«جاسوس قصر الرئاسة» 2 .. «السادات» رفض تدخل رئيس وزراء اسرائيل للإفراج عنه

الموجز - إعداد - محمد علي هـاشم 

علي العطفي الذي ولد في النصف الثاني من العشرينات في أسرة متواضعة لم يحصل إلا على الشهادة الاعدادية.. وقد احترف (التدليك) و(المساج) وهي حرفة تعلمها على يد الأجانب الذين هاجروا من مصر خوفا من التأميم والمصادرة.. ومن ثم لم يتردد علي العطفي في أن يقول: إنه (الأب الشرعي للتدليك والعلاج الطبيعي في مصر).. ولأنه برع في حرفته فقد تهافتت عليه الأندية الرياضية الشهيرة.. وانتهى به المطاف في النادي (الأهلي).

الأمر الذي جعل علي العطفي يشعر بأكبر صدمة في حياته عدم حصوله على عمادة معهد العلاج الطبيعي بسبب تواضع مؤهلاته العلمية ولم يكن من الممكن تجاوز هذه الصدمة إلا بالحصول على الدكتوراه بأي ثمن.. وكان هذا الثمن للأسف هو خيانة الوطن.

لقد ذهب بقدميه الى السفارة الاسرائيلية في العاصمة الهولندية أمستردام.. وقدم نفسه الى مسئول الأمن بالسفارة وعرض عليه التجسس لحسابهم على بلاده.. وتعرض الى اختبارات صارمة استمرت أياما.. وتعرض لجهاز كشف الكذب.. ووضع تحت المراقبة حتى وجدوه صالحا يمكن الوثوق فيه والاطمئنان اليه.. بل أنهم اعتبروه جاسوسا مثاليا.. فهو شخصية على علاقة وثيقة بكل رموز السلطة والمجتمع في مصر.. ويصعب الشك فيه "عادل حمودة" للبيان الإماراتية.

الخائن في قصر الرئاسة

عاد «العطفي» إلى القاهرة دون أن يدري طبيعة مهمته بعد، كل ما حصل عليه كان أدوات التجسس العادية من حبر سري وشفرة وأجهزة الإرسال والاستقبال وكاميرا دقيقة، فيما تكرر سفره إلى هولندا عدة مرات، خضع فيهم لتدريبات في كبرى المستشفيات على العلاج الطبيعي، حتى تحول إلى خبير بالفعل في مجال التدليك، ونجم تحدثت عنه صحف العالم ومصر، وانهالت عليه الدعوات لمحاضرات في جامعات العالم، ولم يكن كل هذا إلا جزءً من خطة «برجمان» للدعاية لعميله، حتى يلفت نظر الرئيس.

في ذات الوقت، افتتح أول معهد للعلاج الطبيعي في مصر، وتقلد «العطفي» منصب العميد، إلا أنه لم يستمر في منصبه طويلًا قبل أن يلفت أنظار رئاسة الجمهورية، التي تلقى منها مكالمة وهو بمكتبه بالمعهد تخبره أنه تم اختياره ليصبح عضوًا في الطاقم الطبي لرئيس الجمهورية، لتنجح خطة ضابط الموساد.

ومع مرور الوقت، تقرب الرجل أكثر وأكثر من «السادات» بل وكامل أفراد الأسرة، وبناءً على ذلك، زاد نفوذه وصلاحياته، وأصبح يمد الموساد بتفاصيل ما يحدث داخل القصر الجمهوري، إلا أن مع زيادة نفوذ دكتور العلاج الطبيعي، زاد أيضًا غروره، وبدأ في التخلي عن حذره، وبعد أن كان يلقي بخطاباته المكتوبة بالحبر السري في صناديق مختلفة، أصبح يستسهل الأمر ويلقي بجميع الخطابات في صندوق البريد الملاصق للمعهد أو النادي، وبعد أن كان يحرص على تزوير تأشيرات وأختام تبرر سفرياته المتعددة، أصبح لا يكترث كثيرًا بحسب ما نشرته صحيفة المصري اليوم.

السقوط في قبضة أسود المخابرات

لفترة طويلة كان حريصا في تحركاته وتصرفاته.. ولكن بعد زيارة الرئيس أنور السادات الى القدس شعر بالاطمئنان.. ودفعه الاطمئنان الى الاستهتار.. وهكذا.. تجرأ ودخل السفارة الاسرائيلية من بابها.. وتردد عليها أكثر من مرة.. (عيني عينك).. وكان من السهل رصده.. ووضعه تحت المراقبة.

راحت الكاميرات الخفية تسجل لقاءاته مع بعض ضباط الموساد.. وعلمت (القاهرة) بما جرى.. وعلمت بخبر عودته الى مصر.. فقد حدد الموعد بنفسه أثناء زيارة قام بها للسفارة المصرية في أمستردام.. وتأكد أحد ضباط المخابرات المصرية بذلك بنفسه.. وقرر مرافقته كظله في الرحلة.. تمهيدا للقبض عليه في المطار.

ولكنه لم يكن على متن الرحلة بل كان قد وصل الى القاهرة قبل الموعد بحوالي 48 ساعة أي في اليوم الذي زار فيه السفارة المصرية وضلل من فيها. تقرر مهاجمة بيته والقبض عليه والتقاط مزيد من الأدلة التي تدينه وتلف حبل المشنقة على رقبته.. وكانت الخطة هي تقمص شخصية صحفيين في مجلة أسبوعية مصورة.. يطلبون منه حديثا صحفيا يتحد ث فيه عن رحلته.. ولم يساوره الشك.. فهو معتاد على ذلك.. وكان شرط من تنكروا في شخصية صحفيين هو أن يحبس الكلب المتوحش الذي يحرسه في بيته.. إنه كلب شرس.. ضخم.. يمكنه افتراس ثلاثة رجال أشداء.. وكان يحتفظ به في شقته ليضمن ألا يتسلل أحد اليها.. وقد طمأنهم قائلا: أنه سيربط (ذلك الوحش) في المطبخ.. وسيغلق عليه الباب إمعانا في الأمان.. وبهذه المكالمة حانت ساعة الصفر. وضعت شوارع (الزمالك تحت السيطرة.. ودخلت قوة الضبط بيته وهي تتمالك نفسها.. وعندما تأكدت أن الكلب مربوط في المطبخ.. أغلقوا عليه باب المكتب.. وكشفوا عن أنفس هم.. وفي دقائق كانت حرب الأعصاب بين الطرفين على أشدها.. لم يكن من السهل عليه أن يعترف.. ولم يكن من السهل على قوة الضبط أن تتوصل الى أدوات التجسس التي يستعملها.. وبعد انتهاء الارسال التليفزيوني دخل ابنه ليفاجأ بما يجري.. وسأل الابن أبيه باللغة الألمانية: (هل يكلم صديقه جمال أنور السادات في التليفون ليطلب منه التدخل؟).. لكن كان هناك من يعرف الالمانية.. فترجم ما سمع الى وكيل النيابة الذي قام بنزع سلك التليفون حتى لا يتدخل أحد فيفسد القضية.

وحسب ما نشر في كتاب (عبدالناصر: أسرار المرض والاغتيال) فإن علي العطفي خشى الفضيحة، وعرض على قوة الضبط أن تتكتم الأمر، على أن يكفر عن خطاياه بأن يصبح عميلا مزدوجا، لقد طلبوا منه أن يسافر ويعيش في اسرائيل، وهو سيفعل ذلك ليكون عينا على العدو لصالح وطنه، ثم راح يكشف كل ما يعرف، ويقدم كتاب الشفرة، وورقة الكربو ن البيضاء المتطورة التي يستعملها والتي كان يميزها بكتابة (البسملة) كنوع من التمويه، فمن يقدر على الشك في أن ورقة مكتوب عليها لفظ (الجلالة) يمكن أن تكون وسيلة سرية لمراسلات جاسوس خائن لدينه ووطنه؟ ، وكان هناك جهاز لاسلكي استخدمه في الاستقبال في عام 1969 واستخدمه في الارسال في عام 1971 .

كان هناك (بوست كارت) أو بطاقة سياحية ،كان يستخدمها في وضع شرائح رفيعة جدا للميكروفيلم بين طياتها الرقيقة ،وكان هناك عدسة خاصة لتكبير شرائح الميكروفيلم.

وفيما بعد سئل علي العطفي عن سر تماسكه وسر دفق اعترافاته بهذا الشكل غير المتوقع.. فقال: (من قال أنني كنت متماسكا؟.. لقد كنت في حالة ذهول.. حالة من الذهول جعلتني أرفع عيني الى السماء أطلب من الله الستر والمغفرة.. فقد كان في نيتي أن أتوب بعد أسبوع واحد.

وقررت أن أسافر الى بيت الله الحرام لاداء العمرة.. وغسل ذنوبي بدموعي هناك.. لكن مشيئة الله أبت إلا أن تجعل توبتي مستحيلة).

في اعترافاته المسهبة لم يشر علي العطفي من قريب أو بعيد الى أنه دلك ساقي جمال عبدالناصر، ولا أنه كلف بدس السم له في المراهم والدهانات، وإن اعترف بانه كان على علاقة قوية بأنور السادات، وبأنه وضع له برنامجه الخاص بالعلاج الطبيعي، وبأنه كان صديقه،  وبأنه كان مسموحا له بدخول حجرة نومه،  وبأنه كان قادرا على خصامه ومقاطعته إذا صدرت تعليمات اسرائيل بذلك.

ومن الشخصيات اللتي ذكرها أيضا، عثمان أحمد عثمان، وسيد مرعي، وعبدالمحسن مرتجى، وكمال حسن علي، كان يتعامل معهم دون أن يعرفوا حقيقته، وإن كانوا بحكم طبيعتهم لم يقولوا له ما يمكن الاستفادة منه.

واعترف كذلك بأن شهادة الدكتوراه التي حصل عليها كانت مزورة، وقد تعمدت المخابرات الاسرائيلية ذلك حتى تظل رقبته تحت سيفهم، وحتى يستمر عجينة لينة بين أصابعهم، يشكلونها كما يشاءون.. وبحثا عن مزيد من الأدلة جرى تفتيش الأماكن التي كان يتردد عليها.. مكتبه في معهد العلاج الطبيعي.. مكتبه في النادي الأهلي.. ومكتب استيراد وتصدير يملكه شقيقه في وسط القاهرة.. وقد قال شقيقه وهو يتلقى النبأ الصاعقة: (لقد جعل رؤوسنا في الأرض.. لو كان مرتشيا أو قاتلا لهان الأمر.. لكن ماذا نقول وهو جاسوس؟).

والمذهل أنه لم يكن يتقاضى سوى 200 دولار شهريا بخلاف تذاكر السفر و20 دولارا يوميا بدل سفر في رحلاته الخارجية وبخلاف مكافآت أخرى كان يتقاضاها من وقت لآخر، والمذهل أنه كان يوقع ايصالات باستلام النقود، وقد صودرت ممتلكاته وأمواله، صودر أكثر من مليوني جنيه منقولات وعقارات وأموال سائلة.

وقدم علي خليل العطفي الى المحاكمة وأمام محكمة أمن دولة عسكرية عليا.. وكان رقم القضية الجنائية هو رقم (4) لسنة 1979 وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة (25) سنة، لكن الرئيس أنور السادات (الضابط ا لأعلى المصدق على الأحكام) خفض الحكم الى 15 سنة أشغال شاقة.

وكان مناحيم بيجن رئيس وزراء اسرائيل الأسبق وشريك الرئيس أنور السادات في معاهدة (كامب ديفيد) قد طلب الافراج عن علي العطفي حتى لا يؤثر سجنه على السلام بين البلدين ولكن الرئيس أنور السادات رفض ، وقد تكرر الطلب الاسرائيلي وتكرر الرفض المصري.

وقد أصيب علي العطفي بضعف في البصر ثم فقد البصر ثم مات في السجن قبل أن يكمل مدة عقوبته.

إقرأ أيضاً : أخطر جاسوس في تاريخ مصر «السادات صدم بعد القبض عليه» .. «جاسوس قصر الرئاسة» الذي سمح له بدخول غرفة نوم الرئيس .. «أخصائي العلاج الطبيعي للنادي الأهلي» .. الدكتور «علي العطفي»

تعليقات القراء