوان، فكان عبور الموجة الأولى للاعبان يدا بيد، يد الجيش كممثلا لمؤسسات للدولة المصرية والإخوان كممثلا للتيارات الدينية وإرادة الله المزعومة وإرادة الولايات المتحدة أهم رعاة الربيع العربي..
 
مرت الأيام تباعا على شعب مصر لمدة 24 شهر كاملة رفضت عواطف المصريين رؤية هذه الشراكة، هذه الشراكة التي كانت لازمة في رأيي المتواضع (فقط) للمستقبل القريب كتعبير عن مصلحة الطرفين بدرجاتها فردية وجماعية وصولا للوطنية...
 
وبدون الخوض في النوايا الوطنية للطرفين  والتي بالتأكيد تجد قبولا عند جمهور المتيمين بكل منهم وعودة للواقعية، فقد كانت شراكة لازمة لمرور الوطن نحو التمكين كرغبة لله سبحانه و تعالى من طرف و إرساء لدولة المرشد لطرف ومن الطرف الآخر العبور بمصر بأقل الخسائر بعيدا عن التدخل الدولي الأمريكي الراغب تماما في أخونة مصر كجزء من الهلال السني الجديد تونس – ليبيا –مصر –سوريا و الأردن ضربا للهلال الشيعي و إيران، فأراها كانت شراكة وجوبية للطرفين خلال المرحلة الأولى للثورة للخروج من التصفيات الثورية المبدئية وصولا للمباراة النهائية بينهم ...
 
ورجوعا للواقع ولنراجع الأحداث فقد كانوا شركاء سياسيين بداية من استفتاء مارس صاحب شرعية الاستقرار وشرعية الرب ومرورا بقوانين الانتخابات ثم انتخابات الشعب نفسها والصمت على ما حدث بها من تجاوزات، بقاء مجلس الشورى وتأجيل كل الدعاوى لذلك، انتخابات رئاسية يعرف معظمنا الآن ما دار فيها، غض البصر عن الطرف التالت، مبادلة غض البصر عن اقتحام الأقسام والسجون الحمساوي بأي شيء حدث بالثورة من أي طرف، شراكة المنفعة من الآثار القانونية للإعلانات الدستورية و التي أتاحت التغيير الفرعوني داخل مصر وحتى داخل مؤسسة الجيش وأخيرا لدستور ممرر بإرادة إلهية أمريكية مزدوجة، غض البصر عن محاصرة المحاكم، هدم دولة القانون ومن ذلك وأخيرا إرضاء الراعي الرسمي لمصر والربيع العربي والإخوان  الجيش في نفس الوقت و هو الولايات المتحدة الأمريكية..
 
انتهت الموجة الأولى للثورة بنهائي مرتقب بين لاعبان أساسيان كل منهم خلال الرحلة ضم له مجموعة من الكتل المؤثرة أو اللاعبين الفاعلين السابقين، وها نحن على مشارف المباراة النهائية...
 
اللاعب الأول هو الجيش ووزير الدفاع و مما لديهم من مؤيدين من شارع متحرك جديد و فلول يزيد عددهم يوميا، استقرار وكنبة، غالبية السلطة القضائية، قارة أوروبية مرتعشة من جراء الفوضى التي خلقتها الخطة الأمريكية إلى الآن بالشرق الأوسط والتي أنجبت فاشيات دينية ناشئة على حدودها الجنوبية وأضافة لذلك لاعبا جديدا وهم الثوار اليبراليين أنصار الدولة المدنية الذين يتمنون تدخله لنصرة دولة القانون والخروج من سيناريو التمكين وإن كان بفقرة ثورية عسكرية مؤقتة..
 
ولاعبا آخر هو الإخوان والرئيس وقد انضم في صفهم التيارات الدينية ورؤوس السلطة التنفيذية الجدد من وزارات، قضاة الاستقلال، قضاة من أجل مصر وخارجيا كتائب حماس ومال قطر و القوة الناعمة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية..
 
و بالتأكيد الطرف الثالث الذي هو على وضع الاستعداد لفرض أي فوضى للشارع المصري وكل ذلك مدعوما بوديعة مبارك وهي 5 مليون صوت جاهزين للحركة في أي اتجاه مقابل القليل من الجنيهات ووعد بالجنة ...
 
فمع بداية المباراة النهائية الآن لازالت النتيجة بكل تأكيد التعادل بدون أهداف ولكن في محاولة لقراءة القادم بطريقة واقعية، فالإخوان حسب نصائح ميكافيللي بكتاب الأمير تعلم أن لابد من تدمير كل من ساعدهم للوصول للحكم فمهما أعطوه لن يرضى فهو يري نفسه الشريك و ليس التابع..
 
أما بالنسبة للجيش فالمعادلة تختلف فهو يبحث عن فرض واقعا جديدا واستبدال دور الداعم والشريك الخفي لدور المنافس أو البديل لحكم الإخوان ،ليس رغبة منه ولكن واجبا عليه فرضه الفرص المتاحة القادمة وأيضا البعد الوطني للمؤسسة العسكرية الذي أراه لازال متواجدا ولوبشكل خافت إلى الآن…
 
فدور المنافس هو الدور الواقعي الآن وسط حالة غليان داخلي للمؤسسة نشعر بها جميعا، ووسط أزمة اقتصادية قادمة بالتأكيد و انهيار أمني مقترن بانهيار دولة القانون وبسبب الخواء السياسي وامتلاؤه بالمعارضة السيامي الضعيفة التي لا تستطيع التدخل لانقاذ الوطن لافتقادها الحرفية ولتحول الكتلة الفاعلة بالشارع لغالبية من الكنبة والفلول ربما لا ترى فيهم القيادة اللازمة للمرحلة الحرجة وتراهم بأقصى تقدير محاميا لهم لدى السلطة أو مفاوضا فقط باسمهم...
 
فستكون المباراة النهائية للثورة مباراة كبيرة حقا فرضها الأمر الواقع على طرفي الصراع الحالي فكل منهم يجد نفسه بديلا للدولة التي انهارت، البديل الأول دولة المرشد إيرانية النكهة و الثاني دولة يوليو ناصرية النكهة وكل من الدولتين تجد الآخر عدوا لها و بدأت تستشعر خطورته، فالكل سيستعين بأوراقه كاملة في المستقبل القريب، فكما سيستعين الإخوان بحلفائهم لتمرير إرادتهم الحصول على البركة الدولية على يد الشيخ أوباما ستسعى القوات المسلحة للحفاظ على الشارع المتحرك والقيادات الليبرالية كما ستحافظ على حالة الغضب الداخلي سواء بالمؤسسة أو الشارع و التي من خلال أحدهما أو كلاهما ستجد مبررا مشروعا للتدخل والاستمرار في دور المنافس لحين إشعار آخر...
 
فالمرحلة الجديدة يجب أن يعرف كل اللاعبين السياسيين السابقين أنهم على دكة الاحتياط وربما سيتم الدفع بهم يوما لحسم الأمور في أي وقت لصالح أحد الطرفين، فالإخوان تنتظر سقوط للمؤسسة العسكرية سواء ناعما من خلال تمكين رجالها بالداخل معتمدين على الدعم الرئاسي لحركتهم أو من خلال فرض واقعا موضوعيا لمعركة جديدة يكون جيش مصر أحد ضحاياها تمهيدا للانقضاض عليها وفرض الولاء الجديد للمرشد بدلا من الشعب ..
 
أما الجيش فينتظر استمرار الاخفاق الواضح داخليا للجماعة و الذي ينذر بفوضى قادمة على أقل تقدير اقتصادية قد تمكنه من تغيير الواقع التنافسي لاعادة عجلة القيادة لدية أو بطشا إخوانيا و فوضى أمنية من خلال محاولات فرض التمكين من خلال الدستور و قوانية أو تزوير واضح متوقع لانتخابات مجلس الشعب القادمة على الأبواب ..
 
و أخيرا لازال هناك حلا آخر وهو ظهور حصانا أسود بالمباراة السياسية ربما قد يأتي من بعيد من داخل المؤسسة العسكرية أو من الشارع المصري رغم أن الاحتمالات ضعيفة جدا فكل الأطراف الآن تلعبها سياسة صرف وعلى سنة العارف نيقولا ميكافيللي ففرص النضال الآن ضعيفة رغم أنها لازالت متاحة...
 
و لكن يجب أن تعي جميع الأطراف أن الواجب الوطني هو الإبقاء على دولة مصر وأن السير وراء توجيهات الولايات المتحدة معصوبي العين ابتغاء الرضاء الدولي نوعا من الخيانة العظمى...
 
فسير العميان الحالي للطرفين وراء الإرادة الأمريكية متوهمين مباركة أمريكا ترسيخ حكم ديني بالمنطقة وهابي النكهة حبا فيه واقتناعا به بل إقناع النفس أن أمريكا قد رضت عن حماس الإبن الشرعي لنظام المرشد خطئا سياسيا قاتلا، هذا الخطأ في التقدير هو الذي سيمرر تنفيذ الأجندة الاوبامية والوصول بمصر ومعها المنطقة يوما قريبا لمصاف الدول الداعمة للإرهاب مما سيستدعي تدخل قوي الخير الغربية (المزعومة) لنزع يد الإرهاب عن مصر وتقسيمها لاحقا من خلال التدمير الشامل..
 
و أخيرا نصيحة لمن يريد أن يغير الواقع الحالي ، إن الولايات المتحدة نفسها تتحلي بواقعية شديدة وفي حالة القدرة على فرض واقع موضوعي على الأرض  واستقراره لمدة 6 شهور بحد أقصى سيجد هذا الواقع أي كان المباركة الأمريكية أو على الاقل غض البصر دعما مباشرا له..
 
ولنا مثلا كيف فرض الإخوان الواقع الموضوعي لدستور المرشد على الولايات المتحدة وحظي ببركة غض البصر منها رغم أن الدستور الذي تمناه أوباما خلاف ما مرر و زور حاليا بغرض التمكين للتيار الديني.. 
 
فهل ستستطيع المؤسسات السيادية فرض واقعا موضوعيا جديدا؟؟ 
 
في النهاية يجب أن يكون لاعبا واحدا منتصرا على الأرض ...
 
تعليقات القراء