بالفيديو .. سقوط عيون موسى .. حصنتها إسرائيل بقضبان حديدية وفولاذ .. موقع لـ 6 من أقوى المدافع دمرت مدينة السويس ولم يكن معروف أماكنها
الموجز - إعداد - محمد علي هـاشم
هي إحدى معارك حرب أكتوبر التي وقعت في منطقة عيون موسى .
حيث كانت قوات قطاع الجيش الثالث تقاتل على عمق 8 إلى 11 كيلو مترًا شرق القناة ،وكان أبرز قتال هذا اليوم هو نجاح الفرقة 19 مشاة بقيادة العميد يوسف عفيفي في احتلال مواقع العدو الإسرائيلي المحصنة على الضفة الشرقية التي يتمركز فيها ستة مدافع 155 مم.
وكان العدو الإسرائيلي يستخدم هذه المدافع في قصف مدينة السويس خلال حرب الاستنزاف، ولم نتمكن من إسكاتها في ذلك الوقت برغم توجيه قصفات نيران ضدها بكل أنواع دانات المدفعية المتيسرة وقتئذ لصلابة التحصينات التي عملتلها بواسطة القوات الإسرائيلية.
«سعد»: هنا اقتلع العدو قضبان سكك حديد «مصر - فلسطين» ليدمر مدن القناة بمدفع «أبوجاموس»
هنا فى تلك النقطة، التى تبعد 17 كيلو عن مدينة السويس، وعلى مقربة من آبار عيون موسى، نصبت إسرائيل مدافعها العملاقة داخل دشم خرسانية، بنتها تحت الأرض من الحجارة وقضبان السكك الحديدية التى كانت تربط مصر بفلسطين عبر سيناء، لتضع بداخلها مدافعها فى مأمن بعيداً عن العين، تخرج بطريقة ميكانيكية لتطلق قذائفها بعيدة المدى لنحو 30 كيلومتراً، تصيب أهدافها بدقة داخل سيناء وخارجها وفى مدن القناة، وتعود فى الحال إلى داخل التبّة الخرسانية وكأن شيئاً لم يكن.
وبعد مرور 43 عاماً على الحرب، ما زال الموقع على هيئته الأولى، يستقبلك جندى مصرى مرتدياً زيه العسكرى الأنيق، يتحدث بكلمات منمقة وزهو شديد، يروى للزائرين تاريخ تلك النقطة الحصينة، أحمد سعد، ابن سوهاج، مجند بالقوات المسلحة، كان مرشداً لـ«الوطن» فى زيارة لأطلال النقطة الحصينة بعيون موسى.
«سليم»: البدو ساعدوا عناصر المخابرات الحربية فى جمع المعلومات عن «النقطة الحصينة» وأخفوهم بينهم لأسابيع حتى لا يشك الإسرائيليون فيهم
كانت النقطة الحصينة بعيون موسى ذات أهمية كبيرة لدى إسرائيل، حسب «سعد»، بخلاف أنها غير مرئية ولا تستطيع القوات المصرية تحديد مكانها بفضل تصميمها، ولكن أيضاً هى نقطة مسيطرة على مناطق أهم مثل خليج السويس الذى لا يبعد إلا بضعة كيلومترات، بجانب السيطرة على جبل عتاقة ومنطقة عتاقة وميناء الأدبية وشط الطور.
يقول «سعد» إن تلك الأهمية القصوى دفعت القوات الإسرائيلية لتأمينها على أعلى مستوى، من خلال مدافع مضادة للطائرات، وتحصينات شديدة، وألغام أرضية مضادة للدبابات وأفراد يحيطون بالموقع، ما دفع بعض الجنود المصريين لإلقاء أنفسهم على تلك الألغام لكى تعبر القوات تجاه النقطة التى استسلمت من فرط الخوف من الرعب مما شاهدوه، مسلّمين الموقع بكل ما يحتويه من عتاد وجنود. تجول «سعد» مع «الوطن» بين الأطلال وحطام النقطة الحصينة، يتحرك فى خنادق تحت الأرض مدعمة بألواح الصفيح من الجانبين، يعدو نحو غرفة القائد، لا بد من الانحناء قليلاً للدخول للممر، تصدح ضحكات قادمة من غرف القائد الإسرائيلى، أسرة مصرية كانت فى زيارة للموقع لتعرّف أبناءها على انتصارات أجدادهم فى حرب أكتوبر، ويقول «سعد»: «الزيارات للموقع لا تتوقف على المصريين فقط، ولكن هناك إسرائيليين يزورون الموقع وينخرطون فى البكاء على ضحاياهم». يظهر فى غرفة القائد علم إسرائيل ونشيدها الوطنى، وأوراق من التوراة وبعض الأسلحة الخفيفة، وساعة القائد الشخصية، وبطاقته العسكرية، وإلى جانبها مجسم لجندى إسرائيلى يرتدى بدلته العسكرية، يقف إلى جوار مكتب القائد، وليس وحده ولكن تنتشر الكثير من الدمى والمجسمات لجنود إسرائيل فى المكان وضعها الجيش المصرى فى محاولة لأن يتعرف الزائر على الوضع الحقيقى الذى كان قائماً فى ذلك المعسكر، حسب رواية «سعد»، إلى جانب خريطة لسيناء بالكامل، يصفها «سعد» بأنها الأحدث وقتها، حيث أخذت بالقمر الصناعى الأمريكى وأهدتها الولايات المتحدة لإسرائيل، وكانت تستخدم فى قصف مدن القناة.
تظهر ملامح الدشمة التى صنعت القوات الإسرائيلية ستاً أخرى مماثلة، تتشكل من الحصى، ممزوجة بقضبان السكك الحديدية التى خلعها جنود العدو من خط قطار «الحرير» أو قطاع الحجاج الواصل بين القاهرة وفلسطين عبر سيناء، بعد نكسة 1967، ويقول «سعد» إن الحصى موضوع بشكل يجعل تعرض الدشمة لأى قذائف تزيد من قوتها حيث تتفتت الحصى فى الطبقة الأولى وتنهمر بين الطبقات السفلى لتزيد من قوة الدشمة، بجانب أن تعرض الدشم لأى قذائف يصهر قضبان السكة الحديدية لتختلط بالحصى لتكون كتلة كبيرة صلبة يصعب تحطيمها.
صممت تلك الدشم لكى تتحمل قنبلة وزنها 1000 رطل، نظراً لتشكيلها من حوائط سميكة مغطاة بقضبان سكة حديد وفوقها سلاسل من الصخور والحجارة، وضع الإسرائيليون فى كل دشمة من الست مدفع «هودزر»، يخرج بشكل «هيدروليكى» يقوم بإطلاق القذائف على مدينة السويس، ويعود أدراجه من فرط قوة القذيفة ويغلق عليه على الفور باب يخفيه، وهو ما صعب مهمة اكتشاف مكان تلك النقطة الحصينة.
«أبوجاموس».. هكذا سمّى أهالى السويس المدفع «هودزر 155 ملى فرنسى»، وذلك لأن صوت الدانة حين تسقط على المدينة يشبه خوار الجاموس، يظهر فى نهاية الدشمة ذلك المدفع الذى لم يبق منه إلا واحد بعد تحطيم القوات المصرية للخمسة الأخرى، حيث كان يتميز المدفع بمدى إصابة من 23 إلى 27 كيلو، فى الوقت الذى تبعد الدشمة فيه عن مدينة السويس 17 كيلو، ما يضع المدينة بأكملها تحت رحمة المدفع، وكانت الدانة تستطيع تدمير أكثر من 50 متراً مربعاً؛ لأنها شديدة الانفجار، وملحق بالدشمة 12 فتحة تهوية، حيث كان ينفث المدفع دخانه بالكامل داخل الدشمة بعد ارتداده للداخل عقب الإطلاق، وحتى يخرج الدخان من الدشمة على مراحل فلا يظهر للطائرات لتكشفه مكان الإطلاق.
لم تغير عوامل الجو من الدشمة.. على وضعها كما أسسها الإسرائيليون، ويرجع المجند ذلك إلى أن المكان مدهون بالكامل بالفولاذ والكروم، وهو ما يحميها من الصدأ والتآكل وعوامل التعرية، كما أن تلك المواد تعكس درجة حرارة الجو خارج الدشمة، فحين تكون درجة الحرارة مرتفعة فى الخارج، تكون الدشمة فى أقصى درجات البرودة، ولم تكن الدشمة تحتوى على «أبوجاموس» فقط، ولكن بالتجول بين الخنادق تظهر غرف للمراسلة مزودة ببعض الأجهزة التى يصفها «سعد» بـ«المتطورة» وقتها، بجانب غرف للعساكر والضباط.
وسط المتعلقات الشخصية للجنود الإسرائيليين تظهر مجموعة من طلقات «برايمر»، ويقول «سعد» إن تلك الطلقات محرّمة دولياً، حيث تفتت تلك الطلقات الصفات الوراثية داخل الإنسان وتجعله شخصاً مجهول الهوية، تلك الطلقات خير دليل على أن إسرائيل كانت تستخدم أسلحة محرمة دولياً فى حربها مع مصر.
يتذكر «سعد» جيداً حينما استقبل سيدة شقراء عجوزاً، وبرفقتها مترجم ظلت تستمع لشرحه للموقع وطريقة الاقتحام بإنصات، وتمر بين الخنادق بدأب واهتمام شديدين، ثم جلست تنتحب وتبكى، وحينما سأل «سعد» المترجم عن سبب بكائها قالت إنها يهودية، وحزينة على ضحايا الموقع من الإسرائيليين الذين سقطوا فى المعركة.
وعلى بُعد من موقع النقطة الحصينة تظهر عيون موسى، جف بعضها وبقيت واحدة فقط ما زالت المياه تتدفق منها، إلى جانبها التقت «الوطن» الشيخ سليمان سليم، شيخ مشايخ قبائل «العليقات» بعيون موسى، كان الرجل شاهداً على المعركة، ويقول إن قبائل «العليقات» كانت تسكن فى الأساس بجوار آبار عيون موسى، ولكن بعد حرب 1967 نقلوا موقعهم إلى فوق جبل «الراحة» بجوار النقطة الحصينة.
كان «سليم» وأهله من البدو يتابعون نقل الحصى وقضبان السكك الحديدية للمنطقة، ولكن لم يكن على دراية بما يبنى الإسرائيليون بالقرب منهم، وكان بداية الظن أنه معسكر عادى، لم يكن أحد يتخيل أن القنابل التى تسقط على أهل مدن القناة تنطلق من تلك النقطة المجاورة لهم، ولكن وبالمصادفة شاهد أحد المشايخ الذى كان يتعاون مع المخابرات الحربية فى نقل أخبار وتحركات الجيش الإسرائيلى، مدفع «أبوجاموس» وهو يخرج لإطلاق قذائفه فأخبر المخابرات المصرية فوراً.
«سليم» يروى أن البدو ساعدوا فى وجود بعض عناصر المخابرات الحربية المصرية فى وسط القبيلة لأسابيع لكى يجمع كل ما يكفيه عن تلك النقطة، كان يرتدى ملابس البدو، لدرجة أنه كان يأكل من قمامة معسكرات الجيش العدو، لكى لا تشك عناصر القوات الإسرائيلية فى أمره، وظنوا أنه من فقراء البدو الذين اعتادوا الأكل من قمامة المعسكرات وجمع ما كان يتبقى من طعامهم، وظل الشاب المصرى يتابع تلك النقطة ويجمع كل ما تطوله يده من معلومات ثم عاد للقاهرة بها.
وحين عبرت القوات المصرية قناة السويس، وفى اليوم الثالث صدرت الأوامر لمجموعة الاقتحام، التى تشكلت من إحدى فرق الوحدات الميكانيكية، بالسيطرة على النقطة الحصينة فى 9 أكتوبر، وكان برفقتها بدوى من قبيلتهم يدعى «عليان أبوعودة»، وحينما وصلوا لموقع عيون موسى لم تتوقف طلقات الضرب على القوات، ولم تستطع القوات التحرك والتقدم حتى لا تتكبد الكثير من الخسائر فى مواجهة وابل الرصاص والقذائف من النقطة، ولكن «عليان» هو من وجه القائد العسكرى لضرورة مهاجمة النقطة من الخلف لتوفير عنصر المفاجأة، ودلّه على الطريق الخلفى عبر ممر رملى غير مرئى للعدو، وبالفعل استطاعوا الولوج لداخل النقطة ونجحت تلك المعركة بعدما استسلمت القوات الإسرائيلية من الخوف من الجنود المصريين الذين ألقوا بأنفسهم على الألغام لتأمين طريق عبور القوات.(المصدر)