ثورة 19 .. المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي .. المرأة المصرية تلقن الإحتلال درساً في الوطنية .. سيد درويش يطلق النار بالأوتار

الموجز - إعداد - محمد علي هـاشم 

السؤال عن أسباب المظاهرات وحال الفلاح قبل وبعد الاحتلال وعن التعليم في مصر.. أبرز أسئلة لجنة ملنر

الوفد يحكم عملية المقاطعة.. والحركة الوطنية تحاصر اللجنة التي لا تجد إلا إعراضا ونفورا من كل مفاوضة

الوفد يشترط رفع الأحكام العرفية وسحب الجنود الإنجليز وإطلاق حرية الصحافة وأن تكون المفاوضة على أساس الاستقلال التام


ثاني كتاب نتجول بين صفحاته هو «دراسات في وثائق ثورة 1919»..«المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبد الرحمن فهمي»، الذي يزيح الستار عن جانب خفي من نضال الوفد، ومن شخصية الزعيم سعد زغلول، وسكرتير اللجنة المركزية للوفد عبد الرحمن فهمي، وهو الجانب الذي لم يكن معروفًا حتى عثر الأستاذ الدكتور محمد أنيس على هذه المراسلات التي مكَن نشرها الباحثين من تركيب صورة تاريخية لثورة 1919 كان من المستحيل التوصل إليها من دون الاستعانة بهذه الوثائق.

بلغ عدد المراسلات السرية (مكتوبة بالحبر السري) المرسلة من سعد زغلول إلى عبد الرحمن فهمي 30 رسالة، من 23 يونيو 1919 إلى 28 أبريل 1920، كما بلغ عدد التي أرسلها فهمي لسعد 29 تقريرًا بدأت من 23 يوليو 1919 وحتى مايو 1920.

تناولت تلك المراسلات قضايا مهمة مثل (خروج إسماعيل صدقي ومحمود أبو النصر من الوفد، ومقاطعة لجنة ملنر، وحركة الأمراء، ووحدة عنصر الأمة والتكتل الأرستقراطي)؛ فكل تقرير كان يشمل مسائل متعددة.
وتقارير عبد الرحمن فهمي تشمل عرضا لأهم الأحداث العلنية والسرية التي كانت تدور في مصر؛ وكان يعطي من خلالها للوفد في باريس صورة عن الموقف في مصر، بينما كان سعد يعطي لعبد الرحمن فهمي رأي الوفد في كثير من المسائل التي تجري في مصر لتسير اللجنة المركزية للوفد على هديها.
الكتاب صدرت طبعته الأولى في عام 1963 للدكتور محمد أنيس (1921-1986) أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، ومؤسس مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر (1967- 1975)، والرئيس الأول له، وهو المركز الذي قام تحت إشرافه بجمع شتات العديد من الوثائق المهمة، وأعادت دار الشروق نشر هذا الكتاب في 2019 ، ويقع في 242 صفحة، من القطع المتوسط.

•••••••••

 

عرضنا في الحلقة السابقة، كما تروي المراسلات السرية، بداية حديث سعد زغلول وعبد الرحمن فهمي عن لجنة ملنر قبل وفودها إلى مصر، والشروع في تشكيل لجنة برئاسة عدلي يكن لمقابلة اللجنة الإنجليزية، وكيف جاءت فكرة المقاطعة إلى فهمي ثم استحسن قبولها سعد زغلول والوفد.
وفي هذه الحلقة نستعرض الصعوبات التي واجهت لجنة ملنر في مصر، في ظل مقاطعة المصريين لها، وشروط الوفد لقبول مفاوضة اللجنة.

أسئلة لجنة ملنر:
في تقرير 24 سبتمبر 1919 يرصد عبد الرحمن فهمي أسئلة اللجنة التحضيرية التي يرأسها اللورد ملنر الموجهة إلى الأعيان والموظفين وأرباب المعاشات «الذين يظن أنهم لا يزالون متعلقين بأهداب الاحتلال»، ومجمل هذه الأسئلة تنحصر فيما يأتي:
1- هل الفلاح أسعد حظًا الآن أم قبل الاحتلال؟
إلى أي حد كان اشتراك الفلاحين في القلاقل المصرية ناشئا عن استعداد سابق حدث في نفوسهم من جراء شكوى لهم؟ وما هي هذه الشكوى؟ وماهو مبلغ صحتها؟ وهل يزال منها قائما؟ وهل هي قابلة للعلاج؟
2- هل ترى لزوما لترتيب يكفل التعبير عن آراء الجاليات الأجنبية المقيمة في مصر وتمثيل مصالحها فيما يتعلق بالتشريع وما هو الترتيب الذي تقترحونه لذلك الغرض؟
3- ماهي الأسباب السياسية التي بعثت على الاضطراب الأخير وإلى أي حد كان ذلك الاضطراب ناتجا من عدم الرضا بشكل الحكم بصرف النظر عن تفاصيل الإدارة وما الاصلاحات الدستورية التي تتطلبها الحال؟
4- ماهي وجوه النقص في نظام الإدارة الحالي بصرف النظر عن دستور الحكومة، وماهي وجوه التعديل المطلوبة لا سيما في شأن علاقات الموظفين الإنجليز بالموظفين المصريين وفي شأن نظام اللامركزية ونحو ذلك؟
5- ما رأيكم في توسيع نطاق اختصاصات مجالس المدريات أو تعديلها، وماهي اقتراحاتكم في التغييرات التي ترونها لازمة في تأليف تلك المجالس وطريقة انتخاب أعضائها والشروط المطلوبة للعضوية؟
6- ما هو رأيكم في إصلاح الهيئات المحلية بالمدن وماهي التغيرات التي ترون لزومها في اختصاصات وتأيف وشروط العضوية وطرق الانتخاب في المجالس البلدية المختلفة والمجالس المحلية. وهل لكم اقتراحات ماسة بمصلحة البلديات والمجالس المحلية؟
7- هل تعدون نظام التعليم العام في مصر قابلا للتحسن وإذا كان الأمر كذلك ففي أي بابا وماهي الطرق التي تشيرون بإتباعها؟

إصرار الوفد على المقاطعة:
يكمل فهمي حديثه: «هذه الأسئلة وجهت من ثلاثة أيام فقط، وقد اتخذنا اللازم لتفهيم الأمة واجبها إزاء هذا العمل الضار بها بعدة طرق بدأنا في أن نعطيها وسنتم البعض الآخر بالدور».

وفي 7 يناير 1920 أي بعد شهر تقريبا من المجيء الفعلي للجنة ملنر إلى مصر، يرسل عبد الرحمن فهمي إلى سعد زغلول يخبره: «أحمد الله الذي وفقنا إلى إحكام عملية مقاطعة اللجنة إحكاما فاق حد المنتظر وأذهل الجميع هنا، وأصبح أعضاء اللجنة الإنجليزية يتنقلون لزيارة من يتوسمون فيه خيرا لمناقاشتهم أو قبول مفاوضتهم، فلم يجدوا إلا إعراضا ونفورا من كل مفاوضة، وأصبح ثابتا عند الجميع أن الهيئة الوحيدة التي يمكن المفاوضة معها باسم الأمة المصرية هي هيئة الوفد الموقرة».

شروط الوفد للمفاوضة؟
ويستمر فهمي في خطابه: «دار حديث بيني وبين سعادة عدلي باشا في موضوع البلاغ الذي أصدرته لجنة ملنر، وسعادته كان يرى أن بلاغ اللجنة الإنجليزية كاف للدخول في مفاوضة معها، وبعد مناقشة طويلة أقنعناه بأن هذه البلاغ يمكن اعتباره فقط مبدأ لطريق المفاوضة، والتي يعتبر بيان اللجنة الإنجليزية مبدأ لها، فقلنا له أنه يجب أن يعترف اللورد بأن المفاوضة تكون على أساس الاستقلال التام، وأن لفظة self government institutions الواردة ببلاغه هي الاستقلال التام أيضا.
«فإذا فسر اللورد ملنر هاتين الجملتين رسميا بما أفسره أنا ورفع الأحكام العرفية، وسحب الجنود الإنجليز من المدريات والقرى، وأطلق الصحافة من قيودها، وأعلن حرية الخطابة والكتابة وأعلن احترام الحرية الشخصية؛ عندئذ يمكن أن يقال أننا اقتربنا جدا من البدء في المفاوضة.
«فقال لي سعادته (قاصدا عدلي يكن) وهل إذا تم كل ذلك يحضر سعد باشا ليفاوض اللجنة، فقلت له إن هذا شيء لا يمكنني أن أضمنه ويرجع الكلام النهائي إلى سعادة رئيس الوفد؛ إذ ربما يكون لديه من الطلبات والضمانات ما يفوق ما جاء بالخاطر، عندئذ قال سعادته حينئذ يجب ترك كل هذا إلى سعد باشا ومن رأيه أن تحضروا سعادتكم لتطلبوا الضمانات اللازمة للدخول في المفاوضة، ولكننا ضد هذا الرأي على خط مستقيم؛ إذ من رأينا أن لا تحضروا إلى مصر قبل أن تتحصلوا على جميع الضمانات اللازمة لإعادة حرية البلاد إليها، وتتحصلوا أيضا على ما يضمن الوصول أثناء المفاوضة إلى أمنيتنا الكبرى وهو الاستقلال التام».

حصار لجنة ملنر:
ذكر ملنر في تقريره الذي قدمه لحكومته بعد زيارة لجنته لمصر أن من أهم أسباب فشل اللجنة مقاطعة المصريين لها وأن أعضاء اللجنة كانوا يشعرون بأن الحركة الوطنية تحاصرهم حصارا شديدا، ولكن عبد الرحمن فهمي يذكر الأسلوب الذي اتبعه في هذه المحاصرة قائلا: «لما استقر بلجنة ملنر المقام أخذت تستدعي كل من آنست فيه الميل إلى الإنجليز، فخشيت أن تستند اللجنة إلى أقوال أولئك الخارجين على رأي الأمة ولذلك عمدت إلى طريقة مبتكرة تذهب بمجهودات اللجنة سدى وتكون وسيلة في الوقت نفسه إلى الدعاية لنشر المقاطعة بين رجال البلاد.
«وذلك أنني بثثت العيون والأرصاد في جميع المسالك التي تؤدي إلى فندق سميراميس، مركز اللجنة، وقد تزيوا بأزياء مختلفة، فكان منهم العاجز والمتسول وبائع الفول واللب والسجائر، وقد أعطيت كل منهم ما يسهل عليه كتابة أسماء القاصدين إلى فندق سميراميس والراجعين منه مع ذكر وقت مرورهم وخصصت أناسا آخرين يمرون على الأولين من وقت لآخر ليجمعوا منهم الأوراق التي كتبوها وبذلك استطيع معرفة الذين خرجوا على رأينا بمقابلة اللجنة فأرسل إليهم الوفد لتستعلم منهم سبب ذهابهم إلى اللجنة وعما دار بينهم وبينها من الحديث.
«وكان لكل وفد رئيس وسكرتير، فبينما يوجه الرئيس السؤال إلى أحد الأعيان ويجيب الأخير عنه كان السكرتير يكتب السؤال وجوابه، وعلى الرغم من البداهة تجعل الإنسان يرجح أن هؤلاء المختارين لمقابلة اللجنة ربما كانوا يجاوبنها بما يتفق وما يريدونه منهم فإنهم جميعا كانوا يجيبون الوفود أجوبة صريحة تفيض وطنية وإيمانا بحب الوطن، كقولهم إنهم لا يريدون غير الاستقلال التام لمصر والسودان وأنهم يوكلون عنهم الوفد برئاسة سعد زغلول باشا، وبعد أن يجيب كل منهم بهذه الأجوبة ويدونها السكرتير كنت أطلب نشر هذه الأسئلة وأجوبتها أولا بأول على الأمة لتكون درسا عمليا يتعلم منه القاصي والداني من أبناء البلاد ما يجب عليه قوله عندما يسأله أحد عن الاضطرابات والثورة وأسبابها».(المصدر)

وطنيات ثورة 1919 : «قوم يا مصري مصر دايما بتناديك».. أيقونة الثورة التي لخصت كل معانيها

قبل سيد درويش لم يكن هناك نشيد قومي متداول بين أفراد الشعب، وقد ولد أول نشيد مع تلحينه لـ«قوم يا مصري» في رواية «قولوله» من كلمات بديع خيري في عام 1919.

من منا لم يذكر هذا النداء الذي عبر لأزمان طويلة ليخترق حس كل وطني ينتمي لمصر، بعد أن لحنه «فنان الشعب» قبل 100 عام في ذروة أحداث ثورة 1919 ليلهب حماس المصريين للمطالبة بحقوقهم وحرياتهم.

ومسرحية «قولولو» قدمتها فرقة الفنان الكبير نجيب الريحاني، وكان من المفترض أن يتم عرضها في شهر مارس، إلا أن اندلاع أحداث الثورة في ذلك الحين أدى لتأجيل العرض إلى شهر مايو، وهي المسرحية التي قال عنها الريحاني في مذكراته المجهولة إنها «آخر مسرحية استعراضية قدمها».

وعبر الثنائي سيد درويش وبديع خيري عن هذه اللحظة المهمة في عمر الوطن، داعيًا الجماهير للنهضة والمشاركة: «قوم يا مصري مصر دايما بتناديك..خد بنصرى نصرى دين واجب عليك».
وتشير الكلمات إلى نفي زعيم الأمة سعد زغلول بـ«يوم ما سعدى راح هدر قدام عينيك»، وتحمل الأغنية كثير من هذه المعاني المبطنة والمقصود بها سعد مثل «نيلها جى السعد منه» و«يوم مبارك تم لك فيه السعود».

فكانت المقاومة من خلال الكلمات الوطنية في هذه الفترة، والتي غالبا ما تكون لبديع خيري أو ليونس القاضي، تتلاعب بالألفاظ حتى لا تقع تحت سطوة الأحكام العسكرية بعد أن قررت السلطات البريطانية بسجن وجلد كل من يتلفظ باسم سعد باشا، مثل « يابلح زغلول» و«زغلول وقلبى مال إليه».

وتستمر كلمات الأغنية في استفزاز جموع الشعب بتذكيره بجدودهم وأمجادهم السابقة لاستنهاض يقظتهم التي تفسد على المحتل مخططه :
عد لى مجدى اللى ضيعته أيديك
شوف جدودك فى قبورهم ليل نهار
من جمودك كل عضمة بتستجار
صون أثارك ياللى دنست الآثار
دول فاتولك مجد و أنت فوت عار
وتأخذ الكلمات منحى أكثر عاطفية وتعبر عنها الألحان:
شوفت أى بلاد يا مصرى فى الجمال
تيجى زى بلادك اللى ترابها مال
نيلها جى السعد منه حلال زلال
كل حى يفوز برزقه عيشته عال
يوم مبارك تم لك فيه السعود
حب جارك قبل ما تحب الوجود
ويعبر بديع خيري هنا عن الوحدة الوطنية محذرا من الفتنة:
ايه نصارى و مسلمين قال ايه و يهود
دى العبارة نسل واحد مـ الجدود
يعود ليستنهض همة المصري:
ليه يا مصرى كل أحوالك عجب
تشكى فقرك و أنت ماشى فوق دهب
مصر جنة طول ما فيها أنت يا نيل
عمر ابنك لم يعيش أبدا ذليل(المصدر)

«ده وقتك ده يومك يابنت اليوم».. فن الثورة لم ينس المرأة ولا قضاياها

يحسب لأحداث ثورة 1919 أنها أكبر من ساعد المرأة المصرية في التحرر وانتزاعها حقوقها ومشاركتها في المجتمع مثل الرجال، وإذا قلنا إن الفنان سيد درويش هو فنان الشعب والمحرك الأول لفن الثورة؛ فبالتأكيد سيكون قد تعرض لقضايا المرأة بفنه.
بالفعل حدث ذلك والأغنية التي نسترجعها اليوم خير دليل على ذلك؛ ففي عام 1923 لحن سيد درويش استعراض «بنت اليوم» الذي كان جزء من رواية «الانتخابات» من تأليف أمين صدقي، وتقديم فرقة علي الكسار، وهي آخر المسرحيات التي شارك فيها سيد درويش قبل وفاته في نفس العام.
والأغنية التي تبدأ كلماتها بـ«ده وقتك ده يومك يابنت اليوم..قومي اصحي من نومك بزياداكي نوم..وطالبي بحقوقك واخلصي من اللوم» ناقشت أوضاع المرأة وحقوقها وطالبت بأن تمارس حقوقها المشروعة، كالحق في الانتخاب، فكانت تعد هذه الكلمات في وقتها سابقة لزمانها.
كما أن هناك رأي يقول بأن أمين صدقي كتب هذه الكلمات قاصدا مصر، في وقت تتحرر فيه بالفعل ومقبلة على انتخابات بعد إقرار دستورها في نفس عام الأغنية.

تقول كلمات الأغنية التي غنتها بديعة صادق:
ده وقتك ده يومك يابنت اليوم
قومي اصحي من نومك بزياداكي نوم
وطالبي بحقوقك واخلصي من اللوم
ليه مانكونشي زي الغربية
ونجاهد فى حياتنا بحرية
شطارة شاطرين قدارة قادرين
مين فى خفتنا ودردحتنا مين
معانا شهادات ودبلومات
ونعرف بولوتيكا بالسبع لغات
ليه مانكونشي ليه زي الراجل ليه
قولولنا هو زايد عننا ايه
ليه جوزي اللى يتعب تملي
ليه يشقى وانا قاعدة فى محلي
أتعاون فى حياتي وحياته
وتروق له العيشة وتروق لي
إشمعنى فى أوروبا الستات
لهم صوت فى الانتخابات
إحنا كمان لازم نفوقهم
هنا فى بلادنا ونبقى فوقهم
دي المصرية من نشأتها
مفيش زيها ست فى بيتها
إن كان فى محبة بلادها
واللا فى تربية أولادها(المصدر)

تعليقات القراء